د. يوسف عاذر


  26 ابريل 2005

صفحة كُتاب الأقباط متحدون

info@copts-united.com

خطاب مفتوح للرد علي الشيخ محمود إبراهيم الحصاوي
ًالأقباط وروح الانتماء في الإسلام
 
رداً علي مقالك في جريدة المدينة المنورة والذي ليس تهاجم فيه الأقباط فقط بل وصل بك الحد أن تتطاول علي الرئاسة الكنسية وبالأخص قداسة البابا شنودة الثالث، أود أولا أن أحيطك علماً يا من يطلق علي نفسه لقب الشيخ الحصاوي وهو أجهل من ناقة العرب في الجاهلية أنك لا تحط من قدر الأقباط والرئاسة الكنسية في مقالك هذا بل تحط من قدر الإسلام والمشايخ بإظهار جهلك بالقرآن وما ينادى به، هذا ما يعطيني الحق كمصري قبطي أن أرد علي مقالك هذا.
وعليه فأسمح لي يا سيدي الشيخ الحصاوي أن أشرح لك ما يقوله القرآن وما غاب عن فهمك ربما للجهل أو ربما بتأثير البترودولار السعودي. وقبل أن أفند تفسيرك الشيطاني للانتماء في القرآن، أحب أن أسألك أيها الشيخ العليم إلى أي شئ ينتمي الإنسان المؤمن؟ هل إلى الدين و المذهب؟ أم إلى الوطن والعشيرة؟ وما تفسير الانتماء أو ما يعرف بالمولاة في الإسلام؟
أن هذه الأسئلة هي أساس روح التعصب والهوس الديني ضد الأقباط في مصر، أنها الباب الذي دخل منه التيار المتأسلم إلى مصر علي يد الكثيرين من أمثالك من شيوخ البترودولار الذين استغلوا القرآن للإجابة علي تلك الأسئلة بصورة تفيد الخطة الشيطانية للتيار الوهابي فقدموا الإجابة علي تلك الأسئلة بصورة تساعد علي خلق سوء الفهم بين أوساط الناس البسطاء حسنوا النية. تماماً مثل ما قمت أنت بعمله في مقالك بتوظيف ذلك الفهم السئ ليس فقط ضد أقباط مصر بل ضد الإسلام نفسه.
أن آيات الموالاة في القرآن تلك التي قمت بتوظيفها في مقالك ضد الأبرياء من المصريين الأقباط ورحت تنادي بالتحريض ضد الأقباط مستشهداً بالآية ٥١ من صورة المائدة (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض, ومن يتولهم منكم فأنه منهم). أود أن أحيطك علماً أن الاستشهاد بهذه الآية خطأ فادح وعن عمد لأنك تتناسى سياق الآيات القرآنية وهي التي تتحدث عن علاقة تآمرية بين اليهود والكفار كما تتناسى في مقالك شرح تشريعات الموالاة ومعناها، كما تتناسي تشريعات القتال وأنها للدفاع عن النفس وليس للاعتداء علي الأبرياء من الأقباط.
دعني يا سيدي أن إبداء من البداية وأقدم لك وللكثيرين من الجهال من أمثالك نبذة قصيرة عن الخلفية التاريخية لمبدأ المساواة أو تشريع الموالاة كما تطلقون علية. فكما يحكي في الكثير من كتب التاريخ العربي الإسلامي أن المسلمين الأوائل قد تعرضوا للاضطهاد والأذى علي يد المشركين وذلك فقط لأنهم أتبعوا ديناً جديداً مخالفا لدين الأغلبية وقد أدي هذا الاضطهاد إلى إرغامهم "المسلمين" علي ترك ديارهم وعشائرهم وأرضهم. تحمل المسلمين كل ذلك كما تحكي القصص لأنهم حتى ذلك الحين لم ينزل لهم الأذن بالقتال, وأستمر الحال هكذا حتى جاءت الآية (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله علي نصرهم لقدير) ومعني ذلك أن المسلمين كانوا يواجهون قتالا ظالماً فجاءهم لهم الأذن برد ذلك الاعتداء بمثله.... وهكذا توالت علي المسلمين بعد ذلك آيات تحدد لهم تشريعات القتال التي تربط الأوامر بالقواعد بالمقاصد.
