محرر الأقباط متحدون
"لكي نكون قديسين نحن لا نحتاج فقط إلى جهد بشري أو إلى التزام شخصي بالتضحية والتخلي. وإنما علينا أولاً أن نسمح بأن تحوّلنا قوة محبة الله التي هي أكبر منا وتجعلنا قادرين على أن نحب حتى أكثر مما كنا نظن أننا قادرون" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى المشاركين في مؤتمر حول الشهادة وبذل الحياة
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في المؤتمر الذي تنظمه دائرة دعاوى القديسين حول الشهادة وبذل الحياة، وللمناسبة وجه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال أحييكم جميعًا أنتم الذين شاركتم في المؤتمر حول موضوع الشهادة وبذل الحياة. لقد كانت كلمة يسوع في إنجيل يوحنا هي الكلمة التي أرشدتكم: "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه". كلمة تبعث على الدوام التعزية والرجاء. في الواقع، في مساء العشاء الأخير تحدث الرب عن بذل ذاته الذي سيكتمل على الصليب. وحدها المحبة يمكنها أن تعطي تعليلاً للصليب: محبة كبيرة لدرجة أنها أخذت على عاتقها كل الخطايا وغفرتها، وتدخل في آلامنا وتعطينا القوة على احتمالها، وتدخل أيضًا في الموت لكي تغلبه وتخلصنا. في صليب المسيح نجد محبة الله كلها، ونجد رحمته الواسعة.
تابع البابا فرنسيس يقول لكي نكون قديسين نحن لا نحتاج فقط إلى جهد بشري أو إلى التزام شخصي بالتضحية والتخلي. وإنما علينا أولاً أن نسمح بأن تحوّلنا قوة محبة الله التي هي أكبر منا وتجعلنا قادرين على أن نحب حتى أكثر مما كنا نظن أننا قادرون. ليس من قبيل المصادفة أن يتحدث المجمع الفاتيكاني الثاني، فيما يتعلق بالدعوة الشاملة إلى القداسة، عن "ملء الحياة المسيحية" و"كمال المحبة"، القادرة على أن تعزز "في المجتمع الأرضي نمط حياة أكثر إنسانية". إن هذا المنظور ينير أيضًا عملكم من أجل دعاوى القديسين، خدمة ثمينة يقدمها للكنيسة، لكي لا تغيب أبدًا علامة القداسة المعاشة والآنية على الدوام.
أضاف الأب الأقدس يقول لقد تأمّلتم خلال المؤتمر حول شكلين من أشكال القداسة التي يتمُّ إعلانها: قداسة الاستشهاد وقداسة بذل الحياة. فمنذ القديم، كان المؤمنون بيسوع يحتفظون بتقدير كبير للذين دفعوا شخصيًّا، بأرواحهم، ثمن محبتهم للمسيح والكنيسة. وقد جعلوا من قبورهم أماكن للعبادة والصلاة. وقد كانوا يلتقون معًا، في يوم ولادتهم في السماء، لكي يقووا روابط أخوّة تتخطى في المسيح القائم من الموت، حدود الموت مهما كان دمويًا ومؤلمًا. نجد في الشهيد ملامح التلميذ الكامل الذي تشبّه بالمسيح في إنكار ذاته وحمل صليبه، وإذ حوّلته محبته أظهر للجميع قوة صليبه المخلّصة.
تابع الحبر الأعظم يقول في سياق دعاوى القدّيسين، حدّد الحس المشترك للكنيسة ثلاثة عناصر أساسية للاستشهاد، تبقى صالحة على الدوام. الشهيد هو المسيحي الذي -أولاً- لكي لا ينكر إيمانه، يعاني عن وعي من موت عنيف ومبكر؛ ثانياً، يتمّ قتله على يد مضطهد، يدفعه الحقد ضدّ الإيمان أو فضيلة أخرى مرتبطة به؛ ثالثاً، تتخذ الضحية موقفاً غير متوقع من المحبة والصبر والوداعة، تشبهاً بيسوع المصلوب. إن ما يتغير، في مختلف الحقبات، ليس مفهوم الاستشهاد، بل الطرق الملموسة التي يتم بها في سياق تاريخي معين.
أضاف الأب الأقدس يقول واليوم، أيضًا في أنحاء كثيرة من العالم، هناك العديد من الشهداء الذين يبذلون حياتهم في سبيل المسيح. وفي كثير من الحالات، يتعرض المسيحي للاضطهاد لأنه، إذ يدفعه إيمانه بالله، يدافع عن العدالة والحق والسلام وكرامة الأشخاص. وهذا الأمر يتضمن، بالنسبة لمن يدرس أحداث الاستشهاد المختلفة، أن اليقين الأخلاقي - وكما علّمنا المكرّم بيوس الثاني عشر - "لا يظهر أحيانًا إلا من خلال كمية من القرائن والبراهين التي إذا أُخذت منفردة لا تصلح لكي تؤسس يقينًا حقيقيًا، ولكن إذا أُخذت بمجملها فهي لا تترك مجالاً للشك في ذهن رجل ذي حكم سليم".
تابع الحبر الأعظم يقول في مرسوم إعلان اليوبيل المقبل وصفتُ شهادة الشهداء بأنها الشهادة الأكثر إقناعًا للرجاء. ولهذا السبب أردت أن أؤسِّس داخل دائرة دعاوى القديسين لجنة الشهداء الجدد - شهود الإيمان، التي ستجمع، بطريقة مختلفة عن معالجة دعاوى الاستشهاد، ذكرى الذين، حتى داخل الطوائف المسيحية الأخرى، عرفوا كيف يضحون بحياتهم لكي لا يخونوا الرب. إن خبرة دعاوى القديسين والمقارنة المستمرة مع الخبرة المعاشة الملموسة للمؤمنين قادتني في ١١ تموز يوليو ٢٠١٧ إلى توقيع الإرادة الرسولية "Maiorem hac dilectionem" التي أردت بها التعبير عن الحس المشترك لشعب الله الأمين فيما يتعلق بشهادة قداسة الذين إذ حركتهم محبة المسيح قدموا حياتهم طوعًا، وقبلوا موتًا أكيدًا وقريبًا. وبما أن الأمر كان يتعلق بتحديد مسار جديد لدعاوى التطويب والتقديس، فقد أثبتُّ أنه لا بد من وجود علاقة بين تقدمة الحياة والموت المبكر، وأن خادم الله قد مارس الفضائل المسيحية بدرجة عادية على الأقل، وأنه كان محاطاً برائحة وعلامات القداسة لاسيما بعد موته. إنَّ ما يميّز تقدمة الحياة التي تغيب فيها شخصية المضطَهِد، هو وجود حالة خارجية قابلة للتقييم الموضوعي وضع فيها تلميذ المسيح نفسه بشكل حر تؤدي إلى الموت. حتى في الشهادة الاستثنائية لهذا النوع من القداسة يسطع جمال الحياة المسيحية التي تعرف كيف تجعل من نفسها عطية بلا قياس مثل يسوع على الصليب.
وختم البابا فرنسيس أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أشكركم وأشجعكم على متابعة عملكم من أجل دعاوى القديسين بشغف وسخاء. أوكلكم إلى شفاعة العذراء مريم وجميع شهود المسيح الذين كُتبت أسماؤهم في كتاب الحياة. أبارككم من قلبي وأسألكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي.