بقلم : سعيد السنى
الأحد 2012/10/7 4:53 م
لا تبشر بالخير.. هى المراسم التى جرت مساء أمس ( السبت) بإستاد القاهرة إحتفالاً ب"نصر اكتوبر" , فهى لاتتناسب مع عظمة الإنتصار التاريخى فى أكتوبر عام 1973, فهو إحتفال غلب عيه الطابع التهريجى, حتى أن الرئيس اتى حركة بكلتا يديه تشَّبهاً بالعقيد الراحل معمر القذافى .. كما أن "حشد" أبناء جماعة الإخوان المسلمين , وجلبهم بالباصات إلى الإحتفال ومنع المصريين من المشاركة ,مع "الحضور المحدود" للجيش , وغياب قادته السابقين وتجاهل الأبطال والبطولات إلا من كلمات عابرة فى خطاب الرئيس , وعدم ذكره لأسم الزعيم الراحل محمد أنور السادات بطل قرار حرب أكتوبر , مع الظهور الطاغى للقتلة الذين اغتالوه غدراً وإرهاباً.. كل هذه المؤشرات تؤكد أن الرئيس قرر أن يحبس نفسه فى جلباب جماعة الإخوان المسلمين , يأتمر بأمرها ويلتزم بنواهيها , ويعمل بحساباتها المريضة , والعقيمة , ويلتزم بأجندة حلفائها ..
بما يعنى أننا سائرون مئات السنين إلى الوراء, ولايغير من ذلك هذا الكلام الكثير فارغ المضمون الذى قاله الرئيس عن إنجازات أل 100 يوم , فهو كلام يكَّذبه الواقع المعاش .. مع التسليم ببلاغة الرئيس الخطابية ورنين كلماته , غير أن الناس لن تأكل أو تشرب رنين العبارات وبلاغة الخطابات .
لقد تحقق نصر أكتوبر الفريد بعقول وخطط وإرادة وسواعد وبطولات أبناء مصر المخلصين , الذين تربوا على أرضها وشربوا من نيلها ,ورضعوا الوطنية والعزة والكرامة والحرية والأنفة والكبرياء فى القوات المسلحة , بحيث أنهم مع الجيش السورى القومى العروبى آنذاك , وبتوحد عربى تمثل فى قطع إمدادات البترول عن الغرب , وبمشاركات رمزية من الجيوش العربية , نجحوا فى الثأر لهزيمة 1967 من إسرائيل التى كانت حتى ذلك اليوم السادس من أكتوبر تتغطرس وتتباهى وتتيه فخراً بأسطورة جيشها , الذى أقنعت العالم كله بأنه "الجيش الذى لايقهر"..
يومها تلاشت الأسطورة و تبعثرت كرامة "إسرائيل" وجيشها وأنكسرت وشربت الذل والهوان فى سيناء , على يد رجال مصر الأوفياء , وشبابها الجسور, وكل أبناء جيشنا الأشداء على الأعداء , رحماء بينهم , هذا الجيش الضارب بجذوره فى أعماق التاريخ بالأصالة والبطولات , منذ عهد مينا موحد القطرين , كأول الجيوش النظامية فى العالم , وهو الجيش نفسه الذى تحمل عبء النهضة التى تحققت لمصر فى عهد محمد على الكبير , الذى حكم مصر من 1805 وحتى 1848م , ومنه الضباط الأحرار, الذين قاموا بثورة يوليو المجيدة عام 1952 م , بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر , هذه الثورة التى أحدثت تغييراً شاملاً فى كافة المجالات الحياتية , وأعادت بناء التركيبة الإجتماعية , لتتسع الطبقة المتوسطة , ويصعد إليها الملايين من أبناء الشعب المعدمين , وهوالجيش نفسه الذى ينتسب إليه أحمد الحسيني عرابي ( 1841 - 1911)، القائد العسكري والزعيم المصري, الذى وصل الي منصب ناظر الجهادية (وزارة الدفاع حاليا) , وقاد الثورة العرابية ضد الخديوي توفيق , والتى تُعد أول ثورة وطنيه في تاريخ مصر الحديث, وسميت آنذاك هوجة عرابي , وكان من اهم أسبابها التدخل الأجنبى فى شئون مصر , حيث وقف هذا الاميرالاى الثائر أحمد عرابى على رأس مجموعة من ضباط مصر المخلصين , يوم 9 سبتمبر 1881 فى وجه الخديوى رافعاً مطالب الشعب والجيش , وهنا قال الخديو مقولته الشهيرة : "كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما انتم إلا عبيد إحساننا" , فكان رد "عرابى" مذَّكرا إياه ً بالمقولة الأشهر و الخالدة :" لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم" .
