يقول الفنان العالمي أيمن فايز رائد رسم الأيقونة البيزنطية في مصر : أن كتابة الإِيْقُونَةِ: أَبْعَدُ مِنَ الرَّسْمِ فِي اللُّغَةِ اليُونَانِيَّةِ، تُعْرَفُ الايقونة "إِيكونُوجْرَافِيَا" (Εικονογραφία) بِمَعْنَى "كَتَابَةُ الصُّورَةِ"، مَشْتَقَّةً مِنْ "إِيْكُونَا" (صُورَةٌ أَوْ تَجَلٍّ إِلٰهِّيٍّ) وَ"جْرَافِي" (كِتَابَةٌ أَوْ تَسْجِيلٌ). يُعَبِّرُ ذَلِكَ عَنْ بُعْدٍ يَتَجَاوَزُ الظَّاهِرَ البَصَرِيَّ إِلَى دَلالَةٍ رُوحِيَّةٍ، حَيْثُ تُقْرَأُ الإِيْقُونَةُ كَنَصٍّ رُوحِيٍّ يَنْفُذُ إِلَى أَعْمَاقِ الإِيمَانِ.
لِذَلِكَ، يُعْتَبَرُ مَصْطَلَحُ "كَتَابَةِ الإِيْقُونَةِ" أَدَقَّ وَأَعْمَقَ مِنْ "رَسْمِهَا"، مُؤَكِّدًا أَنَّ الإِيْقُونَةَ تُكْتَبُ لِتُرْشِدَ الرُّوحَ، لَيْسَتْ مَجَرَّدَ زِينَةٍ بَصَرِيَّةٍ، بَلْ هِيَ مِرْآةٌ تُحَاكِي الغَيْبَ وَتُحْيِي الوَجْدَ.
ويضيف أيمن قائلا : الإِيْقُونَةُ تمثل وَحْدَةُ الصُّورَةِ وَالكَلِمَةِ فِي تَجْسِيدِ الرُّوحِيَّةِ يُمَثِّلُ التَّزَاوُجُ بَيْنَ الصُّورَةِ وَالكَلِمَةِ عَقِيدَةً تُؤَكِّدُ أَنَّ كِلَاهُمَا يُشَكِّلَانِ وَحْدَةً تُعَبِّرُ عَنْ الحَقَائِقِ الإِلٰهِّيَّةِ. فَالإِيْقُونَةُ لَيْسَتْ صُورَةً فَقَطْ، بَلْ كِتَابَةٌ رُوحِيَّةٌ وَسَرْدٌ بَصَرِيٌّ لِحَقِيقَةٍ إِلٰهِّيَّةٍ، تَجَسُّدَتْ فِي شَخْصِ المَسِيحِ، كَمَا جَاءَ فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا "والكَلِمَةُ صارَ بَشَراً".
أيقونة الميلاد
تَحْمِلُ الإِيْقُونَةُ دَوْرَ "الكَلِمَةِ المَرْئِيَّةِ"، حَيْثُ تُعَبِّرُ عَنْ العَالَمِ الرُّوحِيِّ، مُثْبِتَةً أَنَّ الإِيْقُونَةَ وَالكَلِمَةَ كِلَيْهِمَا وَسِيلَتَانِ لِنَقْلِ العَقِيدَةِ: إِمَّا مَنْطُوقَةً أَوْ مَرْسُومَةً، لِتُلْهِمَ الإِيمَانَ وَتَرْسِخَ العَقِيدَةَ فِي النُّفُوسِ.
فالايقونه إذن نَصٌّ بَصَرِيٌ يُكْتَبُ وَيُقْرَأُ إنَّ الصُّورَةَ وَالْكَلِمَةَ تَتَكَامَلَانِ بِعُمْقٍ فِي نَقْلِ الْعَقِيدَةِ، حَيْثُ تَحْمِلُ الإيْقُونَةُ رَسَائِلَ رُوحِيَّةً غَنِيَّةً تَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ وَفَهْمٍ عَمِيقٍ. تُعَدُّ الإيْقُونَةُ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالتَّعْلِيمِ الدِّينِيِّ، حَيْثُ تُسَاهِمُ فِي تَوْجِيهِ الرُّوحِ نَحْوَ الْحَقَائِقِ السَّامِيَةِ، وَتُعَزِّزُ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالرَّبِّ.
