الثلاثاء ٩ ابريل ٢٠١٣ -
١٩:
٠٨ م +03:00 EEST
بقلم : جرجس بشرى
في ظل الانتهاكات البشعة والممنهجه التي تحدث للمسيحيين "الأقباط" في مصر بات الحديث عن ضرورة تأسيس محكمة متخصصة للنزاعات الطائفية بمصر مطلب هام وجوهري ، وجوهرياً خاصة بعد ارتفاع وتيرة العنف الطائفي وجرائم العدوان الجماعي على أقباط مصر إلى مستويات غير مسبوقة ، ومثيرة للقلق ،والتي تتمثل في حرق كنائس المسيحيين المصريين وسلب ونهب وحرق ممتلكاتهم ، وتهجيرهم قسريًا ، وخطف ذويهم واغتصاب أراضيهم بغرض دفع إتاوات ومبالغ مالية كبيرة "فدية" للجناة ، بهدف استنزاف الأقباط وتجويعهم وإفقارهم وضربهم اقتصاديا ، كما أن هناك جرائم منظمة تقودها تيارات متأسلمة يقودها بعض شيوخ التطرف تستهدف خطف الفتيات المسيحيات القاصرات لأسلمتهن جبريا ً.
الأخطر أنه في جميع جرائم العدوان الجماعي على أقباط مصر تتيع الحكومات المصرية المتلاحقة بدءًا من السادات مرورًا بالرئيس السابق محمد حسني مبارك، ثم المجلس العسكري ثم جماعة الإخوان المسلمين ، سياسة الإفلات من العقاب مع الجناة بل تقوم الحكومة المصرية بتحصينهم من المحاسبة والمساءلة ،بل هناك من يتم ترقيتهم من المسئولين الحكوميين المتورطين بالمشاركة في هذه الجرائم سواء بالصمت أو التواطؤ أو المشاركة الفعلية !!
ومن المثير للدهشة أن الحكومات المتعاقبة تعطي الجماعات المتشددة المعتدية على كنائس الأقباط وممتلكاتهم غطاءا سياسياً عبر سياسة تحصين هذه الجماعات المدعومة حكومياً من المساءلة ، وإمعانا في إذلال الأقباط وانتهاك حقوقهم المشروعة في وطنهم مصر تنتهج الحكومة سياسة غير رسمية أخرى لإفلات الجناة المعتدين على الأقباط من العقاب، وهي الضغط على الأقباط المجني عليهم وعلى القيادات الكنسية نحو قبول جلسات صلح "عرفية" يتم من خلالها إهدار دولة القانون ، وإفلات الجناة من العقاب ، وإجبار الأقباط على القبول بهذا الصلح ، بل ويحدث في هذه الجلسات التي تتم برعاية حكومية الضغط على الأقباط المتضررين للهجرة القسرية الداخلية من منازلهم وقراهم وهو الامر الذي يمثل قمة الانتهاك للقانون على المستوى المحلي والدولي !!
ومن الثابت والمعروف أن الحكومة المصرية في ظل إتباع سياسات الإفلات من العقاب مع الجناة المعتدين على الأقباط والتي يتم من خلالها تضليل إجراءات العدالة لصالح الجناة وتبرئتهم لم تقم الدولة بدورها في تعويض الأقباط ، ومن المؤكد أنه في ظل هذه السياسات الحكومية المتبعة وفي ظل غياب محاكمات محلية عادلة للجناة ستتكرر جرائم الاعتداء على الأقباط وممتلكاتهم وكنائسهم وبناتهم لغياب الردع العام ، ومن هنا فأنني أدعو واطالب مؤسسات الدولة وكل المخلصين من أبناء هذا الوطن والنشطاء والفقهاء الدستوريين بسرعة تأسيس محكمة متخصصة للنزاعات الطائفية بمصر ، أسوة بالمحاكم المتخصصة في دول العالم وفي مصر أيضا التي توجد بها محاكم متخصصة للأسرة والمحكمة الاقتصادية وغيرها ، وهذه المحكمة تستوجب وجود شرطة متخصصة ونيابات متخصصة وجهاز متخصص للطب الشرعي وقضاة وطنيون متخصصون في نزاعات الفتنة الطائفية التي تحدث بمصر ، على أن يكون القائمين عليها جميعاً أقباطا ومسلمين وبعض المستقلين من القانونيين المشهود لهم بالوطنية والنزاهة من منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني.
فوجود مثل هذه المحكمة في مصر سوف يعطي نوعاً من الردع العام ، كما ستقلل مدة التقاضي ، وتتيح الشفافية والمحاسبة والمساءلة في مواجهة الجناة والمسئولين الحكوميين المتورطين في جرائم العنف الطائفي ، خاصة وانه منذ حوادث الخانكة الطائفية مرورا بمذبحة الكشح وأبو قرقاص والعديسات ومذبحة القديسين والشهيدين وإمبابة الخصوص وهدم كنيسة صول باطفيح والعامرية بالإسكندرية والمريناب بأسوان ومذبحة نجع حمادي لم يتم محاسبة الجناة المعتدين على الأقباط وممتلكاتهم وكنائسهم إلا في حادثين أو ثلاثة على الأكثر، إن الكلام عن جلسات الصلح"العرفي" وبيت العائلة والمجلس الوطني للعدالة والمساواة المقترح من د.محمد مرسي لا يجدي نفعاً في ظل حالة العنف الطائفي التي تهدد أمن الوطن وتضعه في مرمى التقسيم والتفتيت، ولكن الذي يجدي فعلا هو الردع العام ودولة القانون بعيدا عن كل هذه الشعارات التي تستهدف إفلات الحكومات نفسها من العقاب وإلا سيكون تدويل قضية الأقباط العادلة والمشروعة خيارا مشروعاً في ظل غياب محاكمات محلية عادلة وشفافة للجناة المعتدين، ليس على الأقباط فقط بل على أي مواطن على أساس ديني .