CET 00:00:00 - 25/05/2010

مساحة رأي

بقلم:جرجس بشرى
من المؤكد أن نهر النيل هو شريان الحياة في "مصر"، ولقد نال هذا النهر قدرًا كبيرًا من الإحترام والتقدير والتقديس عند قدماء المصريين، فلولا النيل ما كان لمصر حضارة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، لدرجه أنهم عبدوه وأطلقوا عليه "حابي"(رمز للخصب)، كما خصصوا له عيداً.

 ولقد كان العبث بالنيل ومياهه جريمة في مصر القديمة، لدرجة أن أصدر الملك "حور مُحب"، قانونًا يُعاقَب بمُقتضاه مَنْ يَقوم بتلويث مياه النهر بعقوبة: "جدع الأنف"، كما أن "كتاب الموتى" -وهو يُعتبر واحداً من أهم الكتب المقدسة عند المصريين القدماء- ذكرَ أن الميت عندما يقف أمام الإله يوم الحساب يقول له: "... لَمْ أكذب، لَمْ أسرق، لَمْ أقتُل، لَمْ أُلوِّث الماء المقدس".

 ويَذكُرُ التاريخ أن السنة التي كان يَقِلُ فيها منسوب النيل عن مستواه، كانت تَحدُث مجاعات شديدة وأوبئة، وطبعًا لو قَارنَّا بين سلوكيات المصريين القدماء تجاه نهر النيل، وسلوكيات المصريين الآن، فسوف نجد أنه لا وَجه مطلقًا للمقارنة، لأن عبث المصريين بالنيل ومياهه في الوقت الراهن أصبح غير خَافٍ عن العيان، في ظل تشجيع الحكومة المصرية نفسها على انتهاك كرامة النهر، وتغاضيها عما يقوم به سَوادُ المواطنين من تلويثٍ للنهر، وإلقاء المُخلفَات والقاذورات ومخلفات بعض المراكب العائمة فيه.. يا للمهزلة.

وأظُنُ أن المُبحِرين في السياسة يُدركُونَ تمامًا أن الحروب والصراعات  التي سَتشهدُهَا الفترةُ المقبلة من تاريخ البشرية، ستكون مُعظمَها صراعات وحروب على المياه، في ظل التزايد المهول والمطرد لعدد سكان العالم.
وفي الحقيقة لَمْ أُفاجأ ـأبدًاـ بسبب الحرب الدبلوماسية التي تصاعدت وَتيرتها مؤخرًا بين "مصر"، ودول حوض النيل، التي وقَّعتْ اتفاقًا فيما بينها بخصوص حقوقها التاريخية في مياه النيل، ووضوح الإخفاق المصري في لعب دور مؤثر وحيوي في أفريقيا، شَجَّعَ بكل تأكيدٍ دولاً أخرى كـ (إسرائيل، وإيطاليا، وأثيوبيا) لإقتناص الفرصة للعب دور مؤثر وتوسيع علاقاتها مع هذه الدول، وهو الأمرُ الذي يُقلل من قُدرة مصر التفاوضية مع هذه الدول في الأزمة، وهو ما رأيناه مؤخرًا من خلال التصريحات الحادة التي أطلقها رئيس الوزراء الأثيوبي ضد "مصر"!

ومن المؤكد أن حقوق "مصر" في النهر هي حقوق تاريخية، وتضمنها معاهدة 1929، ولكن السؤال: متى تتحرك الدبلوماسية المصرية لتتفاوض بشكلٍ جَدِّي في هذه القضية المصيرية؟ والتي أُؤكد أنها قضية حياه أو موت؟
فما أراه الآن ما هو إلا تصريحات يَختلطُ فيها التهوين والتهويل في آنٍ واحد بشأن هذه القضية الحساسة، فقضية المياه بالنسبة لـ"مصر" هي قضية أمن قومي في المقام الأول، وقضية يَجبُ وبالضرورة أن يتوَحَّدَ  كل المصريين لحلها قبل أن تَحلَ الكارثة، التي لو تفاقمت؛ ستؤدي إلى حدوث مجاعات وجرائم بلا محالة.

إنني من على هذا المنبر الوطني الحقوقي الحُر، أُناشد الرئيس المصري "محمد حسني مبارك" بسرعة إنشاء "وزارة" خاصة بنهر النيل في مصر، أو إنشاء مجلس قومي متخصص لأمن النهر تابع مباشرة لرئيس الجمهورية، بحيث تكون مُهمة هذه الوزارة فقط هي: "كيفية الحفاظ على مياه النيل" ، واتخاذ التدابير القانونية اللازمة للحفاظ على هيّبته، وتوعية المواطنين بكيفية ترشيد مياهه، وكيفية استغلالها بطريقة مُثلَى، كما يجب أن تَشتَملَ هذه الوزارة على قسمٍ خاص بإدارة الأزَمَات الخاصة بالنهر، والتَحدِيَات التي تُواجهه، وكيفية تلافيها بالطرق العلمية والقانونية.
فنهر النيل يستحق أن توجد من أجله وزارة متخصصة، وهو ليس بأقل قيمة من السد العالي الذي كان له وزيرًا!

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق