CET 01:00:00 - 30/04/2010

مساحة رأي

بقلم: محمد عبد الفتاح السرورى
عندما يتهم الغرب الإسلاميين الأصوليين بالفاشية، نهب جميعًا فرادى وجماعات للدفاع عن الإسلام ونكيل الاتهامات للثقافة الغربية التي تكره الأسلام وتحط من قدر المسلمين..

صحيح أن للغرب بصفة عامة جرائمه وحساباته التي كثيرًا ما لا تضع اعتبارًا يُذكر للآخر وخاصة إذا كان عربيًا أو مسلمًا بل و أعترف أنني شخصيًا أحمل حصة داخلية لم تسطِع نفسيتي تجاوزها أو تجاهلها تجاه الغرب عمومًا ومواقفه السياسية من قضايانا على الرغم من إيماني العميق بأن النموذج الغربي في الحياة هو أفضل نموذج توصلت إليه الإنسانية بصفة عامة و أن معايير الحضارة الغربية تعد من أكثر المعايير واقعية في التعامل مع مقتضيات الحياة..
 
يُخطىء كثير من المسلمين إذا ظنوا أن الموقف الفرنسي الأخير والخاص بالتشريع الذى يُحرِّم ارتداء النقاب هو موقف معادٍ للإسلام، فالشاهد للعيان أن هذا غير صحيح بالمرة، بل إننا نستطيع أن نقول إن المدنية الفرنسية من أكثر المدنيات التي تتعامل مع الإسلام بروح متسامحة رغم ما يشوب هذه العلاقة من توتر أحيانًا..
 
موقف فرنسا من النقاب ليس موقفا معاديًا للإسلام ولكنه معادٍ لهذه الفاشية الإسلامية التي تريد تصدير نموذجها البدائي إلى جميح الحضارات والثقافات الأخرى وهي نفس الفاشية التي لا تطيق الاختلاف في الرأي أو الزي..
 
إنه حقا شيء مؤسف وغير مفهوم، فالأمر لم يتوقف عند حد فرض وشيوع هذا الزي الكريه على النساء في البلاد العربية والإسلامية، بل تعدى الأمر إلى محاولة فرضه أيضًا على النساء في مجتمعات لها ثقافة مختلفة تمامًا عن الثقافة الإسلاميه السلفية.. الأمر هنا لا علاقة له بأي حال من الأحوال بالحرية الشخصية التي قد يتحجج البعض بها، وكيف أنها وقفت ضد حرية المنقبات لأن الحديث في هذا المقام عن دولة ومجتمع يرى في هذا الزي غير الآدمي تعارضًا مع أمنه القومي وحسه الحضاري، وغني عن الذكر أن الكثيريين أيضًا ممن يحملون لواء التنوير في البلاد العربية والإسلامية يرون في النقاب ما تراه فرنسا وكم أن هذا النقاب يسلب المراة أبسط الحقوق الفطرية وهو حق التواصل مع الحياة ومع الآخريين.
 
النقاب لا يتعارض فقط مع الثقافة الغربية ولكنه يتعارض مع الفطرة الآدمية السوية.. هو زي كانت له دواعيه في بيئات صحراوية ذات عواصف ترابية ..هو زي كانت له دواعيه في بيئات ذكورية تنظر المرأة شذرًا أينما حلت وحيثما ذهبت ..هو زي كان يصلح في مجتمعات أحادية الثقافة.. مجتمعات لم تكن تتعامل مع المرأة ولا ترى فيها إلا وعاءًا لإنجاب الأطفال..
 
مجتمعات ذكورية.. ولأن الرجل في هذه المجتمعات يعرف جيدًا ما هي نظرته للمرأة وكيف يفكر فيها فكره، هو أن يرى غيره نساءه حتى لا تقع في نفسه ما يقع في نفسه هو منهن، أي أن الموضوع بأكمله يرجع لثقافة معينة في بيئة محددة في ظروف تاريخية كانت ثم ولت، لكن ما لم يبرحنا هي نفس النظرة الدونية للمرأة والتي تتجلى أشد ما تتجلى في هذا الزي البدائي..
 
شيء مذهل وغير مفهوم.. ألا يعي هؤلاء ما معنى أن يفي شخص ماهية شخصيته بصورة لا تعطي الحق للأخرين أن يستبينوا مع من يتعاملون؟

لو كان موقف المشرِّع الفرنسي من حجاب الرأس هو نفس موقفه من النقاب لكان في الأمر شبه تعصب وشوفونية من جانبه ولا شك أن حجاب الراس لا ينافي أبسط قواعد التعاملات العادية والتي ينافيها النقاب..
 
ليس في موقف فرنسا الأخير أي شبه عداء للإسلام أو المسلمين بل إننا نتمنى أن نجد في بلادنا يومًا ما مجلسًا تشريعيًا يملك من الجرأة على سن مثل هذه القوانين التي تحفظ للمرأة كرامتها وآدميتها.. هذه الآدمية المهدرة على أعتاب النقاب والختان وزواج القاصرات وطلاق الفتيات.. لا أدري كيف استشرى هذا الزي بين النساء بهذه الصورة المرضية ...لا أدري كيف تقبل امرأة على نفسها هذا النفي الحضاري والاستلاب الذاتي..
 
ولا نجد عند أساطين السلف ودعاة السلفية إلا ردهم علينا بأننا نريد الانحلال للمرأة ونبغي سفورها ودائمًا ما يضعون النقاب (أو حتى الحجاب) دائمًا ما يضعونه في مقابله مع التعري والسفور وهي حجة مردوده عليهم، أولاً لأنها من محض خيالهم المريض، فهي حجة من بدعهم ولم يتقول بها أحد من خصومهم، وثانيًا لأن دائمًا هناك طريق ثالث لا يعرف الفاشيين أمثالهم أن يسيروا فيه، ألا وهو طريق الزي الذي يناسب كل بيئة على حدة وكل ثقافة على اختلاف توجهاتها..
 
هؤلاء الفاشيون لا يعرفون إلا التنميط، هذا التنميط الذي يؤهِّل العقول لأن تكون مستعدة دائمًا أن تستقبل فتاويهم الساذجة وأفقهم المتخلف عن روح العصر وأبجديات الحداثة..

يومًا كان للفلاحة المصرية زي.. وكان للمرأة الحضرية زي.. وكان للمرأة النوبية زي.. كان للمرأة من أهل الصعيد زي، ولمن هي من أهل سيناء أو الواحات زي... وهكذا أزياء تتسق وتتناسب مع طبيع الحياة ومتطلباتها في كل بيئة من هذه البيئات..
 
حتى اليشمك الذي كانت ترتديه بعض النسوة في المدينة كان ينبع من ثقافة اجتماعية ولسيت ثقافة دينية، كان هذا حالنا حتى هبت علينا رياح السلفية الوهابية البدوية بكل ما تحمله من كراهية للحضارة والخصوصية الإنسانية التي تخالف نموذجها الترابي... وبعد أن استتب لها الأمر في المجتمعات العربية والإسلامية ها هي تولي شطرها نحو المجتمعات الغربية تريد أن تفعل بها ما فعلته بنا..
 
لو أن فقهاء السلف وأباطرة الفضائيات وسلاطين الفتاوى أداروا وجوههم وخصصوا جزءًا من وقتهم الثمين لمحاولة تأدييب الرجال ما كُتب على النساء أن يسدلن على وجوههن هذا الستار المقيت.
elsorory@yahoo.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق