تماضر جوهر


  5 ابريل 2005

صفحة كُتاب الأقباط متحدون

info@copts-united.com

اللعب بالأديان -

 رأينا منذ قديم الزمن كيف ربطت دائماَ الأيدولوجية الدينية بالدول أو الجماعات. فبمراجعة التاريخ نرى أن الدين اليهودي كان يتواجد في نفس الوقت مع العبادات الوثنية الأخري. ولما كان الدين اليهودي مقتصر فقط على أسباط أسرائيل ولا يسمح لأنسان من خارج بأعتناقة وممارسته فإن إيدولوجيته أنحصرت في هذة الجماعة المترابطة ولم يكن وازع للتوسع أو لضم ممالك أخرى تحت جناحه. وفي ذلك الوقت أنتشرت الديانات الوثنية الأخرى بين الأمم وكان كل عرق أو قبيلة أو شعب له إلهه الوثني الذى يتعبده، وإن لم يكن هناك أقتصار للعبادة لمجموعة معينة، ولكن في نفس الوقت لم يكن وازع لغزو شعوب أخرى لضمهم تحت لواءه. ونتخذ هنا كمثال قبيلة قريش والتي كانت تستخدم ألهة مكة الوثنية لجذب التجار المرتحلين من مناطق كثيرة من العالم والتي أدرت عليها مدخول عال جداً.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الفترة من الزمن لم تتميز بالتعصب الديني وإن كان بها تعصب قبلي.

 

وبعد مجئ المسيح وأنتشار الدعوة السلمية إلى أنحاء المسكونة توجست المملكة الرومانية التي كانت مهيمنة أنذاك من هذا الدين الجديد والذي لم يكن له أي مطامع أرضية ولم يحرض على الطبقة الحاكمة أياً كانت ولكنها قررت أن تطارده وتقتلعة من جذوره. وربما الشئ الذي ميز الديانة المسيحية من الناحية الشكلية وليست اللاهوتية طبعاً هي أنتشارها وتخطيها كل الحواجز الجغرافية وكانت أيدولوجيتها غير مرتبطة بمكان بل كانت مرتبطة بالدعوة الموجهة من قبل الرسل لكل الأمم.

 

وبمرور الوقت أعتنقت المملكة الرومانية الديانة المسيحية وأنتشر الدين المسيحي بالدعوة في أنحاء كثيرة من العالم. ولكن مع بدء ضعف المملكة الرومانية كانت هناك قوة جديدة تنشط في منطقة جديدة من العالم لم يسمع بها قبل في تحديد معالم التاريخ. فلقد بدأت الدعوة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية وبدأ القتال بين الموالين للدعوة والمعارضين للهيمنة على المنطقة. وكانت النصرة للمواليين الذين بدأوا مرحلة فتوحات خارجية يرجى منها نشر الأيدولوجية الجديدة مع الهيمنة على الدول المفتوحة. وتعد هذه المرحلة أول الحروب الدينية. ومن هنا بدأ نشوء تصادم الإيديولوجيات الدينية والتي لم تكن متواجدة على خارطة العالم من قبل.

 

ومنذ ذاك الحين والأيدولوجية الدينية هي المهيمنة على الدول بسبب أن إحدى تلك الأيدولوجيات حاولت السيطرة لصالحها على العالم كله. ونري أن تلك الأيدولوجية التي تسببت في هذا الصراع هي نفسها المسببة للصراعات الحالية في العالم لنفس السبب وهو الهيمنة والتسلط وبسط السيطرة على العالم أجمع.

 

وفي التاريخ الحديث رأينا أستخدام بعض الدول لأيدولوجيات دينية لا تتبعها لصالح القضاء على أيدولوجيات سياسية مثلا،ً وهنا أتخذ اللعب بالأيدولوجيات منحنى أخر فبعد أن كانت تستخدم أستخدام مباشر من الدول التي تسوق لهذه الأيدولوجية إلى أستخدام من قبل قوى سياسية خارجية لتغيير الخريطة السياسية للدول، أو في بعض الأحيان لعب الأيدولوجيات المختلفة داخل الدولة الواحدة لصالح أغراض شخصية. ولقد أثبت التاريخ خطر هذه اللعبة وعدم ضمان النتيجة. فنرى دور أمريكا في لعب الأيديولوجيه الأسلامية في أفغانستان وذلك لكسر الشوكة الشيوعية في المنطقة ومن ثم إطلاق غول أخر لم تأخذه في حسبانها أصبح من الصعب السيطرة عليه . ونرى في مصر كيف لعب السادات أيضاَ بالورقة الأسلامية ضد الناصريين وعدم أستطاعته السيطرة على مقاليد الموقف وذلك أن تلك الجماعات لم تلعب داخل الملعب المصري فقط بل أصبحت تتلقى معونات خارجية أيضاَ لمساعدتها في تنفيذ مخطط أكبر عالمي.

