CET 00:00:00 - 28/02/2010

مساحة رأي

بقلم: لطيف شاكر
كتاب سجون العقل العربي للكاتب والمبدع د. طارق حجي، يستحق قراءته بعناية ودراسته بفهم, حيث أوضح من خلال سطوره كثيرًا من المشكلات والعوائق التي يعيش فيها العقل العربي، وكشف عن عديد من الجوانب السيئة المتفشية في الوطن مصر دون أدنى علاج أو حل.. وهذا المقال ترتيبه الثاني من بين أربعة مقالات تناول فيها الكاتب الشأن القبطي أو المسألة القبطية، وكان جريئًا في عرضه للمشاكل القبطية، وشجاعًا في إبداء الحلول المناسبة, التي تجنب البلد ويلات الفتن والانقسامات بسبب إهمال القضية القبطية وسلب حقوقهم عن قصد وبإمعان فيقول:

كان المجتمع المصري حتى أوائل الخمسينات متسمًا بقدر كبير للغاية من السماحة والقبول والاحترام المتبادلين بين الطوائف المختلفة بما في ذلك الطوائف الدينية، وكانت هذه السمات أمرًا مشهودًا لمصر من الأجانب الذين يعيشون بها وفي العالم الخارجي.. ومع تصاعد ما يُعرف الآن بالإسلام السياسي، بدأ المجتمع المصري يفقد تدريجيًا هذه الملامح الحضارية المتميزة.. ومن أكبر الادلة على كون نقطة البداية هي تنامي الإسلام السياسي، أن حركة التطرف عند الاقباط، والتي تشكلت تحت اسم "جماعة الأمة القبطية" والتي قامت باختطاف البطريرك "يوساب" عام 1954 كان شعارها مجرد صياغة لشعار الإخوان المسلمين، فبينما كان شعار الإخوان المسلمين (القرآن دستورنا)، جاء شعار جماعة "الأمة القبطية" يرفع النداء بأن (الإنجيل دستورنا)، وكان الشعار القبطي متأخرًا بسنوات عديدة عن شعار الإخوان المسلمين بما يفيد أن الثاني كان رد فعل للأول.

وعندما وقعت هزيمة 1967، بدا أمام أصحاب مشروع الإسلام السياسي أن الساحة خالية أمامهم.. فبعد أن فشل المشروع النهضوي الذي تألق في عشرينات القرن العشرين، ثم تراجع أمام مد الأفكار الفاشية التي مهدت للحرب العالمية الثانية، ثم فشل المشروع القومي الذي تأجج في الخمسينات وفي الستينات، ظن أصحاب مشروع الإسلام السياسي أن الساحة أصبحت ممهدة أمامهم، وضاعف من هذا الشعور الشعارات التي رُفعت في أوائل السبعينات بهدف تحجيم تيار الاشتراكيين والناصريين وأهمها شعار (دولة العلم والإيمان) وشعار (الرئيس المؤمن) وقد أدى هذا الزخم من التصاعد إلى حدوث أسوأ الأحداث في تاريخ مصر المعاصر، وهو اغتيال أشخاص ينتمون للإسلام السياسي، كاغتيال رئيس الدولة يوم 6 أكتوبر 1981.
ويقول الكاتب أيضًا:
يعرف الكثيرون اهتمامي الفائق بالشأن القبطي وما تفرع عنه من تعمق في دراسة تاريخ المسيحية في مصر، والتعرف على الموروث الثقافي القبطي بكل تفاصيله ودقائقه, كذلك يعرف هؤلاء أن هذه الرحلة اقتضت أن أكون قريبًا من مئات بل وآلاف الأقباط بما في ذلك عدد كبير من رموز الكنيسة المصرية.. وقد طالبني كثيرون من هؤلاء بأن أكتب وجهة نظري فيما يمكن أن يُسمي بالمسألة القبطية، والتي يقول البعض بأنها متأزمة، بينما يقول البعض الآخر بأنها وهم من اختراع الخيال، وإنه لا توجد مشكلة أو أزمة قبطية على الإطلاق.

وأود أن أقول إن الحقيقة المؤكدة أن الأقباط هم (أو يجب أن يكونوا) مواطنين مصريين أصلاء، بمعنى أنهم مصريون من الدرجة الأولى، وأن هذا هو وطنهم وأنهم لا يعيشون فيه عالة في ظل تسامح الآخرين، وإنما لهم ما للشركاء من حقوق ومكانة... وفارق كبير بين الشريك ومن يمن عليه.
فإذا كانت هذه العبارة التمهيدية محل اختلاف, فلا مجال لأي حوار لأنه سيكون بمثابة حوار "الطرشان".. فكل من يعتقد أن الأقباط مواطنون من الدرجة الثانية وأننا نتسامح معهم، فنسمح بوجودهم، وقد يضيف آخرون أنه يجب أن تطبق عليهم الجزية - فليس لأولئك أسوق هذا الحديث، إذ أنني وإياهم مختلفان اختلاف المشرق عن المغرب, ومن باب العبث، إضاعة الوقت في حوار مع من يعتقد في شيء من هذا.. أما إذا كان القارئ يُسلَّم معي بصواب العبارة الديباجية في هذا الفصل, فإنه يكون هناك مجال للحوار ولبحث الأمر على ألا ينوب أحد عن الأقباط في التعبير عن جوانب شكواهم.. فليس من حق أية جهة رسمية أو غير رسمية أن تقف وتقول: "إنه ليست للأقباط في مصر مشاكل أو شكاوى"، وإنما الذي يملك حق التعبير عن ذلك هو الأقباط أنفسهم.. وعندما أكتب أنا هذه السطور، فإنني أعكس ما سمعته مرارًا وتكرارًا من المواطن المصري القبطي العادي، والذي لا يمكن تصنيفه كمتمرد أو آبق أو مبالغ في الأمر، لأنني أعرف مزاعم المبالغين، ولن أتطرق إليها في هذا الفصل، وإنما أكتب مالمسته (وصدقته) خلال سنوات طويلة ممن يمكن وصفهم بأواسط الأقباط المعتدلين.

