الخميس ١٨ اكتوبر ٢٠١٢ -
٤٠:
١١ م +02:00 EET
بقلم منير بشاى
من يحكم مصر فى هذه الأيام؟ وأى نظام يتبع؟ هل من يجلس على كرسى الرئاسة شخص مستقل دخل الانتخابات بأجندته الخاصة، وانتخبه الشعب اقتناعا منهم ببرنامجه، وايمانا منهم بكفائاته؟ أم هو مرشح حزب معروف الأهداف، وهو ينفذ برنامج الحزب، ويعتمد على مؤسسات الدولة فى ذلك؟
أم هو غير هذا وذاك، هو جزء من جبهة شعبية تعمل مستقلة وتهدف الى تطبيق أجندتها الخاصة، بوسائلها الخاصة، ولا تعتمد على مؤسسات الدولة لتحقيق أهدافها ولكن على مؤسساتها الخاصة. هى لا تحتاج الى الشرطة لأنها تمتلك مليشياتها الخاصة، ولا تحتاج الى البرلمان لأن لها برلمانها الخاص، ولا تحتاج الى القضاء لأنها تجرى التحقيقات وتصدر القرارات وتطبق العقوبات طبقا (لما تعتقد) انه شرع الله. والمخالف فى هذه الحالة لا يخالفها وحدها ولكن يخالف الله، والويل له منها لأنها تعتقد أنها تمثل الله أو هى ظل الله على الأرض.
واضح ان العصابة التى نشير اليها هى جماعة الاخوان المسلمين، والتى هى المحرك وراء الرئيس محمد مرسى. هم الذين اختاروه كمرشح، وهم الذين ساندوه فى الانتخابات مستخدمين كل حيلة فى جعبتهم من الكذب والغش والتزوير والرشوة والبلطجة، وهم الذين يستخدمون ماليشياتهم لإرهاب واسكات كل معارض له ولتمكين حكمه رغما عن ارادة الشعب.
منذ تأسيسها بواسطة حسن البنا فى سنة 1928 وجماعة الاخوان المسلمين لها هدف واحد لا تحيد عنه، وهو الوصول الى سدة الحكم، كخطوة أولى نحو تحقيق حلم احياء الخلافة الاسلامية. وفى سبيل ذلك صادفوا قليلا من الانتصارات وكثيرا من الهزائم والانتكاسات، ولكن هذه كلها لم تثن عزمهم فهم ثابتون على الهدف، ومهما صادفهم من قمع واضطهاد، هم منظمون ومنضبطون ومضحون بكل ما لديهم من موارد فى سبيل الوصول الى الهدف.
وعندما جاءتهم اخيرا الفرصة لتحقيق هدفهم بقيام ثورة 25 يناير 2011 كادوا يضيعونها تحسبا من مغبة التصادم مع النظام، عندما أعلنوا عدم اشتراكهم فى المظاهرات. ولكنهم سرعان ما عدلوا موقفهم بعد ان اتضح لهم هشاشة النظام فقرروا ان يركبوا الثورة، بعد مرور ثلاثة أيام على بدايتها، ثم استفردوا بعجلة القيادة واستبعدوا كل ما عداهم حتى من شباب الثورة.
ومرة اخرى بعد سقوط النظام رأيناهم يعلنون أنهم لا يهدفون للحكم ولكن سرعان ما غيروا موقفهم ودخلوا بكل قوتهم وراء مرشحهم "الشاطر" بل واضعين البديل له وهو الدكتور مرسى فى حالة عدم استيفاء مرشحهم الأصلى لشروط الترشيح. وظهرت طبيعة البلطجة السياسية عندهم عندما هددوا بحرق مصر ان لم يفز مرشحهم ضد المنافس الفريق أحمد شفيق. ويعتقد كثير من المحللين ان نتيجة الانتخابات كانت فى صالح شفيق، ولكن تم تغييرها فى اللحظات الأخيرة لصالح مرسى خوفا من احتمال تنفيذ جماعة الأخوان لتهديداتهم بتحويل مصر الى بحيرة من الدماء فى حالة فوز شفيق بالمنصب.
ومن وقتها واسلوب البلطجة الأخوانية هو سيد الموقف فى مصر لحماية النظام الأخوانى. والحيز المتاح لا يتسع لذكر كل االوقائع، ولكن سنورد مجرد أمثلة: فى يوم الاربعاء 8 أغسطس 2012 تم سحل المعارضين امام قصر الاتحادية تأييدا لقرارات الرئيس مرسى بتغيير قيادات امنية وعسكرية بعد الهجوم الارهابى على رفح الذى اودى بحياة 16 من قوات الجيش المصرى. وفى يوم الجمعة 24 أغسطس 2012 قام الاخوان بالضرب المبرح والمطاردات بشوارع وسط القاهرة للمتظاهرين الذين خروجوا فى مظاهرات سلمية تحمل مطالب مشروعة.
ولعل أفظع ما اقترفته العصابة من بشاعات كان فى يوم الجمعة 12 اكتوبر 2012 حيث صلبوا بعض معارضى مرسى عرايا على الاشجار حتى يراهم الرئيس، ويفتخر برجاله، كلما نظر من نافذة قصر الاتحادية.
وأحدث أعمال البلطجة لعصابة الاخوان ما عملوه يوم الجمعة 12 اكتوبر 2012 "جمعة كشف الحساب"، والتى قامت لتحاسب الرئيس مرسى عن وعود المئة يوم الأولى من حكمه، والتى لم يتحقق منها شيئا يذكر. ولكن حتى مجرد السماح للشعب بالتعبير عن استيائه لم يعط له. فدخلت العصابة وسط الجماهير لتسحل وتضرب المتظاهرين بضرواة، أدت الى اصابة 157، طبقا لتقارير وزارة الصحة، منها حالات خطيرة لكسر فى الحوض وارتجاج فى المخ. هذا بالاضافة الى تكميم الأفواه بتحطيمهم للمنصة التى كان سيتكلم من فوقها المتظاهرون ضاربين عرض الحائط بأبسط مبادىء الحريات التى وعدت الجماعة المجتمع الدولى بضمانها. فالوعود فى منهجهم هى السلم الذى يصعدون به الى ما يريدون، ثم بعد ذلك يركلوه بالاقدام.
أعمال هذه الجماعة الارهابية كافية أن توصم النظام كله بالبلطجة. ولذلك قد يظن النظام الحاكم ان المخرج له من هذه الاشكالية، والذى يوفر له الحل لتلميع صورته، أن يغسل يديه متبرءا من أفعالهم. ولكن حقيقة ان النظام لم يعاقب جماعة الأخوان ولو مرة واحدة على جرائمهم تعطى التأكيد، لمن ما يزال يحتاج الى دليل ان النظام ضالع معهم، وأن بلطجية الأخوان والنظام الحاكم أصبحا كلاهما كيانا واحدا، وان ما كانت قبلا جماعة محظورة أصبحت الآن هى الحكومة.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع