الأقباط متحدون - ماذا عن أحوال الأقباط في مصر؟
أخر تحديث ١٩:٢٩ | الثلاثاء ٢٦ فبراير ٢٠١٣ | ١٩ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٤٩ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

ماذا عن أحوال الأقباط في مصر؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

لقد نجحت الباحثة الدكتورة مي مجيب عبد المنعم مسعد في جعل كتابها "الأقباط ومطالبهم في مصر، بين التضمين والاستبعاد"، متماسكاً ومعالجاً للقضايا التي يُثيرها بدقة وموضوعية بسبب المنهجية التي اتبعتها. فالكتاب، يشتمل في قسمه الأول على استعراض نظري للمفاهيم المتعلقة بمطالب الأقباط، وفي القسم الثاني يتناول بحثاً ميدانياً للإطلاع عن كثب على آراء عينات متنوعة من المواطنين، أقباط وغير أقباط، حول مطالب الأقباط، لتخلص الى استنتاجات، علمية ودقيقة، مرفقة بتفسيرات وإيضاحات لما هو سائد..

الموضوع المحوري، في القسم الأول، يتعلق بمفهوم "الاستبعاد" حيث تستعرض الباحثة التعريفات المتعددة التي اهتمت بهذا المفهوم، فهناك من رأى أن المستبعدين هم الجماعات الخارجة عن نطاق المشاركة الرسمية، السياسية والاقتصادية، داخل أي مجتمع؛ وآخر ربط بين هذا المفهوم ومؤشراته وجوانبه... وفي محاولة من الاتحاد الأوروبي لايجاد تعريف شامل قال إن الاستبعاد عملية ديناميكية بأن تكون خارج الإطار في المجالات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية؛ أما التعريف الذي تقول به الباحثة فهو أن الاستبعاد مفهوم يدرس حالة وعملية ديناميكية، يدرس حالة عجز الأفراد والجماعات عن المشاركة الفعالة داخل المجتمع لأسباب متنوعة: دين، جنس، وأمكنة نائية تتعرض لصراعات ولا تطالها التنمية، فالاستبعاد له ثلاثة مكونات: التمييز على أساس الدين أو الجنس أو اللغة.. الحرمان المادي أي فقدان الحق في الخدمات الاجتماعية.. وعدم التمكين في إشارة الى فرد أو جماعة تعاني عمليات تمييزية تؤثر في مستويات المعيشة، ما يؤدي الى غياب التماسك الاجتماعي وغياب الانتماء... هذا التنوع في التعريفات تعيده الباحثة الى خروج هذا المفهوم من القارة الأوروبية الى باقي البلدان والقارات، وكذلك بروز تيارات سياسية واقتصادية كالعولمة والخصخصة لعبت دوراً مميزاً في ظهور هذا المفهوم. انعكس هذا التنوع في التعريفات على الفئة أو المجال حيث يسود الاستبعاد لمعالجة أسبابه: ففي فيتنام يركزون على الأقليات الاثنية المستبعدة، وفي البرازيل على تفعيل مؤسسات المجتمع المدني. وفي الاتحاد الأوروبي على معدلات الفقر والفجوة بين المداخيل، وفي أميركا الشمالية على فقدان فرص العمل وافتقاد القدرة على اكتساب المهارات، وفي الشرق الأوسط وشمال افريقيا يتم التركيز على حقوق المرأة وعملية التحول الديموقراطي والتمييز الاثني وارتفاع معدلات البطالة.

من المفاهيم التي ترتبط بالاستبعاد وتؤثر فيه مفهوم العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع. ترى الباحثة أن العلاقة بين الدين، بوصفه مكوناً من مكونات المجتمع، والدولة شائكة ومعقدة وتعتريها العديد من الالتباسات وخصوصاً في إطار العلمنة ونزع القداسة عن أي موقف تجاه الأشخاص أو الأشياء وتغليب الموقف المعرفي والتفكير المنطقي على النزعات العاطفية بما فيها التصورات الدينية، لكن عجز "ايديولوجيات" الحداثة والعلمنة أمام المشاكل التي يعاني منها المواطن: فقر، تسلط سياسي، عنف، لا تسامح... أدى الى تضاؤل فعاليات هذه الأيديولوجيات فتقدم الدين وحدث تفاعل بينه وبين السياسة. وقد اتخذ هذا التفاعل صيغاً مختلفة الأبعاد انسحبت على أشكال الحكم وعلى التيارات الدينية: حكم ديموقراطي تم فصل الدين عن الدولة، حكم شمولي أو استبدادي تمت التوظيفات السياسية للدين بهدف تحقيق الشرعية والتعبئة والتبرير.. وتذكر الباحثة، في ما خص المنطقة العربية، نموذجين سادا هذه المنطقة: أنظمة حكم على أسس قومية، وأنظمة تفوم على مشروع ديني سياسي... تقدم الباحثة عرضاً مسهباً وتاريخياً لوضع الدولة وطبيعتها وشكل نظامها السياسي منذ افلاطون اليوناني الذي رأى أن الدولة لتكون عادلة عليها أن تكون متطابقة مع القانون اليوناني، أما الفارابي فرأى أن المدينة الفاضلة لا تستطيع بلوغ العدالة إلا إذا كانت ملتزمة بالشريعة ومن ثم الرجوع الى الله... ثم تعرض لآراء المفكرين الإسلاميين والليبراليين والماركسيين وغيرهم لمفهوم الدولة وشكل أنظمتها ودورها... أن ما يُلفت في هذا الإطار هو عرضها لما كان عليه الوضع أيام النبي محمد (ص) في ما خص الدولة فتقول إن ما جرى في سقيفة بني ساعدة هو أن السلطة السياسية في الإسلام شأن دنيوي، ولدى تحليلها لنظام الدولة التي أسسها النبي (ص) في المدينة كان يقوم على "دولة المواطنين"، وهذا ما أرساه دستور المدينة من خلال عدم التمييز بين مؤمن وغير مؤمن برسالة الإسلام، فأصبحت الرابطة علمانية دينوية، ومع موت النبي (ص) أخذ الاندماج بين الحقيقة الدينية وحقيقة السلطة يتفكك وبرز ذلك في العصر الأموي، إلا أن الدولة العباسية أعادت دمج المجالين السياسي والديني. وفي ما خص علاقة الدولة بالمجتمع، ترى الباحثة أن هناك اتفاقاً على أن المجتمع هو السابق على الدولة، والمجتمع "شرط" لقيام الدولة، والعكس غير صحيح. وفي الخلاصة إن جدلية العلاقة بين الطرفين تتأسس على ضرورة وجود الدولة لاستمرار ديناميكية وحركة المجتمع وجوهر هذه العلاقة هو مجتمع متماسك.

وبما أن الدراسة تتعلق بمصر، تستعرض الباحثة خصوصية الحالة المصرية التي تتأثر سياساتها بالعديد من المقومات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وترى أن هذه الخصوصية تستند الى عاملين، خارجي يتمحور حول التغير الاجتماعي العميق الناتج من التغيرات الأساسية التي لحقت ببنية المجتمع العالمي من تتالي دعاوى الديموقراطية وأهمية حقوق الإنسان التي أدت، هذه التغيرات، الى بعض الصراعات الطائفية والاقتصادية والسياسية. ومن أهم سمات هذه الخصوصية عودة الدين ليكون عنصراً شديد الفاعلية في الساحة المصرية؛ وأما الداخلي فيتمحور حول عناوين عديدة منها اقتصادي واجتماعي وعامل غياب المشاركة السياسية، ثم العامل الديني لتشرح طبيعة العلاقة بين الدولة والدين، الإسلامي والمسيحي، والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين وعوامل إحياء الهوية القبطية والعامل الحضاري المؤثر في إبراز هذه الهوية ودور الدولة فيها، مع اتساع المجال العام، تبعاً للتغيرات الداخلية والخارجية، ثم خصوصية الإعلام القبطي الناشط على الساحة المصرية بعامة والقبطية على وجه الخصوص في مرحلة الثورة في قطاع الاتصالات والعلمنة، وأخيراً دور الخارج في تحريك القضية القبطية ودور أقباط المهجر...


