بقلم: سمير حبشي
في المدن العريقة تشعر بشيء من الطمأنينة ، وبمعنى لوجودك و حياتك ، لكأن التاريخ هنا يمنح المرء صلابة وثقة ، فالأحياء تعبق بعطر ماضيها، والإنسان يعيش فى ماضى أجداده ويحاول أن يضع نفسه فى جلبابهم ، ويسعى في تأكيد وجوده ، ويثابر على كفاحه في إيجاد وسائل العيش والحياة ، ليغالب الدنيا ويفوز بالأمل الذى يرسم فيه مستقبله .. يحدث هذا لكل خلائق البشر .. ولكى يكون كفاحهم ونضالهم لرسم مستقبلهم له الصفة الرسمية التى سيتوارثها الإبن عن أبيه ، والحفيد عن جده ، تجد أن الإنسان يخلق له ثوابت ويعطيها قدسية خاصة يتوارثها من بعده الأجيال مثل الأعلام التى تمثل رموز خاصه به وبتاريخه، والأوطان التى لها أسماء لا تتغير ويزود عنها بحياته .. رأينا هذا معمولا به فى كل بلاد العالم .. لا يفرط أحد فى هوية بلده أو اسمها .. إلا مصر بلد جذور التاريخ ، وعبق الثقافة والتحضر الفواح .. نجد المرضى من القيادات تغير من اسمها التاريخى مدفوعين ببرانويا العظمه والإسلام هو الحل ، فتجد فى مرحلة إختفى اسم مصر تماما ، وأصبح اسمها الجمهورية العربية المتحدة وخشيت فى أيام شبابى أن أرى أبو الهول وعلى رأسه عقالا..
هذه القطعة من القماش التى تعطى رمزا صارخا للبداوة والتأخر .. ووضع على وجه مصر الفرعونية نقابا وحجابا من المد الوهابى .. ثم جاء من يريد أن يقبض على العصا من المنتصف فسماها جمهورية مصر العربية .. وتناسى جميع المرضى أصحاب الشعارات الطائشة أن أصل كلمة مصر أخذت من مصرايم إبن حام إبن نوح (1اخبار 1 : 11) و كان غلاماً فلما قرب من أرض مصر بنى له جده الكاهن قليمون عريشاً من أغصان الشجر ، و ستره بحشيش الأرض ثم بنى له بعد ذلك في هذا الموضع مدينة و سماها: (درسان) أي باب الجنة فزرعوا و غرسوا الأشجار و الأجنة من درسان إلى البحر ، فصارت هناك زروع و أجنة و عمارة ، و كان أهل مصرايم جبابرة فقطعوا الصخور و بنوا المعالم و المصانـــع و أقاموا في أرغد عيش , و نَصَّب أهل مصر مصرايم ملكاً عليهم, فَمَلَكَ و سماها باسمه .. نسى هؤلاء أنه من العار أن يتنازل أبناء الملوك والحضارات الخالدة حتى يصبحون فى مستوى رعاة الإبل والأغنام .. هذا بالإضافة بأن الله قد حبا مصر بموقع جغرافي متميز، في ملتقي قارات العالم القديم أفريقيا وأسيا وأوربا .. وكانت علي الدوام ملتقي للتفاعل الحضاري بين الشرق والغرب .. وبين الشمال والجنوب .. وكانت البرزخ الذي مرت منه الديانات إلي العالم..