التميز
الفنان أيمن فايز، يتميز بأسلوب فني متقن ومتجذر في التقليد البيزنطي الكنسي، مع إدخال بصمته الخاصة التي تعكس فهمًا عميقًا للإيمان المسيحي وتراث الأيقونات. يظهر في أعماله المزج بين احترام القواعد التقليدية للأيقونة البيزنطية وبين التعبير الشخصي الذي يجعل عمله فريدًا ومتميزًا. يظهر ذلك في عدة محاور منها
أولا: السياق الشخصي واللاهوتي
الفهم اللاهوتي العميق: أيمن فايز ليس مجرد رسام بل هو كاتب للأيقونة، ما يعني أن عمله يستند إلى فهم لاهوتي قوي، الأيقونات ليست صورًا عادية، بل هي لاهوت مرسوم، وأعماله تعكس هذا الفهم.
التقيد بالمبادئ التقليدية: يتبع الفنان القواعد الصارمة لكتابة الأيقونة، مثل الالتزام بالرمزية الروحية، استخدام الألوان بمعانيها اللاهوتية، والابتعاد عن الواقعية المفرطة. هذا يحفظ قدسية الأيقونة كنافذة على السماء.
ثانيا: أسلوبه الفني
التركيز على الرمزية
يولي ايمن اهتمامًا كبيرًا للرمزية في كل تفاصيل الأيقونة. كل عنصر، بدءًا من الألوان وحتى وضعيات الأجساد، يخدم هدفًا روحيًا وتعليميًا.
على سبيل المثال، يظهر جسد المسيح في أيقونة الدفن بوضعية تخاطب الروح، مع تفاصيل الجراح والهالة الذهبية التي تبرز طبيعة المسيح المزدوجة كإله وإنسان.
أيقونة الميلاد
ويستخدم أيمن الألوان المشرقة والمتباينة إذ يتميز باستخدامه للألوان الزاهية (كالأزرق والذهبي) التي تمنح الأيقونة بُعدًا روحيًا مضيئًا. هذا الأسلوب يرمز إلى النور الإلهي الذي يتخطى ظلمة الموت.
الذهب في الهالات والخلفيات: إذ يُستخدم الذهب بأسلوب دقيق يُبرز القداسة والإلهام السماوي، مما يعكس التقليد البيزنطي الكلاسيكي.
أيقونة الميلاد
الإيقونة البيزنطية لميلاد المسيح، كما يظهرها الفنان أيمن فايز، تُمثل عمقاً لاهوتياً ورمزياً كبيراً، حيث تتداخل العناصر الفنية مع الرسائل الروحية التي تنقل تعاليم الكنيسة. فيما يلي تحليل أكثر عمقاً لعناصر الإيقونة وتفاصيلها:
السيدة العذراء مريم (Theotokos)
الموضع المركزي: توضع العذراء في مركز الإيقونة، مما يبرز دورها المحوري كوالدة الإله (ثيؤطوكوس)، ليس فقط كأم بيولوجية، بل كشخصية محورية في خطة الخلاص.
الوضعية المستلقية: تعكس هذه الوضعية الراحة والسلام بعد الولادة، وفي الوقت نفسه، تُظهر التأمل العميق في السر الإلهي.
الثوب الأرجواني: اللون الأرجواني يشير إلى كرامتها الملكية وأمومتها الإلهية، حيث ترتبط هذه الألوان دائماً بالمجد السماوي.
المسيح الطفل
* المذود كقبر رمزي: المذود يظهر كصندوق مستطيل يشبه القبر، مما يربط بين ولادته وموته. هذا التلميح إلى الفداء عبر الصليب هو عنصر أساسي في اللاهوت المسيحي.
