الأقباط متحدون - تسييس القضاء- حتى فى أمريكا؟
أخر تحديث ١٣:٢٤ | الاربعاء ١٠ اكتوبر ٢٠١٢ | ٢٩ توت ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٠٩ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

"تسييس القضاء"- حتى فى أمريكا؟

بقلم: منير بشاى
من الركائز الهامة التى يقوم عليها المجتمع الأمريكى، والتى لها قدسية خاصة عند كل امريكى، حرية التعبير واستقلالية القضاء.  معنى هذا ان المواطن الأمريكى يستطيع ان ينتقد بلده ويهين رئيس جمهوريتها ويتكلم بالسؤ ضد الأديان والانبياء بل وحتى ضد الذات الالهية والدستور يحميه والقضاء يقف عاجزا عن التعرض له.  هذا هو الوضع السائد فى الظروف العادية.  ولكن لكل قاعدة شواذ، خاصة اذا تسبب ما هو عادى فى عواقب وخيمة تحتم ابتكار مخرج، فيحدث لى ذراع القانون (برضه بالقانون) لتفادى هذه العواقب.
 
 وكمثال لذلك فمنذ عقدين من الزمان وقعت فى لوس انجلوس حادثة الضرب المبرح الذى قام به بعض رجال الشرطة لرجل زنجى اسمه ردنى كنج.  وكان أحد المواطنين قد سجل فيديو للواقعة.  عرض الأمر على قضاء الولاية ولكن هيئة المحلفين برأت رجال الشرطة على أساس الاعتقاد ان كنج قاوم الأوامرعندما أمروه ان يخضع لعملية القبض.  ولكن هذا الحكم اعتبره الزنوج ظلما كبيرا فخرج عشرات الآلاف منهم فى مظاهرات عنيفة حرقت أجزاء كبيرة من المنطقة التجارية لمدينة لوس انجلوس ونهبت محتوياتها.  واستمرت عمليات العنف مع عجز قوات الأمن عن السيطرة على الموقف.  وكان هناك احتمال ان يمتد العنف الى بقية أجزاء المدينة.  وهنا وجد رئيس الجمهورية نفسه مضطرا ان يظهر أمام التلفزيون للتدخل، وكان وقتها الرئيس بوش (الأب)، فطلب من المتظاهرين الهدوء واعدا اياهم ان العدالة لم تستنفذ كل امكانياتها.  وبعدها حول القضية الى القضاء الفيدرالى الذى حكم (طبعا) بادانة وحبس الضباط المتهمين بالضرب، وتعويض كنج بثلاثة ونصف مليون دولارا.  وانتهت الأزمة.
 
 وقصة الفيلم المسىء يبدو انها مثال آخر.  فبغض النظر عن نظرة الناس فى الشرق لموضوع الاساءة للمقدسات الدينية والعقوبة التى يتوقعون ان ينالها من يرتكب مثل هذه الجريمة، الا ان الأمر كله فى الولايات المتحدة لا يخرج عن كونه محاولة التعبير عن الرأى الذى يحميه الدستور.  والقضاء فى امريكا لا يدين مثل هذا الانسان ولا يعتبر ما عمله جريمة.  هذا طبعا الا اذا تسبب الأمر فى مظاهرات عالمية تهدد مصالح أمريكا الاستراتيجية، والا اذا تسبب فى دفع متظاهرين الى اقتحام السفارة الأمريكية فى ليبيا وحرقها بمن فيها، والا اذا كان كل أمريكى فى العالم أصبح مهددا - عندما يحدث هذا يتحتم على أمريكا أن تعمل شيئا خارج نطاق ما هو عادى لتهدئة الغضب.
 
وما عملته أمريكا لتهدئة العاصفة أثار تساؤلات جاءت تفاصيلها فى مقال نشر فى جريدة لوس أنجلوس تايمز بتاريخ 3 اكتوبر 2012 بعنوان : "البعض يتساءلون عن شرعية سجن منتج الفيلم" Some question jailing of film’s creator. والتى أدت الى اعادة القبض على نيكولا باسيلى منتج فيلم "براءة المسلمين" وايداعه فى السجن.
 
ومع ان الرئيس مرسى كان قد طلب من الولايات المتحدة القبض على منتج الفيلم ومحاكمته ثم اعدام الفيلم وتحريم عرضه، ولكن كلا الطلبين رفضا لأنهما اصطدما مع ابسط المبادىء التى يقوم عليها النظام الأمريكى.  وقد عبر عن ذلك كل من وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون ورئيس الجمهورية باراك أوباما اللذان شجبا الفيلم ولكنهما دافعا عن حرية التعبير التى يتمتع بها المواطن الامريكى وأعلنا انهما ليس فى امكانهما المساس بها.  ولكن بعد كثير من التفكير والتدبير تمكنت السلطات الأمريكية من ابتكار طريقة للتعامل مع المشكلة.  وفجأة علمنا انه تم القبض على نيكولا ووضعه فى السجن ولكن على ذمة التحقيق فى قضية أخرى قديمة.  هذا بينما يعتقد المحللون القانونيون ان السبب الحقيقى للقبض على الرجل ومحاكمته لا صلة له بالقضية القديمة، وانه فى الواقع يتعلق بايجاد مخرج لازمة الفيلم.
 
وكان نيكولا قد سبق ان قبض عليه منذ سنتين وحوكم فى قضية احتيال على البنوك منتحلا اسماء مستعارة ومستخدما الانترنت.  وخلال المحاكمة أعلن نيكولا عن استعداده للتعاون مع السلطات بالشهادة ضد المشتركين معه فى مقابل تخفيض مدة السجن والالتزام بفترة رقابة يتعهد فيها عدم استعمال الانترنت وعدم انتحال اسماء وهمية.  فى الظروف العادية ما كان هناك احتمال لوجود مشكلة قانونية لنيكولا، ولكن جاء موضوع هذا الفيلم فجعل السلطات تركز على الرجل وتبحث فى تاريخه القديم عسى ان تجد فى هذا المخرج الذى تريده.  وفعلا قد وجدته.
 
الآن أمكن اعادة القبض على نيكولا باسيلى وهو ينتظر فى السجن محاكمة وعقوبة قد تصل الى سنتين لمخالفة شروط الحكم فى القضية القديمة وهى استعمال الانترنت وانتحال اسم مستعار امام الاعلام.  هذه مخالفة كان يمكن فى الظروف العادية ان تمر دون علم السلطات ودون عقاب. وحتى اذا عرضت على القضاء فان الحكم المتبع فيها هو عادة السجن من 4- 6 شهور، وليس سنتين كما هو متوقع الآن.
 
بصفة عامة، يمكن ان يقال ان أمريكا أكبر أو من أكبر دول العالم حفاظا على الحريات واحترام القانون. ولكن هذا أصبح الآن موضع بعض التساؤلات. وسترينا محاكمة نيكولا القادمة ما اذا كانت أمريكا ستضطر الى تسييس القضاء، لتخرج نفسها من ورطة كبرى. هل ستجد أمريكا فى اعادة نيكولا الى السجن فى قضية لا صلة لها بالفيلم الحل الأمثل لأزمة الفيلم؟ 
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter