CET 10:38:04 - 19/05/2010

مساحة رأي

بقلم: محمد عبد الفتاح السروري
هناك حادثة مشهورة وقعت في ستينيات القرن الماضي.. تلك الحادثة التي قرر فيها بعضهم أن يقيم مسابقة (أبو عيون جريئة) ولم تكن المسابقة خاصة بالفتيات ولكن كانت خاصة بالرجال.. يومها كما هو متواتر من الحكاية قرر المشير عبد الحكيم عامر أن يلقي القبض علي جميع (الرجال) المتسابقين وأن يحلق لهم شعورهم وأن يلحقهم بالتجنيد.
ويقال إن هذا الإجراء قد لقي استحسان الجميع لما فيه من حسن تصرف ومواجهة مع بعض الأشخاص الذين لا يوجد عندهم إحساس بالمجتمع العام ولا بطبيعة الظروف العامة.

وعلى الرغم من أنني لست ناصريا وأن لي مثل غيري عشرات التحفظات علي التجربة والعهد الناصري، إلا أنني أتحسر علي الإجراء الذي قام به المشير عامر كلما رأيت الإعلان الخاص بالحملة الإعلانية التي تتبناها إحدى القنوات الفضائية والتي يمتلكها حفيد السيد الرئيس جمال عبد الناصر من ابنته السيدة "منى عبد الناصر" زوجة السيد "أشرف مروان".
هناك نظرية عالمية معروفة بالنظرية البرجماتية، وفحوى هذه النظرية أن الأمور تقاس بنتائجها وأن الحكم علي الأشياء لا يأتي من كونها صالحة أو فاسدة في حد ذاتها، ولكن يأتي من مدى قابلية التجربة من تحقق نتائج تصب مباشرة في مصلحة القائمين عليها وهي نظريه أمريكية التطبيق.
وعلى ما يبدو أن القناة المذكورة قد قررت أن تتبني هذه النظرية في حملتها الدعائية التي لا تخلو من مهارة واضحة في التنفيذ واستهداف الفئة المطلوبة أي أن هذه الحملة هي بالمعايير المهنية حملة ناجحة ولا شك ولكن بالمعايير الأخلاقية والإعلامية لا يمكن اعتبارها كذلك، فنوعية الحوار الذي يدور بين أبطال الإعلان ونوعية الأفكار الضمنية في مشاهد الحملة الإعلانية هي معايير تجارية صرفة.
وليس أدل على ذلك من المقولة التي يتقول بها صاحب القناة نفسه في الإعلان (إحنا بنعمل فلوس) فلوس وفلوس فقط ولا شيء غيرها ولا يهم أي شيء غيرها، والتمساح الذي يأكل الفأر الصغير في الإعلان يدل على ذلك.

لا يمكن القبول بأي حال من الأحوال بفحوى هذا الإعلان وطريقة تنفيذه ولا يمكن القبول أخلاقيًا وإعلاميًا بنوعية الألفاظ والمشاهد الفجة التي تحتويها هذه الحملة الإعلانية التي لا يهمها إلا الوصول إلى الفئة المستهدفة ولو علي حساب أي شيء وكل شيء.
لقد استطاعت القناة التي تبث الإعلان أن تلفت النظر إليها في حملات إعلانية سابقة ولكن الحملات الإعلانية السابقة لم تنحدر إلى هذا المستوي كالذي انحدرت إليه الحملة الأخيرة.. وعلي الرغم من أن صاحب القناة يبث الإعلان على قناته الخاصة إلا أنه لم يجد بُدًا من أن يقوم بقطع أحد الألفاظ التي يتفوه بها أحد الأشخاص في الإعلان.
وفي الحقيقة أنا لا أعلم: هل كان اللفظ الملغي بذيئًا للدرجة التي لم يستطع صاحب القناة أن يجرؤ ويمرره إلى أسماع المشاهدين، أم أن هذه حيلة برجماتية أخري كي ننشغل جميعًا بمحاولة استنتاج حقيقة اللفظ المقطوع.
كما هو واضح فإن هذه الحملة الإعلانية متعددة الحلقات وأن لها تسلسلاً واضحًا فمن الاستغناء عن البطلة السابقة (خالص العزاء لها) إلى محاولة البحث المضني عن بطلة جديدة لكي تستكمل المسيرة لا يبدو أن نهاية هذه الحملة وشيكة.

وعلي ما يبدو أيضًا فإن القناة وصاحبها ومعهما أيضًا المخرج العبقري الذي يحاول إيجاد البطلة المناسبة يريدون جميعهم أن نظل في حالة ترقب دائم لما سوف تسفر عنه الأحداث والأيام القادمة.
يثور من حين لآخر الكلام عن ضرورة صياغة ميثاق (شرف) إعلامي والسؤال: تري هل يمكن بالفعل التوصل لميثاق شرف إعلامي في ظل هذا الطغيان الضاري لهذه القيم البرجماتية المدمرة أم أن استفحال سيطرة هذه القيم النفعية على حياتنا هي التي تدعو و بإلحاح لصياغة هذا الميثاق الموهوم.
ولكن المشكلة أنه حتى في حالة الوصول لصياغة هذا الميثاق ما هي الآليات التي تدعو الجميع إلى الالتزام ببنوده المرجوة وما الذي يجبر الجميع علي احترامه والعمل به.
لقد علمتنا الحياة أن الإنسان لا يقدم علي شيء مكرها إلا مجبرًا، والسؤال: كيف يمكن أن نوقف هذا الانحدار العام في المنظومة الإعلامية التي كانت حتى وقت قريب تراعي ولو الحد الأدنى من الأخلاقيات العامة في الألفاظ والعبارات؟.. وقديمًا قالوا (البلاغة أن يوافق القول مقتضي الحال) وأنا لا أجد قولاً يوافق مقتضي حالنا هنا إلا إحدى الجمل في الحملة الإعلانية المذكورة والتي تقول.. منك لله يا جمال يا مروان.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق