الأقباط متحدون - دكتور بورج ودكاترة الفبركة!
أخر تحديث ٢١:١٠ | الاربعاء ٢ يناير ٢٠١٣ | ٢٤ كيهك ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٩٣ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

دكتور "بورج" ودكاترة "الفبركة"!


بقلم: عزت بولس

تعرفت خلال إحدى محطات حياتي العملية كمهندس في مجال الكمبيوتر على زميل فرنسي، نشأ وتربى في "الجزائر"، وانضم للفيلق الأجنبي الفرنسي في "الجزائر"، عندما كانت "فرنسا" تعتبرها جزءًا من أراضيها. إلى أن جاء "عبد الناصر" بحُلم القومية العربية، ودعم الثوار بالسلاح، وبالخطب الملتهبة؛ حتى نالت "الجزائر" استقلالها، واضطر هذا الزميل إلى مغادرة "الجزائر"، ومنها إلى "فرنسا"، حاملاً معه ذكريات أيام الطفولة، متطبعًا ببعض أخلاقيات المشرق.
التقيتُ بالسيد "بورج" عند التحاقي بالعمل في إحدى فروع شركة فرنسية بـ"سويسرا"، وبحكم نشأته في "الجزائر"، وإجادته بعض العربية، توطدت صلة الزمالة بيننا، وتبادلنا الزيارات.
 
وفي إحدى هذه الزيارات، أفصح لي عن عزمه الحصول على شهادة الدكتوراه، فأدهشتني المفاجأة؛ لأني لم أرَه قط مشغولاً بتحضير رسائل متعلقة بمجال بحثٍ ما، ولعلمي أن الحصول على هذه الدرجة يتطلب تفرغًا شبه كامل لنيل هذا التقدير. ولم يتركني لدهشتي طويلاً، حتى شرح لي سهولة عملية الحصول على الدرجة المنشودة، مقابل مبلغ مالي يُحوَّل لحساب إحدى الجامعات ذات الصيت العالمي، وأعقبه باستعداده لمساعدتي في الحصول على درجة الدكتوراه من نفس المحفل العلمي. وتعجب لرفضي العرض، لقناعتي بأني قد أخدع الناس بلقب "د."، لكني لن أقوى على خداع نفسي!
 
وبالفعل نال د."بورج" الشهادة المنشودة، وأسرع بإخطار إدارة الشركة بلقبه الجديد، طامعًا في الحصول على مقابل مادي يليق بما اقتنصه من درجةٍ علمية، وبسرعةٍ قام بطبع كروت بلقبه الجديد، وتوزيعها على العاملين بالشركة.
 
ولم تمضِ إلا عدة أشهر قليلة، حتى جاءت الرياحُ بما لا تشتهى السفنُ، واستغنت عنه "الشركة الفرنسية"؛ لفشله في القيام بمهام المنصب الموكل إليه بالكفاءة اللازمة والمتوقعة من حاملي هذه الدرجة العلمية. ولم يحالف الحظ د."بورج" مرة أخرى، وفشل في الالتحاق بعمل آخر في "سويسرا"؛ فتركها عائدًا إلى "فرنسا"!
تزاحمت في خاطري تلك الذكريات وانأ أتأمل الجالسين على مائدة "سلطة" البلاد من الحاصلين على الألقاب من "د." فما فوق، متابعًا أساليب إدارتهم لبلد في حجم مصر، وقارنتُ بين ما استطاع أن يقدمه د."بورج" للشركة الفرنسية، وأدى إلى قرار سريع وحاسم بالاستغناء عنه، وما يقدمه أصحاب الألقاب الكبيرة من الجامعات الشهيرة الأوربية أو مثيلتها عبر الأطلنطي، ومدى صبر شعب مصر الواعي على أصحاب الألقاب الرنانة، التي لم يستطع صدى طنينها أن يُغطي على مقدار فشلهم في إدارة البلاد، سياسيًّا، واقتصاديًّا وأخلاقيًّا!
 
