( 1131- 1146 )
البابا رقم 70
إعداد/ ماجد كامل 
يعتبر البابا غبريال بن تريك ( 1131- 1146م ) حلقة فارقة في تاريخ بطاركة الكنيسة القبطية الآرثوذكسية ، فهو البابا الذي صرح بقراءة قراءات القداس الإلهي باللغة العربية بعد  تلاوتها باللغة العربية .
 
أما عن غبريال بن تريك فهو وحسب كامل صالح نخلة ( 1883- 1957 )     )  أبو العلاء صاعد بن تريك من مدينة الفسطاط ، ولد من عائلة قبطية عريقة في النسب ، فوالده هو الذي قام  بإعادة بناء كنيسة الملاك ميخائيل باعلا كنيسة يوحنا بكتدرائية ابي مرقوره ابي سيفين بمصر القديمة  في عصر البابا ميخائيل السنجاري ( 1092- 1103م )   ، وهو في الأصل كان كاهنا وترمل وكان عالما قديرا .
 
ولقد ولد ابي العلاء في سنة ( 800 ش) الموافق ( 1084 م )  ،  ولقد نشأ عالما مقتدرا في الكتب المقدسة ، مقتدرا في اللغتين القبطية والعربية ، كما كان ناسخا ماهرا قام بنسخ عدة كتب قبطية وعربية بخط يده ، الأمر الذي ساعده كثيرا في التبحر في علوم الكنيسة والعقائد الدينية ،فضلا عن حبه لعمل الخير واغاثة الفقير وايواء الغريب .
 
( كامل صالح نخلة :-سيرة البابا غبريال الشهير بابن تريك ، مكتبة المحبة  ، صفحتي 8 و9 ) . 
ولقد وصفه الأنبا يوساب أسقف فوه في كتابه عن تاريخ البطاركة " انه جيد الصناعة حسن الخط والعبارة حسن الطريقة خبير بالكتب البيعية وكانت له صدقة كثيرة ومحبة للفقير والغريب وكلما يعمله كان سرا " ( كامل صالح نخلة :- نفس المرجع السابق ، صفحة 10 ) . 
 
ولقد كانت له منزلة كبيرة عند الوزير  أحمد بن الافضل حفيد بدر الجمالي في خلافة الأمام الحافظ لدين الله الفاطمي .  ولقد قيل عنه أنه كان من أعيان الكتاب ، خدم كاتبا في ديوان المكاتبات وانتقل منه إلي كتابة بيت المال . وعندما   أراد تكريس نفسه للخدمة في كنيسة مرقريوس ابي سيفين ، سمح له  الوزير  أن يحتفظ بمركزه في الديوان  مع قبوله الشماسية  في الكنيسة . 
 
 اختياره للبطريكية :- 
بعد أن تنيح البابا مقاريوس  الثاني (   1102- 1128 م ) البطريرك رقم 69 في  عام 1128 م ، ظل الكرسي المرقسي خاليا لمدة تقرب من سنتين تقريبا . واجتمع رجال الأمة بعدها واتفقوا علي ترشيح ابي العلا للكرسي المرقسي ، وكانت رسامته  في يوم 5 ابريل 1131م ، ودعي بأسم "غبريال الثاني ، وكان عمره وقت الرسامة 47 عاما تقريبا . 
 
وكانت من باكورة أعماله فور رسامته بطريركا ،  أن طلب أن يتوجه إلي دير القديس أبو مقار ،  ولقد حدث اثناء صلاة القداس  وأثناء تلاوة صلاة  الاعتراف ،  ان أضاف عبارة " وجعله واحدا مع لاهوته " فثار عليه رهبان دير أبو مقار  خوفا من الوقوع في هرطقة أوطاخي ، فأجابهم قائلا " هذا ما تسلمته من الآباء ، وانتم ماذا تقولون ؟ " فأجاب الرهبان " نضيف عليه بعدها " بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير "  . فاستجاب البابا إلي طلبهم ، واضاف العبارة المذكورة ( ولعل هذا يظهر أن كنيستنا كنيسة مجمعة لا ينفرد بها البطريرك بالرأي وحده ، كما تظهر علم الرهبان وجرائتهم ) .
 
ولقد تميز عهد البابا  غبريال بن تريك بالعديد من الانجازات نذكر منها :- 
1-منع الكهنة من شرب الخمر . 
2-منع التمييز بين الكهنة المرسومين من البطاركة والكهنة المرسومين من الأساقفة . 
3-منع الشعوذة والتنجيم ، ولقد أهتم بنشر كتاب يمنع  فيه الذين يستعملون التنجيم والسحر منعا قاطعا . 
4- محاربة التسري . 
5-مراعة حشمة  ملابس الكهنة وعدم جواز ارتداء الملابس الملونة . 
6-منع دفن الموتي في الكنائس . 
7-منع اخراج أجساد الشهداء من الكنائس : إذ كانت العادة عند اخراج جسد الشهيد يحنس السنهوتي ، وطرح جزء من رفاته في البحر ، ان تحدث بعض أنواع من اللعب واللهو ، فأمر بمنع هذا الرسم حفظا لكرامة القديسين والشهداء . 
8-محاربة السيمونية : - فعندما أراد بعض الأساقفة  أن يرشوه ببعض المال لرسامتهم ، رفض ذلك منهم رفضا قاطعا  . 
9-محافظته علي اتحاد كنيستي الاسكندرية وانطاكية . 
(لمزيد من الشرح والتوضيح راجع :- كامل صالح نخلة ، مرجع سبق ذكره ، الصفحات من 16- 37 ) . 
ولقد تنيح البابا غبريال بن تريك في عام 1145 م ، وكان يوم نياحته هو نفس تذكار استشهاد الشهيد العظيم فيلوباتير مرقريوس ، وبعد نهاية صلوات القداس  ، شعر قداسته بالتعب ، وتنيح بعدها بسلام ، وكانت مدة بطركيته  14 سنة وشهرين ويومين ، خلال الفترة من 3 فبراير 1131م الي 5 ابريل 1145 م . 

قوانين البابا غبريال بن تريك :- 
ترك لنا البابا غبريال بن تريك مجموعة من القوانين ، مكونة من ثلاثة كتب :- 
1-الكتاب الأول يتكون من 32 قانون يختص بتنظيم أمور البيعة وعلاقة الشعب بها دينيا ومدنيا . 
2-الكتاب الثاني يختص بتنظيم أمور الأكليروس . 
3-الكتاب الثالث يختص بالمواريث . 
ولعل  البابا غبريال بن تريك كان هو أول بطريك يطلب من  الكهنة أن يتلو القراءات الكنيسة باللغة العربية  ، إذ قال في ذلك الأمر " يجب علي كل منكم أيها الأساقفة  أن يعلم الشعب المسيحي الذي يرعها ولياخدهم  بحفظ الصلاة التي علمها السيد المسيح لتلاميذه والامانة المقدسة باللسان الذي يعرفه ويفهمه ليصلي بذلك في الصلوة . ولا نكون نهذي بما لا نعلمه . ومن قدر علي اكثر  من ذلك فله حرصه .( القانون رقم 3 من  الكتاب الأول ) . 
 
كما قام بترتيب قراءات أسبوع البصخة ، بمساعدة رهبان دير القديس أبو مقار ،وبعض العلماء والأراخنة ، ووضع في ذلك كتاب سماه " كتاب البصخة " وهو المعروف ب" قطمارس أسبوع البصخة " ، إلا ان هذا القطمارس قد انتظم بصورة أدق فيما بعد علي يد الأنبا بطرس أسقف البهنسا ( اثناسيوس المقاري :- قوانين بطاركة الكنيسة القبطية في العصور الوسطي ،  الدرة الطقسية للكنيسة القبطية بين الكنائس الشرقية ، الطبعة الأولي ، يولية 2010 ، صفحة 70 ) . 
 
كما أهتم بوضع نص صلوات  خاصة بتقديس الميرون ( اثناسيوس المقاري : نفس  المرجع السابق ، صفحة 70 ) . 
أما عن المصادر التي أعتمد عليها في كتابة القوانين ، فهي – حسب الراهب أثناسيوس المقاري - :- 
1-الدسقولية العربية .
2-قوانين الرسل .
3-قوانين المجامع المسكونية والمكانية . 
4-قوانين الملوك . 
5-قوانين  إبيفانيوس بطريرك القسطنطينية ( 520- 535 م ) . 
6-قوانين القديس باسيليوس الكبير . 
7-قوانين هيبلوليتس . 
8-قوانين يوحنا ذهبي الفم .
( أثناسيوس المقاري :- قوانين بطاركة الكنيسة القبطية في العصور الوسطي ، مرجع سبق ذكره ، الصفحات من 79- 84 ) . 
وبالنسبة لمجموعة القوانين ال 32 ،  فهي عبارة عن توصيات للأساقفة والكهنة فيما يختص بواجباتهم الرعوية ، والسلوك اللائق بهم ، والتحذير من الأخطاء التي تحدث في الموالد والأعياد . 
 
( اثناسيوس المقاري :- نفس المرجع السابق ،  صفحة 85 ) . 
أما  مجموعة ال 10 قوانين ، فهي خاصة بإقامة الطقوس وتوزيعها علي الكهنة والشمامسة ، مع الإلحاح علي ضرورة التعليم وحسن القراءة للشمامسة ، وإلا وجب أن يمتنعوا  عن الخدمة إلي أن يحسنوا القراءة  . 
 
ويذكر الراهب أثناسيوس المقاري أن العالم كوكان Rene –Georges Cooquin ( 1922- 1997 )  قد  عثر علي نص هذه القوانين  في عام 1966 ،في إحدي مخطوطات المكتبة البطريركية بالقاهرة ، وكان رقم المخطوط (570 ) في فهرس مخطوطات مرقس سميكة باشا)     )  .وكان الأب جورج جراف G . Graf (1875- 1955) يظن أن نص هذه القوانين مفقودة ، برغم أنه ذكره ضمن مخطوطات المكتبة البطريكية ، وكان تحت رقم (442 جراف) وذكر أنه يعود إلي القرن الثامن عشر ، ولكنه لم يكن يعرف أنه يحتوي نص مجموعة قوانين غبريال بن تريك (أثناسيوس المقاري: قوانين بطاركة الكنيسة القبطية في العصور الوسطي ، نفس المرجع السابق ، صفحة 76) . 
 
وسوف نحاول أن نعرض عينة من بعض النصوص الخاصة بالخدمات الليتورجية فيما يتعلق بالأساقفة والكهنة والشمامسة ، فمن جهة الأساقفة يقول " يجب للراعي الذي تجلسونه ، أن يكون بلا وجد ( عيب )  ، ولا  علة ، ولا يكون عمره دون خمسين سنة  ، لكي يوجد علي بنية جيدة ، قد هرب من مراتب الصبا ، والأباطيل البرانية ( أثناسيوس المقاري : قوانين بطاركة الكنيسة القبطية  في العصور الوسطي ، صفحة 91 ) . 
 
وفي البند الخامس من قوانين الأساقفة  يقول " ليكن الأسقف باشا متواضعا هادئا ، لأن الرب يقول عن إشعياء " علي من أنظر  ، إلا علي المتواضعين ، الباشين ،المرتعدين من كلامي ، في كل حين وكل زمان ( أشعياء 66 : 2 ) . 
 
وفي البند الثامن " لا يكون غضوبا ، ويكون محبا للأرامل والغرباء ، جيد التدبير . 
وفي البند العاشر : يكون الأسقف بلا شر ، حي القلب في التعليم في كل وقت ، يعلم في كل وقت  ، ويتلو ويدرس في كتب الرب ، ويتأمل الفصول  ، لكي يقرأ الكتب بتمييز ، ويفسر الأناجيل ، ويترجم الناموس والأنبياء . 
 
( لمراجعة كل القوانين المتعلقة بالأساقفة يمكن الرجوع   إلي :أثناسيوس المقاري ،  نفس المرجع السابق ، الصفحات من 91- 117 ) . 
ويوصي البابا غبريال الأسقف  أن يكون طبيبا روحيا ، ويقول في ذلك " إشف الذين ضلوا في الخطيئة ،  أنت طبيب الكنيسة  ، فآت بعقاقير تصلح لكل واحد من  المرضي . لتشفهم  . ( الأب انطونيوس عزيز مينا ، مجموع قوانين البابا غبريال بن تريك البطريرك السبعين ، مركز التراث العربي المسيحي ، بيروت ، 1993 ،    صفحة 186 ) . 
 
وعن  الرأفة بالخطاة :- من سقط في خطيئة  واحدة أو اثنين ، فلا تمنعه أن يسمع كلام الرب ، ولا تمنعه من مشاركة الاكل معك ، لأن الرب لم يأنف من الأكل مع العشارين ( أنطونيوس عزيز مينا :-نفس المرجع السابق ، صفحة 191 ) . 
 