* القماط كرمز للفداء: الأقمشة البيضاء التي يلف بها الطفل ترمز إلى الأكفان التي سيُلف بها جسده بعد موته، ما يضع ميلاده في سياق مهمته الخلاصية.
الملائكة
الثناء السماوي: الملائكة في أعلى المشهد يعلنون المجد لله والسلام للبشر. في الفن البيزنطي، تمثل الأجنحة والأنماط المتكررة في أزيائهم الكمال السماوي.
تعدد الأدوار: الملائكة ليسوا فقط يسبحون، بل يخدمون كرسل ينقلون البشارة للرعاة.
الرعاة والبشارة
رمزية الرعاة: الرعاة هم أول من يسمع البشارة، مما يعكس اختيار الله للبسطاء كأول من يستقبلون الرسالة الإلهية. وضعياتهم تُظهر دهشة واستعداداً للسماع.
أدواتهم البسيطة: العصا والرداء الخشن يمثلان الفقر، وهو ما ينسجم مع التواضع الذي أحاط بميلاد المخلص.
المجوس
الأدوار الثلاثة: المجوس الثلاثة يمثلون الأمم المختلفة والأعمار البشرية الثلاثة (الشباب، الكهولة، الشيخوخة)، مما يرمز إلى أن المسيح أتى ليخلص الجميع.
الهدايا ودلالاتها اللاهوتية:
الذهب: يشير إلى الملوكية
اللبان: يعبر عن الألوهية، حيث يُستخدم في العبادة.
المر: يرمز إلى المعاناة والموت، مما يشير إلى الفداء المستقبلي.
يوسف النجار
* الزاوية السفلى اليسرى: يظهر يوسف بحالة من التفكير والاضطراب. يمثل يوسف الشكوك الإنسانية، لكنه في النهاية يطيع الإرشاد الإلهي.
* الشيخ الذي يحاوره: بحسب التقليد، هذا الشيخ يمثل إبليس، الذي يحاول إثارة الشكوك في قلب يوسف حول ولادة الطفل من عذراء.
مشهد الاستحمام
المرأة والقابلة: تمثل الطبيعة البشرية للمسيح، حيث وُلد كطفل بشري حقيقي. الغسل يرمز إلى الطهارة والتجدد.
الماء كرمز روحي: يرمز الماء إلى المعمودية التي ستؤسسها الكنيسة فيما بعد كسر أساسي.
الخلفية الطبيعية
الكهف كرمز للموت والقيامة: يذكرنا الكهف الذي وُلد فيه المسيح بالكهف الذي دُفن فيه بعد صلبه.
الجبال والسماء: تعكس الطبيعة التي تشهد على الحدث الإلهي، حيث يبرز الفن البيزنطي رمزية كل تفصيل لتوصيل رسالة لاهوتية.
النجمة السماوية
النجمة الموجهة إلى المذود تحمل في مركزها أشعة تنير مباشرة على الطفل يسوع، مما يمثل الهداية الإلهية التي قادت المجوس والرعاة إلى المخلص. النجمة هي أيضاً رمز لظهور المسيح كالنور الحقيقي للعالم.
التوازن والتوزيع الفني
الإيقونة مقسمة بمهارة بين السماء والأرض، بين البشر والعالم السماوي، مع إبراز ترابط الكل حول الحدث المركزي: تجسد الكلمة.
الألوان ودلالاتها
الألوان الزاهية: الأحمر والأزرق والأخضر تُستخدم لإبراز الحياة والروحانية. الأحمر يمثل الدم والفداء، الأزرق السماء والألوهية، والأخضر التجدد والحياة.
* التقشف في الألوان الخلفية (الأرضية): يركز على الحدث المركزي، حيث تعكس الأرضية الحياد والتواضع الذي يحتضن به العالم الحدث.
هذه الإيقونة ليست فقط عملاً فنياً، بل هي كتاب مقدس مرسوم يُدخل المتأمل في أعماق السر الإلهي، ويدعوه للتأمل في عظمة التجسد وفداء البشرية.
