محرر الأقباط متحدون
ضرورة العمل الجماعي والفوري لحماية البشرية والكائنات الحية والبيت المشترك أمام الأزمة المناخية، هذا ما تحدث عنه البابا فرنسيس إلى المشاركين في مؤتمر تشترك في تنظيمه الأكاديميتان الحبريتان للعلوم وللعلوم الاجتماعية بعنوان "من الأزمة المناخية إلى المرونة المناخية".

استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس المشاركين في مؤتمر تشترك في تنظيمه الأكاديميتان الحبريتان للعلوم وللعلوم الاجتماعية بعنوان "من الأزمة المناخية إلى المرونة المناخية". وعقب ترحيبه بالجميع أشار الأب الأقدس إلى تفاقم حدة التغير المناخي سنة تلو الأخرى ما يعني الحاجة العاجلة إلى حماية الأشخاص والطبيعة، وأضاف أن الشعوب الفقيرة لا تشارك سوى بشكل ضئيل في الانبعاثات الملوِّثة ويجب بالتالي أن تتلقى دعما وحماية أكبر. وتابع البابا فرنسيس أن تدمير البيئة هو إهانة لله، وخطيئة لا فقط شخصية بل هيكلية تُعرِّض البشر جميعا، وخاصة من هم أكثر ضعفا، إلى خطر جسيم، وتهدد بتفجير صراع بين الأجيال. السؤال المطروح بالتالي، حسبما تابع قداسة البابا، هو إن كنا نعمل من أجل ثقافة حياة أم ثقافة موت. وقال لضيوفه إنهم قد أجابوا بأن علينا الانتباه إلى صرخة الأرض والإصغاء إلى تضرع الفقراء والشعور برجاء الشباب وأحلام الأطفال لأنها مسؤوليتنا أن نضمن ألا يُحرَموا من المستقبل. وتابع البابا فرنسيس قائلا للمشاركين في المؤتمر إنهم قد أعلنوا اختيار تنمية بشرية متكاملة، ثم أعرب عن فرحه لما يقومون بع من عمل وذلك لأن التغيرات المناخية قضية اجتماعية عالمية ترتبط بشكل وثيق بكرامة الحياة البشرية.

تحدث الأب الأقدس بعد ذلك عن كوننا نواجه تحديات مختلفة لكنها متداخلة، فأشار إلى التغيرات المناخية، فقدان التنوع البيولوجي، تدهور البيئة، التفاوت على الصعيد العالمي، فقدان الأمن الغذائي، وهي كلها أزمات تهدد كرامة الشعوب المتضررة منها. وأضاف قداسته أنه في حال عدم مواجهة هذه التحديات بشكل جماعي فستشكل تهديدا وجوديا للبشر والكائنات الحية والنظام البيئي. وأراد البابا هنا التشجيج على أن فقراء الأرض هم أكثر المتضررين رغم تحملهم مسؤولية ضئيلة عن هذه المشاكل. وأوضح قداسته في هذا السياق أن الدول الغنية والتي يبلغ عدد سكانها قرابة المليار تُنتج ما يزيد عن نصف الغازات الملوِّثة التي تتسبب في الاحتباس الحراري، بينما يشارك ثلاثة مليارات شخص وهم الأكثر فقرا في العالم بنسبة تقل عن ١٠٪ من هذه الانبعاثات لكنهم يتحملون ٧٥٪ من الخسائر الناتجة عن الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية. وأضاف قداسة البابا أن الدول الأقل تنمية والبالغ عددا ٤٦، واغلبها من القارة الأفريقية، مسؤولة عن ١٪ فقط من مجموع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، أما دول مجموعة العشرين فمسؤولة عن ٨٠٪ من هذه الانبعاثات.

تطرق البابا فرنسيس بعد ذلك إلى تبعات الأزمات المختلفة حيث تشير البيانات إلى تحمُّل النساء والأطفال الثقل الأكبر، وأضاف أن النساء غالبا ما لا تتوفر لديهن الإمكانية ذاتها التي يتمتع بها الرجال للحصول على الموارد، هذا إلى جانب أن رعايتهن للأطفال يمكنها أن تعيق إمكانية الهجرة في حال وقوع كوارث. وواصل قداسة البابا أن النساء لسن فقط ضحايا التغيرات المناخية بل هن من جهة أخرى عنصر فعال ممكن من أجل المرونة والتكيف. أما فيما يتعلق بالأطفال فيعيش حوالي مليار منهم في بلدان يهددها خطر دمار ضخم بسبب المناخ، حسبما ذكر البابا فرنسيس مضيفا أن كونهم في مرحلة نمو يجعلهم أكثر تأثرا بتبعات التغير المناخي سواء على الصعيد الجسدي أو النفسي.