أما عن القسوس ، فلقد قال " القسوس عندكم معلمون لمعرفة الله ، ويجب أن يقبل منهم كلام الأمانة المستقيمة ، والتعليم الصحيح  ، الذي  يبشرونكم به من جهتنا . 
( اثناسيوس المقاري :- قوانين بطاركة الكنيسة القبطية ،  نفس المرجع السابق ، صفحة 120 ) . 
أما عن واجبات الأسقف والكاهن في المذبح ، فلقد جاء في القانون رقم 28 " ليتحفظ الإكليروس ، لا يدع أحد يتناول من السرائر إلا المؤمنين  وحدهم " . ( القانون رقم 28 ) . 
 
وفي القانون رقم 29 جاء فيه " ليقف الإكليروس متفرغا للمذبح ، وإذا كان مستعدا يقف يحرسه ، لئلا يصعد دبيب أو شيء يقع في الكأس ، والذين ينالون فبحرص وثبات عظيم ، لئلا يسقط شيء علي الأرض  " . 
 
( أثناسيوس المقاري :- نفس المرجع السابق ، صفحة 149 ) . 
 
وحول  إقامة الأكاليل في الأصوام يقول :" لا يعمل أحد عرسا في الأربعين يوم الصوم المقدس ، ولا في يوم الفصح ... فمن فعل ذلك فهو تحت المنع والكاهن الذي يكلله ( كامل صالح نخلة :- غبريال بن تريك ، مرجع سبق ذكره ، صفحة 80 ) . 
 
وفي عدم جواز التحدث أثناء صلوات القداس يقول " انتهي الي مسكنتي أن قوما من الكهنة في بعض الكنائس يتعمدون في  أوقات القداسات الانفراد عن السماع والصلوات ويتوفرون علي الحديث ، ولا يزال هذا دايم الي  أن يحضر القربان فيحفظونه مثل الطعام الذي قد  أعد لهم وينصرفون فيجب أن بدعوا عنهم هذه  العادة الردية المهلكة المرذولة . ويقفوا  حول المذبح في  أوقات الصلاة برؤوس مكشوفة  خايفين من الله ليسمعوا ويجيبوا ، ومن تعدي هذا فليس له قربان  ومن علم بحاله وقبله فهو شريكه في خطيته ( كامل صالح نخلة :-القديس البابا غبريال ، مرجع سبق ذكره ، صفحة 82 ) . 
 وحول عدم جواز دفن الموتي د\خل الكنيسة كتب  يقول " لا يدفن أحد ميت داخل الكنيسة  جملة كافية بعد  هذا الانذار ولا تمكن الكهنة من ذلك ومن أغصبهم بالقوة فليس هو في حل .( كامل صالح نخلة : نفس المرجع السابق ، صفحة 83 ) . 
 
وحول عدم جواز الختان بعد المعمودية كتب يقول " لا يجب أن يختتن أحد بعد المعمودية المقدسة  ومن أراد الختان فليكن قبل ذلك ( كامل صالح نخلة :- صفحة 83 ) . 
 
وحول عدم جواز صلاة القداس الإلهي بدون ملابس الخدمة  كتب يقول " لا يتقدم أحد إلي القرابين ولا إلي خدمة المذبح بالثياب التي يتعرف بها بين العالم ،بل يلبس بدلة القداس المنفردة وحينئذ يقدس ولا يخرج أحد عن هذا الحكم . ( كامل صالح نخلة :- صفحة 84 ) . 
 
بعض مصادر ومراجع المقالة :- 
1-كامل صالح نخلة :-  سيرة البابا غبريال بن تريك البطريك السبعون ، مكتبة المحبة . 
2-اُثناسيوس المقاري :- فهرس كتابات آباء كنيسة الإسكندرية ، الدرة الطقسية للكنيسة  القبطية بين الكنائس الشرقية ، مصادر طقوس الكنيسة ، الطبعة الأولي ، يناير 2012 . 
3-أثناسيوس المقاري :- قوانين بطاركة الكنيسة  القبطية في العصور الوسطي  الدرة الطقسية للكنيسة القبطية بين الكنائس الشرقية ،  مصادر طقوس الكنيسة ، الطبعة الأولي ، يولية 2010 .     
4-الأب أنطونيوس عزيز مينا :- مجموع قوانين غبريال بن تريك البطريرك السبعين ، مركز التراث العربي المسيحي ، بيروت ، 1993 .