 

ومازال العالم أجمع يعاني من ويلات هذه السياسة والتي لم يتداركها الساسة المحركين لها إلا عندما رأوا عروشهم تتحرك من تحتهم. فالسعودية المبشر الأوحد لنشر الأيدولوجية الوهابية التي ساعدت في أنتشار الأرهاب على مستوى العالم أجمع عن طريق تمويلها لعناصر متعدده في جميع أنحاء العالم لم تتورع في تخفيف حملتها على الرغم من أنهار الدم في كثير من بلدان العالم إلا عندما أصابتها المنية في بلدها ورفع الوحش الذي صرفت عليه كثيراً في تربيته عقبه عليها. ولذا قررت أن تأخذ هدنه ظاهرية لترتيب البيت من الداخل بينما في نفس الوقت تدرء عنها الشبهات كمحرض للإرهاب.

 

وبمراجعة التاريخ نرى أن هذه السياسة قد أستهدفت على الأخص كل من لبنان ومصر والجزائر في الوطن العربي، ولكن لماذا تلك البلاد بالذات؟

 

كانت لبنان منارة للفكر والصحافة الحرة ولم يكن بها أي قيود أو رقابة على الأبداعات الأدبية، وعلى الرغم من ريادة مصر في المجال الأدبي إلا أن بعض الكتب التي كان يمنع نشرها في مصر كان ينشر في لبنان. أما الأن فلقد أصبحت الرقابة الفنية في لبنان أقوى من السعودية بحيث أصبح من الممنوع التكلم في السياسة أو الدين وأصبح المنفث الوحيد المسموح هو أستخدام المصطلحات الجنسية.

 

أما مصر فلقد كانت منارة للأداب وللفن الشامل من غناء ومسرح وسينما وتليفزيون بحيث أنها كانت تستقطب المواهب من الدول المجاورة. وبعد أن كانت الروح تتمايل مع نسائم العليل وأصوات الناي وأوتار العود لم يعد يسمع في الأجواء سوى شرائط عذاب القبر وكيفية كراهية شركاء الوطن لكونهم غير مسلمين. وساء حال التليفزيون لدرجة أنه لا يمكنك حتى مشاهدة النشرة الأخبارية المتلفزة، ناهيك عن متابعة برنامج حوار وإياك وما يطلبه المستمعون وذلك بعد أن كانت مصر رائدة هذا المجال.

 

أما الجزائر، فلقد قامت الجمعيات السلفية بتعضيد من الدولة، أو العكس قد يكون صحيحاً، بتصفية أعداداً من شعب القبائل الأعزل الذي طالب بالأعتراف بلغته وحقه التاريخي في البلد، نافياً بهذا أكذوبة الأصل العربي للجزائر ولأي من دول الجوار. ومن الجدير بالذكر أن الفكر السلفي ينفي أى شعور وطني حيث أنه يؤمن فقط بالأمة وليس الدولة. ولذا كان يجب أقتلاعه بحيث لا تنجذب إليه شعوب أخرى من المنطقة خاصة وأن الحركة الليبراليه في المنطقة قد بدأت بتكوين فكر الدولة ضد فكر الأمة.

 

ومن ناحية التركيبة السكانية لهذه البلاد، نرى أنه قبل الحرب الأهلية كان تعداد المسيحيين في لبنان أكثر قليلاً من المسلمين مما أعطاهم ثقل سياسي، بالإضافة إلى الثقل الأقتصادي. بينما أن مسيحي مصر يعدوا أكبر تجمع مسيحي في الشرق الأوسط . كذلك، تعد مصر والجزائر أكثر تعداداً من جميع الدول العربية وأنه في حال أتباع هاتين الدولتين الأيديولوجية الوهابية سيكون تم الأستحواذ على السواد الأعظم كتابعين ومن ثم مبشرين لهذه الأيديولوجية. وعليه كان على الأيديولوجية الجديدة العمل على مستويين: المستوى الأول هو نشر الأيديولوجية الوهابية بين الشعب المسلم، والمستوى الثاني تحجيم الديانة المسيحية في المنطقة وضم أكبر عدد من تابعي هذه الديانة تحت لوائها. ولتحقيق هذا الهدف كان لابد من قتل روح النقد والفكر الليبرالي المتزعمتا من قبل لبنان ومصر.