وهكذا وفي إطار هذا الصراع والقتال الحربي جاءت للمسلمين تشريعات الموالاة والتي يفهم منها أن الانتماء أو الموالاة تعني التحالف مع فريق أو طرف ضد فريق أو طرف آخر. وتوجت تشريعات الموالاة بسورة الممتحنة وبالأخص الآية الثامنة ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين) ويشرح الفقهاء تلك الآية بأن الله لا ينهي عن البر والقسط (العدل) مع المشركين المسالمين الذين لم يقاتلوا المسلمين بسبب دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم وأرضهم.
وبعد ذلك وفي مرحلة أخري دخل الصراع والقتال قبائل اليهود في المدينة وبعدهم قبائل العرب النصرانية ولذلك جاءت سورة المائدة وهي من أواخر سور القرآن لكي تمنع موالاة أولئك اليهود والنصارى المحاربين للدولة الإسلامية وبالأخص تلك الآية التي استشهدت بها أيها الشيخ العليم هي الآية رقم ٥١ من سورة المائدة والواضح لي انك أيها الشيخ العليم لم تقرأ سورة المائدة من قبل لأنه في الوقت الذي تتضمن فيه تلك السورة منع من موالاة المحاربين المعادين للدولة الإسلامية فأننا نجد أن في نفس السورة يحل الله الأكل والتزاوج بين أهل الكتاب والمسلمين (المائدة ٥).
وبذلك نفهم أيها الشيخ البترودولاري أن تشريعات الانتماء والموالاة ترتبط أساسا بالسلام والحرب وهذا يعني أن الموالاة في تشريع الإسلام هي في الحقيقة للسلام والأمن خصوصا لهؤلاء الذين لم ينتهكوا السلام ولم يقاتلوا المسلمين ظلما وعدواناً... وعلية فأن شرائع الموالاة تحث علي الإحسان والصبر والعدل في التعامل مع المخالف في العقيدة مادام لم يعادي الدولة.
وعلية أيها الشيخ الحصاوي فأنه في إطار الوطن الواحد والدولة الواحدة حيث يسود السلام بين الطوائف والجماعات فإن شرائع الانتماء هنا هي التي تجمع أولئك الناس للعيش في سلام، خصوصا في إطار حرية العقيدة ومسئولية كل إنسان على ما يختاره من دين أو مذهب، وإرجاع الحكم إلى الله يوم القيامة أو ما يسمى في الإسلام بيوم الدين.
وهكذا ففي الإسلام الظاهري ترتبط تشريعات الموالاة بالسلام في التعامل بين الناس علي اختلاف عقائدهم فكل إنسان مسالم هو مسلم مهما كانت عقيدته بوذيا أو قبطيا أو سنيا أو شيعيا أو حتى ملحدا .. المهم انه مسالم لا يعتدي علي أحد ولا يجبر أحدا على اعتناق عقيدته، ومرجعنا جميعا إلى الله يوم القيامة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون.
إما من حيث الإسلام بمعناه العقيدي الباطني، فأن الله وهو عالم الغيب قد قسم المؤمنين في القرآن وما يسمى في الإسلام بأهل الكتاب إلي ثلاثة أصناف حسب الأعمال والنيات إلى سابقين ومتوسطين وظالمين. فالله في القرآن يقول في سورة المائدة ٦٦ عن أهل الكتاب (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما انزل إليهم من ربهم، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، منهم آمة مقتصدة، وكثير منهم ساء ما يعملون)   وهو ما يعني أن المؤمنين ثلاث درجات، أعلاهم المؤمنون السابقون ثم المقتصدين المتوسطين، ثم في النهاية الأكثرية الفاسقون. وفي سورة فاطر ٣٢ يقول القرآن عن المؤمنين (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) إي فالمؤمنون الذين ورثوا القران، منهم الظالم ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات ... إي نفس الحال مع آهل الكتاب من النصارى واليهود.