الموضوع الأساسي هو: "هل يعاني أقباط مصر (وهم في بلدهم) من مشكلات كبيرة؟"... والجواب الوحيد هو: "نعم"..
نعم.. يشعر الأقباط بمخاوف على أنفسهم وأسرهم وأموالهم وسلامتهم بدرجة أكبر مما يشعر به المسلمون (وإن لن يكونوا أيضا في مأمن كامل)..
نعم.. يعاني الأقباط من شيوع وذيوع مناخ عام متعصب وغير متسم بالمودة تجاههم.
نعم.. يعاني الأقباط من تحديات إضافية في مراحل التعليم والتوظيف والترقية لمجرد أنهم أقباط.
نعم.. يشعر الأقباط أنهم (وإن كانوا بشهادة معظم المسلمين أكثر كفاءة من المتوسط العام للمسلمين)، فإنهم لا يشغلون مناصب عامة كمنصب المحافظ ورئيس مدينة ورئيس الجامعة وعميد كلية, ومعظم مناصب الصف الثاني في وزارات الخارجية والدفاع والداخلية... وغيرها.
نعم.. يشعر الأقباط أنه في حالات كثيرة ما أن يذكر القبطي اسمه الدال على قبطيته، إلا وشعر بتدهور شديد في درجة المودة في الطريقة التي يعامل بها.
نعم.. يشعر الأقباط أنه من غير المنطقي أن نسبتهم في المجتمع قرابة سدس (خمسة عشر في المائة) من السكان بينما عدد النواب الأقباط في مجلس الشعب أقل من 1%.. ولايحتاج الإنسان لكثيرمن الذكاء ليتيقن أن ذلك لا يمكن أن يكون حادثا بالصدفة، وإنما بفعل عوامل لا يمكن إلا أن تكون رديئة، وغير منطقية وظالمة ومخالفة لأبسط معاني المواطنة.
نعم.. يشعر الأقباط أن الادعاء بأن "كل شيء على ما يرام" لأن شيخ الأزهر يعانق البابا في بعض الصور، هو إهانة لذكاء كل قبطي وكل مصري.
نعم.. يشعر الأقباط أنه من الغريب أن يسددوا ضرائب تبني منها المساجد وينفق منها على جامعة الأزهر – بينما يعانون هم أشد المعاناة في إنشاء كنائس بأموالهم الخاصة.

نعم.. يشعر الأقباط (ولاسيما من تجاوز الستين منهم) أنهم اليوم محاطون بأخلاقيات وطرائق تعامل معهم ومع زوجاتهم وبناتهم وأبنائهم تختلف عما عايشوه منذ أكثر من أربعين سنة في نفس المكان (مصر).
- كانت هذه هي الجوانب الجوهرية للموضوع, أما اتهام  كل من يتحدث في هذه الأمور بالعمالة لأطراف معادية لمصر والانخراط في مؤامرة ضد مصر, إنما هوعبث وإهانة للحقيقة وهوان للمنطق.
ومن الجدير بالذكر أن هناك إجماعًا داخل المجتمع القبطي على أن كل ما يحيط بقوانين وإجراءات ورسميات إنشاء كنائس جديدة أو ترميم أو إصلاح كنائس قديمة كان يخضع لأمور تخرج عن نطاق العقل – وقد حدث بعض الانفراج في هذا الأمر، ولكنه في اعتقاد معظمهم انفراج لا يُصاحبه إيمان عميق بفداحة الموقف الذي كان يحيط بهذه المسألة, ولا شك أن العلاج الوحيد المرضي هو أن توجد قوانين تنظم إنشاء دور العبادة (بصرف النظر عن اسمها: مساجد أو كنائس) وتضم قواعد منطقية وعقلانية تنطبق على الجميع- فليس من العقل ولا من المنطق أن يحاط جانب بقيود غليظة ويتمتع جانب بحرية تصل إلى حدود الفوضى، والخروج عن كل القوانين، بينما يكون موقف البعض منهم هو الخوف والفزع.. ولكن هل مشكلة الكنائس هي لب شعور الأقباط بوجود مضايقات أو أزمة؟... الجواب قطعًا بالنفي، فهناك مشاكل أشد حدة مما يعاني منه الأقباط من أجل الحصول على تصريح بإنشاء كنيسة جديدة- رغم عجزي الدائم عن فهم المضار التي يمكن أن تحيط من جراء إنشاء كنائس جديدة- فالكنائس إما دورللعبادة (لأصحابها)، وإما مكان لمناسبات مثل الأفراح أو الجنازات، وهي من صميم حقوق الإنسانية.

لقراءة الجزء الأول أضغط هنا

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٨ تعليق