وتابع قداسة البابا واصفا بالذنب الخطير رفض العمل سريعا من أجل حماية الأشخاص الأكثر ضعفا المعرضين لتبعات التغيرات المناخية الناتجة عن نشاط الإنسان. كما وأشار الأب الأقدس إلى التطلع بنَهَم إلى المكاسب السريعة من قِبل الصناعات الملوِّثة والذي يعيق نموا منتظما، هذا إلى جانب الزيف الإعلامي الذي يؤدي إلى التخبط ويعيق الجهود الجماعية الساعية إلى تغيير المسار. وواصل البابا فرنسيس مشيرا إلى مسيرة صعبة تحدق بها المخاطر وقد أثبتت البيانات أن التغيرات المناخية تهدد جوانب الحياة المختلفة، فهي تشكل خطرا على المياه والهواء والغذاء والطاقة، هذا إلى جانب تهديد الصحة العامة والرخاء. تحدث قداسة البابا أيضا عن تفكك جماعات ونزوح قسري للعائلات، هذا إلى جانب موت ملايين الأشخاص سنويا في سن صغيرة بسبب التلوث. هناك من جهة أخرى ما يزيد عن ثلاثة مليارات ونصف من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق سريعة التأثر بتبعات التغيرات المناخية ما يسفر عن هجرة قسرية. وسلط البابا هنا الضوء على ما نشهد من فقدان أخوة وأخوات كُثر حياتهم في رحلات خطيرة، وأضاف أن التوقعات حول هذه الظاهرة تثير القلق.

وشدد قداسة البابا في هذا السياق على أن حماية كرامة المهاجرين المناخيين وحقوقهم تعني تأكيد قدسية كل حياة بشرية، وتستدعي احترام تكليف الله لنا بحراسة البيت المشترك وحمايته.

وأمام هذه الأزمة العالمية أضم إلى ندائكم ندائي، قال البابا فرنسيس، وذلك في المقام الأول لتَبَني مقاربة عالمية وفعل سريع وحاسم من أجل تغييرات وقرارات سياسية. تأتي بعد ذلك ضرورة تغيير مسار ارتفاع درجة الحرار وذلك من خلال العمل على تقليص نسبة هذا الارتفاع إلى النصف خلال خمس وعشرين سنة. هناك حاجة من جهة أخرى، حسبما تابع البابا فرنسيس في ندائه، إلى التركيز على إزالة الكربون على الصعيد العالمي والقضاء على لتبعية للمحروقات الأحفورية. يجب أيضا إزالة الكم الكبير من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وذلك من خلال إدارة بيئية على مدى أجيال.

أشار البابا فرنسيس بعد ذلك إلى ضرورة حماية غنى الطبيعة، وتحدث في هذا السياق عن حوض الأمازون والكونغو والمحيطات والنباتات المائية والأراضي الزراعية وإسهامها في تقليص انبعاثات الكربون على الصعيد العالمي. وأضاف قداسته أنه من خلال هذه المقاربة المتكاملة يمكن من جهة أخرى مواجهة الأزمة المزدوجة المتمثلة في فقدان التنوع البيولوجي واللامساواة وذلك عبر إنماء منظومة بيئية تدعم الحياة. وتوقف الأب الأقدس في هذا السياق عند أهمية التعاون والتضامن العالميَّين لمواجهة الأزمة المناخية، وتابع أن تقليص الانبعاثات وتحسين أساليب الحياة، تمويل التجديد، واستخدام حلول تنطلق من الطبيعة تعزز كلها المرونة وخاصة في مواجهة الجفاف.

وفي ختام كلمته إلى المشاركين في المؤتمر الذي تنظمه الأكاديميتان الحبريتان للعلوم وللعلوم الاجتماعية أشار البابا فرنسيس أيضا إلى أهمية تطوير هيكلية مالية جديدة للاستجابة إلى احتياجات جنوب العالم والدول المتضررة بشكل أكبر من الكوارث المناخية. وتحدث قداسته عن إجراءات يمكنها أن تشكل مساعدة هامة من أجل تخفيف حدة التغيرات المناخية، ومن بينها إعادة هيكلة الديون وتقليصها وأيضا إصدار ميثاق مالي عالمي جديد بحلول عام ٢٠٢٥ يتضمن ما يمكن وصفه بدَين إيكولوجي. شكر البابا فرنسيس بعد ذلك الجميع على عملهم وشجعهم على مواصلة التعاون من أجل الانتقال من الأزمة المناخية إلى مرونة مناخية وذلك من خلال المساواة والعدالة الاجتماعية.