ولأن الله هو رب الجميع، ولان يوم القيامة هو أيضا للجميع فأن البشر جميعاً سينقسمون في هذا اليوم إلى ثلاثة أقسام السابقون المقربون، وأهل اليمين، وهذان الصنفان في الجنة على اختلاف الدرجة، ثم أصحاب الشمال وهم الظالمون. وكما يفسر الفقهاء فان عند موت الإنسان فأنه يتعرف على درجته، مهما كان دينه أو مذهبه وهو أيضا ما ذكر في القرآن في سورة الوقعة ٩٤:٨٨ (فأما أن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وإما أن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك من أصحاب اليمين، وإما أن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصليه جحيم).
أذن هي ثلاث درجات أمام البشر جميعاً ... وهي درجات متاحة أمام الجميع حسب الأيمان والعمل جودا أو عدما. وهم أحرار في الاختيار، وكلهم إذا شاء وصل بإيمانه الحق وبعمله الصالح إلى الدرجة العليا ليسبق ويكون مقربا من الله، وكل منهم إذا أراد وصل بكفره وظلمه إلى حضيض جهنم، يسرى ذلك على كل زمان ومكان.
ولهذا يقول الشيخ البخاري أن المجتمع المسلم هو ذلك المجتمع الذي يعيش أفراده في سلام ووئام، وعليهم جميعاً أن يتنافسوا في الخير ليصلوا إلى اعلي الدرجات، مهما اختلفت مذاهبهم وشرائعهم السماوية ويدلل على قوله هذا بما جاء في سورة المائدة ٤٨ (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما أتاكم استبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا، فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون). وهو ما يعني أن مشيئة الله اقتضت أن يكون لكل فريق شرعة ومنهاجا ليختبر كل فريق فيما أنزله عليه من كتاب، والمطلوب هو التسابق في الخير وليس التعصب، ثم في النهاية مرجعنا إلى الله يوم القيامة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون.
ونخلص من هذا كله أن الانتماء للوطن الواحد يعني ذلك الوطن الذي يعيش فيه شعب تتعدد أنسابه وأعراقه وأديانه ومذاهبه، ولكن يعيشون في آمن وسلام ووئام ....فإذا تبدل السلم اضطهادا حاق غضب اله بالظالمين ... وهذا هو الدرس المستفاد من قصص القرآن. وإذا كان هذا المبدأ عاما في كل زمان ومكان فإنه يتجلى اكثر في مصر حيث دار حولها أهم القصص القرآني، وحيث كانت مصر أقدم وطن في العالم وحيث عاش ولا يزال يعيش فيها أعرق شعب في العالم، امتد فيها الوجود الإنساني منذ فجر التاريخ المكتوب وغير المكتوب، أقيمت فيها أول دولة في العالم وتأسست فيها أقدم حضارات العالم.
فوامصراه وواسلاماه من هؤلاء الجهال أصحاب التيار البترودولارى الوهابي الذين يدمرون مصر ويدمرون دينهم الإسلامي.
وأخيراً أقدم إليك أيها الشيخ آية من الإنجيل لعلك تستطيع أن تفهم منها ما غاب عن ذهنك فهمه (لا تدينوا كي لا تدانوا لأنه بالدينونة التي تدينوا بها يدان لكم وبالكيل الذي تكيلون به يكال لكم).
فأرجع إلى صوابك أيها الشيخ وخاف الله في وطنك وأهلك من الأقباط والمسلمين. والله يا سيدي غفور رحيم.
 


E-Mail: info@copts-united.com

Copts United

لأقباط متحدون