هذه الإيقونة البيزنطية، التي رسمها الفنان أيمن فايز، تُظهر السيدة العذراء مريم مع الطفل يسوع، وهي من أكثر النماذج شهرة في الفن الإيقوني تحت عنوان "والدة الإله". الإيقونة تحمل معانٍ لاهوتية ورمزية عميقة تُظهر العلاقة بين العذراء والطفل الإلهي، وإليك شرحًا تفصيليًا:
السيدة العذراء مريم
التسمية: الحروف اليونانية (ΜΡ ΘΥ) على جانبي رأسها تعني "متر ثيؤ" (Μήτηρ Θεοῦ أو "والدة الإله")، وهو اللقب الذي يؤكد عقيدة الكنيسة عن دور مريم كوالدة الإله المتجسد.
الهالة: تحيط برأسها هالة ذهبية تعبر عن القداسة، مع صليب صغير يعكس دورها في الخلاص كوالدة المخلص.
الألوان
الأزرق الداكن: يُشير إلى طبيعتها الإنسانية.
الأحمر تحت الثوب الأزرق: يرمز إلى الطبيعة الإلهية التي لبستها نتيجة اختيارها لتكون "والدة الإله".
النظرة الهادئة: وجهها يُظهر السلام الداخلي والتواضع، فهي نظرة تشجع على التأمل في سر التجسد.
الطفل يسوع
الهالة الصليبية: تُحيط برأسه هالة تحمل الحروف اليونانية (Ο Ω Ν)، والتي تعني "الكائن" (إشارة إلى ألوهية المسيح)، وهي اقتباس مباشر من وصف الله في العهد القديم (سفر الخروج 3:14 - "أنا هو الكائن").
اليد اليمنى: تمتد يده اليمنى في إشارة إلى البركة، مع وضع الأصابع الذي يعكس الأحرف الأولى من اسم المسيح باليونانية (IC XC).
الكتاب المقدس: يُمسك بيده اليسرى كتابًا يمثل الإنجيل، ما يشير إلى كونه الكلمة المتجسد وحامل الرسالة الإلهية.
الثوب الذهبي: يُعبر عن مجده السماوي وألوهيته، مع خطوط متموجة تشير إلى النور الإلهي المنبعث منه.
الوضعية الرمزية
التفاعل بين العذراء والطفل: يد العذراء اليمنى تشير إلى الطفل يسوع كالمخلص، وهو محورها الرئيسي. يدها اليسرى تمسك بالطفل، مما يرمز إلى دورها كحامية وشفيعة.
التقارب الجسدي: الطفل يجلس بين يدي العذراء في وضع حميمي يدل على العلاقة بين الأمومة واللاهوت، فهو ليس فقط ابنها، بل هو "الكلمة المتجسد".
الخلفية
الخلفية باللون الأصفر هي عنصر شائع في الإيقونات البيزنطية، حيث ترمز إلى السماء والنور الإلهي الذي يتجاوز حدود الزمن والمكان. إنها تضع الشخصيات في بعد روحي خارج العالم المادي.
الحرفية والأسلوب
التفاصيل الدقيقة: تظهر الدقة في رسم الثياب الثنايا، مما يخلق إحساسًا بالعمق والانسجام. الثياب المذهبة تعزز من البُعد الروحي للإيقونة.
العينان الكبيرتان: تعبر عن البُعد الروحي في الإيقونات البيزنطية، حيث تُشير إلى رؤية العالم الإلهي بوضوح.
رسالة الإيقونة
هذه الإيقونة تضع المتأمل أمام الحقيقة اللاهوتية لتجسد المسيح من مريم العذراء، مع إبراز دورها كجسر بين البشرية والألوهية.
الإيقونة دعوة للتأمل في السلام الإلهي الذي يجلبه التجسد، وتُظهر مريم كرمز للأمومة والشفاعة في الكنيسة.
الفنان أيمن فايز أبدع في توظيف الفن البيزنطي التقليدي مع لمسته الشخصية، مما يجعل هذه الإيقونة ليست فقط عملاً فنياً، بل صلاة مرئية تنقل الروح إلى أبعاد لاهوتية عميقة