محرر الأقباط متحدون
أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع رئيس أساقفة حمص للسريان الكاثوليك المطران جاك مراد الذي حدثنا عن هذه المرحلة التي تعيشها سورية بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد لافتا إلى أن البلاد تسعى إلى بناء المستقبل وسط الكثير من الشكوك، لكن المواطنين يتسلحون بالأمل في العودة إلى حياتهم الطبيعية وتخطي الأزمات.

ثلاثة أشهر تقريباً مضت على سقوط نظام الرئيس الأسد، وخلال تلك الفترة ما فتئ القائد السوري ورئيس البلاد الجديد يسعى إلى إقناع مواطنيه والجماعة الدولية بأنه من الممكن أن تبصر النور "سورية جديدة" يعيش فيها السكان بسلام ووئام على الرغم من تعدد الأعراق والأديان. ويندرج في هذا السياق مؤتمر الحوار الوطني الذي التأم في دمشق خلال الأيام الماضية، ويهدف إلى تمثيل جميع مكونات المجتمع السوري، التي عاشت أربع عشرة سنة من الحرب الأهلية الدامية.

وقد شارك في المؤتمر الوطني مؤيدون للنظام العلوي ولحزب البعث المخلوع، بالإضافة إلى فصائل متمردة عدة، ومقاتلين أكراد وحركات إسلامية راديكالية، من بينها جبهة النصرة التي كان ينتمي إليها الزعيم السوري أحمد الشرع. مع ذلك يرى المحللون والمراقبون السياسيون أن الوضع الداخلي ما يزال يعاني من الهشاشة الكبيرة، المرفقة بعلامات الاستفهام بشأن مستقبل البلاد. وفي وقت تسعى فيه السلطات إلى توحيد فصائل المعارضة، ما تزال رغبات الانتقام سائدة في المجتمع السوري، وما يزال كثيرون يخشون من حكم إسلامي ومن تطبيق الشريعة الإسلامية.

عن هذا الموضوع حدثنا المطران جاك مراد مؤكدا أن الوضع الذي تمر به البلاد حساس لأن سورية تعيش مرحلة من الضعف والهشاشة الشديدين، فضلا عن الفوضى السائدة في مختلف المناطق لاسيما على الصعيد الأمني. ومع ذلك، أكد سيادته أنه ما يزال يعلق الآمال على مستقبل أفضل للبلاد وللشعب السوري.

بعدها انتقل الأسقف السوري إلى الحديث عن مشاعر الفرح التي عمّت القلوب عندما تحررت البلاد من سطوة النظام، وما تزال هذه المشاعر موجودة لغاية اليوم، خصوصا وأن ما حصل بدّل القلوب، وأعطى دفعاً قوياً للسكان كي يتمكنوا من مواجهة التحديات الكبيرة المطروحة أمامهم. وشدد المطران مراد على ضرورة أن تعيش سورية الآن مرحلة من العدالة الانتقالية، وأن يُصاغ دستور جديد، وأن يتم إصلاح المؤسسات والنظام الاقتصادي، وأن تُصان وحدة الأراضي. وقال إنه من المرتقب أن تبصر النور حكومة جديدة، في الأول من آذار مارس المقبل، تعكس تنوع الشعب السوري. وقد جاءت مؤشرات مشجعة من الاتحاد الأوروبي الذي قرر رفع جزء من العقوبات المفروضة على سورية منذ العام ٢٠١١، في قطاعات المصارف والطاقة والنقل.

هذا ثم أوضح سيادته أن الشعب السوري يحب الحياة وهو يتحمل مسؤولياته، معرباً عن ثقته التامة بأن السوريين سيلتزمون في تنمية البلاد وتحديثها. وذكّر بأن السلطات السورية الجديدة عبرت – في أكثر من مناسبة – عن التزامها ورغبتها بأن يكون المواطنون جزءاً من سورية الجديدة. وعلى الرغم من كل التصريحات المطمئنة الصادرة عن إدارة الرئيس الشرع والموجهة إلى المكونات كافة، لم يخفِ المطران مراد قلقه حيال بعض الأحداث والوقائع التي تتعارض مع تلك التصريحات، مذكراً بأن الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تكون دليلاً على بلد منفتح على الجميع، بل على جزء من المواطنين دون غيرهم.  وقال على سبيل المثال إن النساء السوريات لم تعتدن على ارتداء الحجاب، كما أن النساء والرجال في سورية معتادون على الاختلاط في الأماكن العامة، وعلى متن وسائل النقل العام، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات فُرضت في بعض المناطق، والمواطنون التزموا بها على الرغم من استيائهم الكبير وعن غير قناعة.

لم تخل كلمات رئيس أساقفة حمص للسريان الكاثوليك من الحديث عن بعض أعمال العنف التي تقع من حين إلى آخر، وترافقها أحياناً مشاعر الانتقام والأخذ بالثأر تجاه من تعاونوا سابقاً مع نظام الرئيس الأسد. ورأى أنه بغياب منظومة قضائية فاعلة، لن يشجع الوضع ملايين السوريين اللاجئين والمغتربين على العودة إلى بلادهم. وقال إنه كي يتمكن المسيحيون واللاجئون من العودة لا بد أن تتوفر بعض الشروط، إذ ينبغي، في المقام الأول، أن تمثّل الدولة جميع المكونات والأديان، وثمة حاجة أيضا إلى دستور جديد واضح ومقبول من طرف الجميع، وأوضح أنه إذا ارتكز الدستور إلى الشريعة الإسلامية، سيعود السنة دون سواهم. وهناك أيضا مسألة أخرى في غاية الأهمية ألا وهي العدالة، وهذا الأمر يبقى حلماً بالنسبة للمواطنين لأن سورية تفتقر إلى العدالة الحقيقية.

في ختام حديثه لموقعنا الإلكتروني قال المطران مراد إن سورية كانت دائماً مثالاً للتعايش السلمي والتناغم بين مختلف الجماعات والأعراق والأديان. وهكذا يجب أن تكون سورية في المستقبل على الرغم من كل الصعوبات والتحديات الراهنة والتي تزيد من حدة التوتر. وقال: الناس طيبون وأسخياء، والسياسة ليست قادرة على تغيير قلوب الشعب السوري.