هو أيضا الجيش الذى أختار الوقوف مع الشعب فى ثورتة التى اندلعت يوم 25 يناير طلبا ل"الكرامة والعيش والعدالة " , لأنه جيش الشعب , وإذا كان هناك من ملاحظات على أداء المجلس العسكرى أثناء الفترة الإنتقالية , فهم بشر يخطئون وليسوا ملائكة من السماء , وإن يكفيهم أنهم أستطاعوا الحفاظ على الجيش وعدم توريطة فى حروب اهلية أو داخلية على غرار النماذج اليمنية والسورية , فهذا وحده إنجاز يحسب لهم , وإن كان لايعفيهم من أخطائهم التى انتهت بسقوط البلاد فى يد جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها , الذين تجمعهم الرغبة فى تملك البلاد والعباد , وفرض الحكم الكهنوتى عليها على النوذج الطالبانى أو الإيرانى فى أحسن الاحوال , مع أن الأسلام لايعرف الكهنوتية ولا القداسة أوالحصانة والمعصومية لبشر سوى لنبينا وسيدنا محمد صلوات الله عليه وسلامه , فهو المعصوم من عند الله .
عودة لنصر أكتوبر الشامخ , فقد جاء النصر من عند الله , بالعمل الشاق والعلم والإيمان , وليس بالمشروعات الوهمية على غرار مشروع النهضة , ولا بالحديث المكذوب عن أل 100, ولا بالخطب الرنانة وتهليل الأخوان وحشودهم الإستعراضية, ولا بدعوات الجهل و الإنغلاق والتخلف والفتن والظلامية التى علت وتعالت الآن ..
النصر صنعته بطولات أبناء مصر وجسارتهم وعبقريتهم وأفكارهم الخلاقة , وعقولهم التى خططت وبالتدريب والمثابرة والجهاد السليم فى الميدان الصحيح ,دفاعاً عن الوطن , وبتلاحم شعبى أصيل مساند للأبطال على الجبهة وداعم لهم معنويا , بأقصى ما يمكن , حبا للوطن وثأراً للكرامة , وإخلاصاً للمبادئ والقيم السامية التى عرفها المصريين قبل آلاف السنين , وفكر وجهد سياسى لساسة عمالقة أداروا خطة للخداع السياسى , موازية لمخطط الخداع الإستراتيجى العسكرى والمخابراتى , وفى المقدمة من هؤلاء الأبطال الذين لايقعون تحت حصر , يأتى الرئيس الراحل أنور السادات صاحب قرار العبور العظيم , بل و الرئيس السجين محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية أثناء الحرب وغيرهم الكثير .
هذا النصر الرائع فى إبداعه , هو ملك للتاريخ وشعب مصر , بل والشعب العربى كله من الخليج إلى المحيط , وليس ل"جماعة الإخوان المسلمين " ولا حلفائهم الجهاديين , وقتلة السادات أى فضل فيه.. أنه نصر عظيم يعترف به العالم , إذ يتم تدريسه فى المعاهد والمراكز المتخصصة بالدراسات الإستراتيجية والعسكرية والسياسية بالعالم , لما فيه من فكر وعبر ودروس وخطط غير مسبوقة , وإنجازات عسكرية فريدة .
على الرئيس مرسى أن يخلع الجلباب الإخوانى ,ويترك أجندة الجماعة وينتبه لحياة المصريين , ويعيد قراءة تاريخ الجيش و نصر أكتوبر بعيون الرئيس ل"مصر" كلها , بعيدا عن الحسابات الضيقة ل"الجماعة" , وهو إن فَعل , سوف يصطف وراءه الشعب مؤيداً ومدافعاً عنه وحامياً له , بدلا من هؤلاء الذين يتم تجميعهم آلياً على غرار ماكان من أمر الحزب الوطنى المنحل .. أما إذا أستمر سوء الحال , وتدهوره , فلن تنفع الجماعة وحشودها مرسى مثلما لم تنفع مبارك , كل المتاريس الأمنية التى اقابدلا منمها لحماية نفسه ونظامه .