في ضوء هذه المعطيات والمتغيرات والوقائع... أجرت الباحثة دراستها الميدانية وناقشت نتائج هذه الدراسة التي تناولت: إدراك ورأي المواطن القبطي العادي في ما إذا كان يُصنف نفسه كمستبعد سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً؟. وإذا كان مستبعداً فهل يرجع ذلك الى انتمائه الديني، أم الى أسباب أخرى يشترك فيها مع غيره من المصريين؟ فبالنسبة للعمل في القطاع الحكومي، نجد أن الديانة لم تكن تشكل عائقاً بل يحتاج الحصول على هذا العمل: واسطة ؛ ولم يكن التمييز الديني، لدى عينة أخرى سبباً للدخل غير الكافي، بل السبب هو ارتفاع الأسعار. وإذا ما ذكرنا النسب المئوية، التي تذكرها الدراسة بشكل مفصل، نجد بالنسبة الى الهجرة الى الخارج وأسبابها، فقد كان جواب عينة من المبحوثين، أن 3،3 في المئة للتمييز الديني داخل مصر، في حين أن نسبة الـ18،7 في المئة قالت بأن ذلك عائد الى صعوبة ظروف المعيشة؛ وبالنسبة لمعوقات الحصول على الحقوق فـ31،9 في المئة يرجع الى الفساد، في حين أن نسبة الذين قالوا إنه الانتماء الديني لا تتجاوز الـ13 في المئة... وهكذا يبدو أن العامل الديني لا يلعب دوراً مهماً في مجالات أخرى كالتعبير عن الرأي، والانضمام الى الأحزاب السياسية وتعيين الأقباط في الوظائف العليا العائد الى نقص الكوادر القبطية والتي هي بحدود الـ55، 5 في المئة؛ وعن كيف يمكن الحد من الإحساس بالتمييز ضد الأقباط في الوظائف العليا، كان الجواب الجامع ضرورة ايجاد ثقافة مجتمعية تحث على التسامح، وعن المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، والإسلام دين الدولة، فتمت مناقشتها من قبل المهتمين بهذه القضية وخصوصاً رجال الكنيسة القبطية ووجدوا ما يلي: لم يقل المشرِّع أنها "المصدر الوحيد"، وكلمة "الرئيسي" يعني أن هناك مصادر أخرى غير الشريعة الإسلامية، وعن دين الدولة، فهناك دول أوروبية وغير أوروبية ينص دستورها على دين الدولة. تخلص الباحثة نتيجة هذه الدراسة الى أن مطالب الأقباط ليست مطالب "دينية" بقدر ما هي مطالب مدنية، لكنها تكتسي، في غالبيتها طابعاً دينياً لكون الأقباط أقلية عددية ودينية وليس أقلية اثنية أو لغوية.. أو غير ذلك .

تعليقاً على هذه النتائج تتبنى الباحثة التعريف القائل بأن الدولة الضعيفة العاجزة عن تنظيم مجتمعها وتحقيق مصالحه، التي تتخذ موقفاً عدائياً من هذا المجتمع، وتناهض تنظيماته ومؤسساته المعبرة عن مصالحه، بما يخلق جواً من عدم الثقة بين الطرفين، ويكرس الروابط الرأسية كالمحسوبية والواسطة والفساد. فإذا استمرت هذه العلاقة، فستخرج الجموع المستبعدة في ثورة لن تدمر الدولة فحسب، ولكنها ستدمر البنية المجتمعية ذاتها. لقد خرجت هذه الجموع بالفعل، ليس استناداً الى أسس دينية، ولكن بصفتها جموعاً مستبعدة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.