محرر الأقباط متحدون
كتب مدير التحرير في دائرة التواصل الفاتيكانية أندريا تورنييلي مقالاً افتتاحياً تطرق فيه إلى المشروع الأوروبي المتعلق ببرنامج إعادة التسلح Rearm Europe بقيمة ثمانمائة مليار يورو، وتساءل ما إذا كان هذا الأمر يضمن للقارة القديمة السلام والاستقرار المنشودين.

استهل المسؤول الفاتيكاني مقاله متوقفا عند ما قاله البابا فرنسيس منذ سنتين، في الذكرى السنوية الستين لصدور الرسالة العامة للبابا يوحنا الثالث والعشرين "السلام في الأرض" حينما أكد برغوليو أن زيادة الموارد الاقتصادية من أجل التسلح باتت اليوم أداة للتعامل ما بين الدول، ما يعكس النظرة القائلة بأن السلام ممكن فقط إذا ما ارتكز إلى توازن في حيازة الأسلحة. ولفت فرنسيس في تلك المناسبة إلى أن هذه المقاربة تولد الخوف والرعب وتهدد بالقضاء على الأمن لأنها تنسى أن حدثاً ما يمكن أن يخرج عن السيطرة ويطلق العنان للآلة الحربية.

وكتب تورنييلّي أن كلمات الحبر الأعظم تعود إلى الأذهان في هذا الزمن الذي تعيشه أوروبا اليوم، خصوصا بعد أن أعلنت رئاسة المفوضية الأوروبية عن خطة تهدف إلى رصد مبلغ ثمانمائة مليار يورو للميزانية الدفاعية، مضيفا أن هذه الخطة تعيد إلى أذهان الأوروبيين لحظات مأساوية من الخوف والرعب عاشوها في الماضي القريب.

بعدها أشار المسؤول الفاتيكاني إلى أن أوروبا أظهرت، خلال السنوات الثلاث الماضية، عجزها عن القيام بمبادرات دبلوماسية خلاقة، واكتفت بتزويد أوكرانيا بالأسلحة في أعقاب الغزو الروسي، ولم تسع جديا إلى فتح دروب للتفاوض تضع حداً للصراع الدامي. وها هي تستعد اليوم لتستثمر، أسوة بباقي القوى العظمى، مبالغ طائلة في مجال التسلّح، عوضا عن رصد هذه الأموال لمكافحة الفقر وتمويل برامج تنموية تساعد اللاجئين والمهاجرين الهاربين من الحروب والبؤس، ولتحسين الخدمات الاجتماعية والتربية والتعليم ولضمان مستقبل تكنولوجي أكثر إنسانية، ولمساعدة المسنين.

وذكّر بأن هذه الأموال ستنتهي في جيوب صانعي الموت، على الرغم من أن النفقات العسكرية لدول الاتحاد الأوروبي تتخطى اليوم تلك الروسية. وتساءل هنا تورنييلي ما إذا كانت هذه هي الدرب كفيلة بضمان مستقبل من السلام والازدهار في أوروبا والعالم، وبإعادة اكتشاف جذورنا وقيمنا.

وذكّر المسؤول الفاتيكاني بالمساعي الهادفة إلى تخزين الأسلحة النووية التي تهدد بحدوث محرقة تقضي على البشرية كلها، عوضاً عن العمل من أجل إنشاء صندوق عالمي لاستئصال الفقر ولتعزيز التنمية المستدامة في العالم، كما دعا البابا فرنسيس لمناسبة سنة اليوبيل. واعتبر تورنييلي أن الدول تتصرف وكأن الحرب العالمية الثالثة المجزّأة التي تحدث عنها الحبر الأعظم منذ عشر سنوات لا تشكل تهديداً، ورأى أن الاتحاد الأوروبي، وعوضا عن البحث عن دور فاعل لدفع السلام والتفاوض، يجد اليوم نفسه متحداً في سباق التسلح.

وعاد مدير التحرير في دائرة التواصل الفاتيكانية ليذكّر بما قاله البابا فرنسيس في أبريل نيسان ٢٠٢٢، عندما حذّر من تراجع الرغبة في السلام التي طبعت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وقال إنه بعد سبعين سنة على نهاية هذا الصراع يبدو أننا نسينا كل ما حصل ويبدو أن مخطط الحرب فرض نفسه مرة جديدة ولم نعد معتادين على التفكير بمخطط السلام.

وتساءل أندريا تورنييلي في ختام مقاله الافتتاحي عن المخطط الذي ينبغي أن يحل مكان مشروع "إعادة التسلح"، قائلاً إن ثمة حاجة إلى مشروع جديد للسلام في أوروبا. وأضاف أنه لا بد أن نرفع صوتنا للمطالبة بالسلام وأن نضمه إلى صوت البابا فرنسيس الذي قال يوم الأحد الماضي، من غرفته في مستشفى جيميلي، إنه يصلي قبل كل شيء على نية السلام، مشيرا إلى عبثية الحرب.