وانعكس كل ذلك علي تكوين الإنسان المصري ... فتمسك بقيم التسامح والاعتدال ، والانفتاح والتفاعل مع الآخر .. حتى جاء الغزو العربى .. ورويدا رويدا يصير وجه مصر كالحا لا هو بالأبيض ولا هو بالأسود ، وتختفى مصر الفرعونية ليجثم على اسمها مصر العربية .. وما زاد " الطين بلة " الصراخ الهستيرى من الإخوان والسلفيين بإعادة مصر إلى أيام السلف الصالح حسب قولهم ، أى إلقاء مصر الحضارة والتاريخ فى هوة الجهل والعودة بها لعصر الغزوات ، وتكفير كل من لا يأخذ الشريعة نبراسا له وقانونا .. ولكن هل سيستمر هذا .. يقول الله فى كتابه والذى يزول العالم بأكمله وكلمة منه لا تزول ( وحي من جهة مصر هوذا الرب راكب على سحابة سريعة ، و قادم الى مصر فترتجف اوثان مصر من وجهه و يذوب قلب مصر داخلها (اش 19 : 1) ( و في ذلك اليوم يكون في ارض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان و تحلف لرب الجنود يقال لاحداها مدينة الشمس (اش 19 : 18) في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط ارض مصر ، و عمود للرب عند تخمها (اش 19 : 19) .. وإلى إخوتى أقباط مصر أحب أن أقول : لا تخافوا فحزنكم لن يستمر وخوفكم لن يدوم يقول الرب ( فيكون علامة و شهادة لرب الجنود في ارض مصر لانهم يصرخون الى الرب بسبب المضايقين ، فيرسل لهم مخلصا و محاميا و ينقذهم (اش 19 : 20) فيُعرف الرب في مصر و يعرف المصريون الرب في ذلك اليوم ، و يقدمون ذبيحة و تقدمة و ينذرون للرب نذرا و يوفون به (اش 19 : 21) ..
كل هذه التنبؤات لن تكتب فى كتاب النور عبثا ، وقد بدأت تنجلى بعدد المتنصرين فى مصر ، والذى أصبح مخيفا للتيارات الإسلامية ولقيادات الأزهر .. مصر التى تدمع عيناى عند سماع اسمها فى الأخبار والأحداث .. ألم يسأل أحد نفسه كيف يعيش البشر فيها بلا مجاعات وما زال رغيف الخبز موجودا على أرضها ، بعد الكم الهائل من اللصوص والمرتزقة من الحكام منذ الغزو العربى ، إلى يومنا هذا وكل من إعتلى كرسى الحكم يقطع من جسدها له ولمن يحمى نظامه .. وهل ينسى التاريخ الجمال التى كانت تحمل خيرات مصر وغلاتها ليأكلها رجال العصابات والغزوات فى مكة والمدينة ، وقد قيل أن أولها كان فى مكة وأخرها فى القاهرة .. من أين تأتى هذه البركة التى تجعل أديم مصر مباركا ..
ولماذا العجب وقد مشى عليه أطهر قدمين .. سار عليه طفل المزود الهارب من الظلم وشرب من ماء نيلها .. فهل بعد هذا يحق لأى مخلوق على وجه الأرض أن يغير من اسم مصر إلا إذا كان معتوها .. وقد قام البعض من شرفاء مصر وأبنائها البررة ضد الطغاة مطالبين بعودة اسم مصر مرة أخرى .. ولا ننسى الدكتور لويس عوض الذى سجن وفقد وظيفته الجامعية بسبب رفضه مبدأ مصر العربية لعيب في الهدف ذاته ، لأن أدوات الوصول إليه كانت تبني شعارا على حساب المواطن ، وتبني القومية على حساب القوم ، وتُشعر أبناء الأقليات غير العربية أو أبناء الأفكار غير المتسقة مع فكر الحاكم أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ، وعُرف أن الملعوب وراء تسمية مصر بالعربية هو قتل الهوية القبطية .. وأننى أقولها بأعلى صوتى : يحلم من يصدق أو يتوقع أنه ستقوم قائمة للأمة العربية فى يوم من الأيام .. سيظل العالم العربى الى أن تقوم الساعة بهذا الوضع السيئ ومن سوء الى أسوأ .. أما من ناحية موضوع الإنتماء والهوية فإنه وارد ومطروح على كل الدول ، لكن هناك من يجيب عليه بالعلم والفكر والتاريخ وهناك من يعبث فيه بالعاطفة والشعارات الكاذبة والغزوات وقتل كل من لا يتمشى مع مفهومه وإيمانه .. فهل ترضى مثلا يا أخى بأن مصر تصور كإمرأة منقبة .. أو بأبى الهول يلبس عقالا ؟ !!! ..