 

ولما كان تعداد المسيحيين في لبنان عظيم كان لابد من حرب أهلية لزعزعة هذه التركيبة السكانية. وفعلاً فلقد أسفرت الحرب عن تهجير حوالي نصف السكان المسيحيين من البلاد. بينما في مصر كثف تجنيد المواطنين المسلمين لحساب الإسلام السلفي لقلب موازين البلد بما فيها نظام الحكم وأتباع سياسة تضيق الخناق على المواطنين المسيحيين لتهجيرهم أو أسلمتهم أو معاملتهم كذميين (ولكننا لن نتطرق هنا لهذه السياسة ونتائجها).

 

وبالرجوع إلى تحلليلنا السابق عن أستخدام أيديولوجيات لقلب موازين بعض الدول الأخرى دعونا ندرس الأنجازات التي أرادت السعودية الخروج بها من هذه السياسة بجانب أنتشار أيديولوجيتها الدينية لضمان تبعية تلك الشعوب لها.

 

أهداف سياسية:

أنتهت حرب لبنان الأهلية بأتفاق الطائف (الرجاء وضع هنا عدة خطوط)، وبهذا نرى أن السعودية أرادت سحب بساط العمل السياسي من تحت أرجل مصر، المحرك السياسي الرئيسي في المنطقة. وهنا يجدر الإشارة إلى صراع الريادة الدينية بين مصر والسعودية للهيمنة على مسلمي السنة بالعالم، فبينما رأت السعودية أنها يجب أن تقود المنطقة دينياً حيث أن الكعبة تقع في أراضيها، كانت مصر تصر على وجود الأزهر كمنبر للإسلام. ولا أحد يمكنه أن ينسى أو يتناسى المحمل الذي كان يخرج سنوياً للكعبة من مصر، وذلك دليل على غناء مصر وضيق حال السعودية. أما الأن ولقد أغرقت السعودية بالأموال فأنها ترى أن بأمكانها فرض هيمنتها كيفما ترى.

 

أهداف أقتصادية:

بينما تم أفقار كل من لبنان ومصر أدبياً وفكرياً وفنياً نرى أن أكبر الصحف والفضائيات يملكها الأن رجال أعمال سعوديين في الخارج وهم الذين يستقطبون الأن الكفاءات من تلك الدول للعمل لديهم في هذه المجالات. ولايسعنا هنا إلا أن نذكر أن التليفزيون المصرى تنازل عن تراثنا الفني لحساب السعودية حينما وافق على بيع أفلامنا القديمة لقناة أرتي الفضائية التي يمتلكها سعودي.

 

ترى وقد أنكشف المخطط هل ستستمر السعودية في إتباعه؟ وهل سيستمر أتباع السعودية من السواد الأعظم ومن أصحاب المراكز في بلادنا بالتبعية؟ ولمصلحة من تدمير البلاد بأسم الدين بينما تنعم بلاد أخرى وتستفيد من هذا التخريب؟

 

إن مجالات العمل والأنتاج والأستثمار والمنافسة الشريفة هي متواجدة ومكفولة للجميع، ولكن أن أدمر بلد لفرض سيطرتي عليه فهذها غير مقبول. لقد أعترفت الجزائر مؤخراً بما أقترفة بعض المسئولين في حق شعب القبائل وأشارت أنها سوف تتم محاسبتهم، فهل تعترف السعودية بما أقترفته بحق الشعوب اليوم ودعونا من ما تم أرتكابة من 1400 عاما؟

 

آمل أن تفيق السعودية وتبادر بجمع ثعابينها وإدخالهم إلى الجحور قبل أن يطلب محاكمة مسئوليها دولياً ضد الأرهاب.  لقد تم محاكمة رؤساء دول في محكمة العدل الدولية، كما تم تسليم قوائم المعتدين في دارفور من أعلى المستويات إلى محكمة الإجرام الدولية، ولن ينتهى الحال إلى هنا بل سيستمر ليشمل دولاً أستحلت قوت شعوبها وسخرت منهم ومن متطلباتهم  وحتى الهواء قامت بتلويثه لتمنع عنهم رحمة الله.

 

واليوم تنظرلجنة حقوق الأنسان الدولية في أجتماعات دورتها الواحدة والستون مشروع قرار حول مبادئ وأرشادات عن حق تعويض ضحايا أنتهاك حقوق الأنسان الدولية و ضحايا أنتهاك القانون الأنساني الدولي. ويا ليت أن تأخذ السعودية والدول الموالية لسياستها بالمنطقة وأولهم مصر مبادرة الجزائر للقيام بتحقيقات في الأنتهاكات الجسيمة التي تمت بأسم الدين وتقديم المسئولون للمحاكمة وتعويض الضحايا قبل أن يطلب الضحايا تدخل المنظمات الدولية لتحقيق ذلك.

E-Mail: info@copts-united.com

Copts United

لأقباط متحدون