وهنا أتوقف قليلاً عند عبارة "أخلاقيًّا"، وأقارن بين شراء الألقاب العلمية بالماديات، وشراء الضمائر بالمواد التموينية؛ بهدف الحصول على لقب "رئيس". وكما كان الحال في سابقة د."بورج"، هوذا الحال في "موقعة الرئاسة"! إذ لم يكفِ لقبُ "فخامة الرئيس" لإعطاء صاحبه الخبرة الإدارية والحنكة السياسية اللتين تكفيان لتسيير بلدٍ بحجم مصر!
 
إن الألقاب غير المرتبطة بالنهج العلمي السليم، لا تعوِّض نقصَ حصيلةٍ من خبرات تراكمية لسنين تنظيم، ودراية في التعامل، والانخراط في دهاليز السلك الدبلوماسي والسياسي، ناهيك عن ضرورة "كاريزما" الزعيم، وقدرته على الإقناع، واستنباط ردود أفعال ناتجة عن قرارات مصيرية، يَحرص على تمريرها بعد صدورها.
 
إن شخصية وكفاءة الشخص هي إحدى المفاصل الأساسية للتأهل لهذا المنصب، ولا يكفي الانبهار بالسلطة والجلوس خلف مكتب فاخر في قصر الاتحادية كمؤهل نجاح. إن رنة "فخامة الرئيس" غير ضامنة لنجاح حاملها، ولكن بمقدرة صاحبها في أن تصل ذبذبات رنين إنجازاته إلى المواطن المصري، فينسجم مع لحنها، فيفخر برئيسه، ويكون سندًا له في تفعيل قراراته الصائبة، ولا يلجأ إلى السخرية منها عند العدول عنها بعد إصدراها بدقائق!
 
المصري بطبيعته (التعميم لا يجوز) راغبٌ في تأدية فروض الطاعة إلى رئيسه والافتخار به، واعتباره يمثله شخصيًّا. ويجسد الرئيس من ناحيته شموخ المصري واعتزازه بنفسه (عبد الناصر كان مثلاً لكبرياء المصري).
 
الشعب المصري وهبته سنين الحضارة غريزة ثاقبة، وقرون استشعار حساسة لكل همسة كاذبة، تترجم رسائلهم إلى نكاتٍ ساخرةٍ لاذعة،. لقد أثبت التاريخُ أنَّ من الصعب استغفال الشعب المصري. وأن مَن تعوَّد على العمل في الظلام، يُخطيء عندما يظن أن ما يُشعه مصباحُه المضيء من أكاذيب يضيء عقول المصريين!
 
د."بورج" استطاع أن يخدع إدارة "الشركة الفرنسية" لفترةٍ وجيزة، وجاءت نتيجة الخداع الاستغناء عن خدماته! قد يكون استمراره في عملة دون لقب "دكتور" أفضل له، ومناسبًا أكثر مع إمكاناته، ولكن طبيعة النفس البشرية الخبيثة متمثلة في الطمع والخداع تصيب مستخدمها في مقتل.
مَن شابه رئيسه فما ظلم، وعلى نفس النهج، سار أعضاء الجنة التأسيسية الموقرون، سعداء بتمرير دستور باستفتاء معيب، دستور شابه الكثير من العوار لما يحتويه من مواد تم فبركتها للحصول على شهادة "نعم"، ولقب "د. ستور"! ولكني أؤكد لكم يا أعضاء اللجنة الأجلاء أنكم خدعتم أنفسكم وجانبكم الصواب، فالمصري لا يُخدع، وإن بدا لكم ذلك لخلل وقصور في فهمكم، الذي لا يرقى إلى مستوى ما حصلتم علية من الألقاب يا سيادة الدكاترة وأساتذة "الفبركة"!
 
خارج النص
متفهمٌ جدًّا مقدارَ كراهيةِ الإخوان، وتوابعهم من التيارات السلفية، للأقباط؛ لفشلهم في خداعهم عبر عشرات السنين.. يعني بالعربي "كاشفينهم"!!

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter