محرر الأقباط متحدون
ننشر ملخص التأمل الأول لواعظ القصر الرسولي، والذي به تُفتتح الرياضة الروحية في الفاتيكان للبابا، الذي ينضم إليها روحيًا، وللكوريا الرومانية. يقول الأب روبرتو بازوليني، الراهب الكبوشي: "غالبًا ما نشعر بهاجس ضرورة أن نكون كاملين، ومع ذلك، يعلمنا الإنجيل أن "النقص الحقيقي" ليس في الضعف، بل في غياب الحب".
بدأت عصر أمس الأحد في قاعة بولس السادس بالفاتيكان الرياضة الروحية للكوريا الرومانية التي يقود تأملاتها الراهب الكبوشي الأب روبرتو بازوليني واعظ القصر الرسولي تحت عنوان "الرجاء في الحياة الأبديّة"؛ وفي تأمله الأول الذي ألقاه عصر الأحد قال واعظ القصر الرسولي إنَّ إيمان الكنيسة، المرتكز على قيامة المسيح، قد قدم للعالم دائمًا رجاء الحياة بعد الموت. لكن مع مرور الزمن، تضاءل هذا الوعد ولم يعد موضع جدل بقدر ما أصبح موضع تجاهل. أمام هذا اللامبالاة، يُدعى المؤمنون إلى إعادة اكتشاف قيمة وجمال الحياة الأبدية، لكي يعيدوا إليها معناها الأصيل. وهذه مهمة ملحّة جدًّا في سنة اليوبيل هذه، وفي ظل الألم العميق الذي يمر به الأب الأقدس.
تابع الأب روبرتو بازوليني يقول إن مسيرة الرياضة الروحية حول موضوع الحياة الأبدية التي نود خوضها تستند إلى الوحي المسيحي. ونبدأها بالاستقاء من بعض الصياغات الموجزة من التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الذي يقدم تلخيصًا واضحًا للفكر اللاهوتي. إنَّ التعليم المسيحي لا يعرض الموت كنهاية، بل كعبور إلى الحياة الأبدية في شركة مع المسيح. هذا المفهوم يجد جذوره في رسالة القديس بولس إلى أهل رومية، حيث يؤكد أن المعمودية توحدنا بموت المسيح وقيامته، وتفتح لنا باب الحياة الجديدة.
أضاف واعظ القصر الرسولي يقول وفقًا للتعليم المسيحي، الموت هو اللحظة التي يتم فيها الحكم الخاص، حيث يُقيَّم قبول الإنسان أو رفضه لنعمة الله. ومع ذلك، فإن الخلاص ليس حكرًا على من عرف المسيح رسميًا، إذ يعترف المجمع الفاتيكاني الثاني بأن من يتبع ضميره في البحث الصادق عن الله يمكنه أن يصل إلى الحياة الأبدية. ويشدد التعليم المسيحي على أن الحكم النهائي لا يستند إلى الأعمال الخارجية وحسب، وإنما على الحب المُعاش، مستندًا إلى فكر القديس يوحنا الصليب: "في مساء الحياة، سنُدان على الحب".
تابع الأب روبرتو بازوليني يقول إنَّ المصير النهائي للإنسان يتمثل في ثلاث احتمالات: الفردوس، أو الهلاك الأبدي (الجحيم)، أو التطهير النهائي (المطهر). يمثل الفردوس التحقيق الكامل للإنسان، حيث يجد كل شخص هويته الحقيقية في شركة أبدية مع المسيح. أما الجحيم، فيُوصف بأنه الانفصال النهائي عن الله، لكن الكنيسة لم تُعلن أبدًا يقينًا بأن أحدًا قد أُدين إليه. وأخيرًا، يُنظر إلى المطهر على أنه عملية تطهير للذين، وإن كانوا في نعمة الله، إلا أنهم لم يكونوا مستعدين بعد لدخول السماء. وربما تكمن هنا فرادة الوحي المسيحي، إذ إن "لحظة" التطهير الأخيرة تتيح لنا مواجهة حب الله اللامحدود حتى النهاية.
أضاف واعظ القصر الرسولي يقول إنَّ تأملات الكنيسة حول أبدية الحياة لا تهدف إلى إثارة الخوف، بل إلى تغذية الرجاء، مع التأكيد على أن مصيرنا يعتمد على الحرية التي نختار بها أن نعيش في الحب. فالتطهير الحقيقي لا يكمن في أن نصبح كاملين، بل في قبول ذواتنا بالكامل في نور محبة الله، متخطِّينَ وهم الحاجة إلى أن نكون "شيئًا آخر" لكي نستحق الخلاص.
تابع الأب روبرتو بازوليني يقول غالبًا ما نشعر بهاجس ضرورة أن نكون كاملين، ومع ذلك، يعلمنا الإنجيل أن "النقص الحقيقي" ليس الضعف، بل غياب الحب. يمكن اعتبار المطهر الفرصة الأخيرة للتحرر من الخوف من ألا نكون كاملين، ولكي نقبل بسلام ما نحن عليه، ونجعله مكانًا للعلاقة والشركة مع الآخرين. يمكننا أن نفهم المطهر على أنه "اللحظة" التي نتوقف فيها أخيرًا عن محاولة إثبات شيء لله، ونسمح له ببساطة أن يحبّنا. وبالتالي فالأبدية، ليست مجرد مكافأة مستقبلية، بل هي واقع يبدأ هنا والآن، بقدر ما نتعلم أن نعيش في الحب والشركة مع المسيح. في النهاية، إنَّ مصيرنا لا يُكتب في الخوف، بل في الرجاء. والموت ليس هزيمة، بل اللحظة التي سنرى فيها أخيرًا وجه الله، وسندرك أن النهاية... لم تكن سوى البداية.