بقلم: محمود الزهيري
أن يكون للمرأة صوت في قضايا الدين، والحياة, والتدين، والوحي، والفن، والإلهام، هذا قد يكون مقبول أو مرفوض؛ لأنه في النهاية رأي يحتمل أن يخطيء أو يكون علي جادة الصواب, ولكن هناك حالة إنزعاج شديدة مما أفتت به "سعاد صالح" بشأن أحقية أي مواطن مصري غير مسلم من التقدم بأوراق ترشيحه لوظيفة رئيس الجمهورية، وكأن منصب رئاسة الجمهورية منصب يمثل الإمامة الكبري بمفهوم المسلمين في الأزمان الغابرة, أو كأن منصب الرئيس هو ذاته منصب خليفة المسلمين، ولكن علي وجه من وجوه السخرية, أليس من حق "أبو الليف" أن يكون رئيسًا لـ"مصر"؟ وأن تكون أم
الليف سيدة "مصر" الأولي؟ ولا غرابة في ذلك, فهناك حملة علي الفيس بوك تحمل هذا المعني !!
أظن أن "أبو الليف" لو عُرض عليه أمر ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية- بما آلت إليه من أمور التدني والإنحدار في كافة مجالات السياسة، والفن، والعلم، والحضارة، والدين، والحياة، والمجتمع، والناس- لرفض بجدارة، وكان رفضه مسوغًا بمرادفاته العقلية، المقبولة بدلالات أزمات الواقع !!
"سعاد صالح" لم تكذب, ولم تتجمل, ولم تنطق إلا بالحقيقة التي تم تدوينها بكتب التراث المليئة بمثل هذه التأويلات والتفسيرات في الأزمنة الغابرة، فلها مرجعيات عديدة في تلك الكتب، ولو قالت بغير ذلك لأتهمها غيرها من العلماء، والفقهاء، ورؤساء الجامعات، وعمداء الكليات، ورؤساء الأقسام، بل ومدراء المدارس الثانوية والإعدادية والإبتدائية, بل إن أطفال الروضة يتم إرضاعهم هذه المفاهيم رضاعة سائغة ومقبولة؛ لتنتج أجيال متشبعة بمفاهيم ملتصقة بالعقل المغيب علي الدوام عن حقائق الوقائع, وهارب لأوهام التاريخ!!
إذا راجعنا المناهج الدراسية، سواء في التعليم الديني الأزهري، أو التعليم العام، نجد مردودات "سعاد صالح" صادحة وصارخة بما قالت به وأفتت علي الملأ عبر الشاشة المملوكة لمسيحي قبطي, هو "نجيب ساويرس", الذي أزعجته هذه التصريحات، ليس بصفته مسيحي قبطي, ولكن بوصفه مواطن مصري, اتهمته "سعاد صالح" بالكفر, وماذا يكون جزاء الكافرين إذا سايرنا "سعاد صالح"، واسترجعنا النصوص الدينية التي نتعبد بها، وتبين كيفية التعامل مع الكافر, أو عرجنا إلي أبواب الفقه, ودخلنا من أي باب من أبوابه، بداية من باب بدأه بالسلام, ووصولاً لباب الولاء والبراء، وإنتهاءًا بباب الإستحلال للدم والعرض والمال !!
أليس هذا هو المفهوم الصحيح من وجهة نظر ورأي "سعاد صالح"، والذي يستتبع بطريق الحتم والجزم كيفية التعامل مع الكافر, وكأنها تفتح باب يبدأ بالإزدراء والتحقير واللعن والسب, وينتهي إلي باب الرفض والقتل؟!!
وهذا ما أفتت به، واستندت إلي نص ديني: "لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً"، وقالت بالحرف، حسب ما هو منشور بصحيفة "الشروق" القاهرية :
لابد أن تكون الولاية من المسلم على الكافر، وليس العكس، لذلك أباح الله زواج المسلم من غير المسلمة وليس العكس، لأن الولاية في الزواج تكون للرجل، كما أن القوامة تكون للدين الأعلى وليس الأدنى"، مؤكدة أن شهادة غير المسلم على المسلم غير جائزة بالإجماع؛ لأنه أقل دينًا، الإ أن أبي حنيفة أباحها".
"سعاد صالح" نكأت جراح ما زالت تنزف دماءًا عنصرية بغيضة، وتتقيح صديدًا برائحة عفنة, وكل المأزومين من عفن العنصرية البغيضة علي الدوام يبحثون عن علاجات وأدوية لهذه الجراح, إلا أنهم يفشلون بأسباب راجعها إلي من نكأ هذه الجراح ليجعلها علي الدوام تنزف دمًا, وتتقيح صديدًا, والمصلحة في استمرار نزف الدماء, والصديد المتقيح، راجعها إلي أنظمة الإستبداد والطغيان، تلك الأنظمة التي تقوم أعمدتها علي الفاشية الدينية, والفاشية السياسية .
إلا أن "سعاد صالح", وكأنها في حالة إصرار علي تقسيم المجتمع المصري إلي فئات دينية تعمل كل فئة للتخديم علي الفئة التي تنتمي إليها, ويكون الإنتماء للمواطن والوطن في مرحلة تالية, كبديل غير حضاري وغير إنساني يعلي من شأن الإنسان علي شأن الإنتماء الديني الذي هو حالة فردية, وليس حالة جماعية، ومع ذلك تبرر هروبها بالإستناد إلي حكم المحكمة الإدارية العليا الخاص بالتصريح بالزواج الثاني للمسيحيين الأقباط، وتدلل علي ذلك بأن : البابا "شنودة" يتفهم جيدًا الوضع السياسي والديني لعدم مشروعية وصول مسيحي للرئاسة، موضحةً أن البابا رفض تنفيذ قرار المحكمة الإدارية العليا لحكم الزواج الثاني الخاص بالأقباط؛ لتمسكه بكلام الإنجيل، وأنا أيضا متمسكة بكلام ديني، وهو إنه لا يجوز ولاية للكافرين علي المسلمين وفق الآية الكريمة.
وكأن تصريح البابا "شنودة" مُبرّر وتكئة لما أفتت به "سعاد صالح" بكفر غير المسلم، والذي يكون مع ذلك مؤمنًا بوجود الله, ومؤمن بالثواب والعقاب في الآخرة, ولكن يختلف تصوره الديني مع تصور "سعاد صالح"، وغالبية المسلمين, حال كون الأديان السماوية الإبراهيمية أساسها الإعتقادي الإيماني قائم علي الغيب الذي لم يلمسه أو يحسه، ولكن يتصوره ويتخيله ويحاول أن ينتج له مبررات عقلية, ومن ثم يعتقد به كإيمان غيبي, فهل الغيب الذي تؤمن به "سعاد صالح", أفضل من الغيب الذي لا يؤمن به غيرها من غير المسلمين, ومن ثم يكون من يخالفها في التصور الإيماني
الغيبي كافر؟!!
وتقول :"المسيحيين مش بيعترفوا برسالة "محمد"، وإحنا المسلمين بنعترف بكل الأنبياء، فأنا بقي اللي بسألهم: انتوا بتعترفوا بالنبي "محمد"، ورسالته؟".
ولا أدري بماذا تنتظر أن يجيب غير المسلمين علي هذا السؤال!! هل تنتظر منهم أن يدخلوا في دين الله أفواجًا، لكي يستريح ضميرها الإيماني ووجدانها الديني؟ حتي ولو كان هذا علي حساب ضياع الأوطان، وتأزيم المواطنين بجملة قضايا مثل المرض، والفقر، والتعليم، والصحة، والسكن، والمواصلات, وأزمة مياة الشرب والصرف الصحي !!
وماذا يفيد الإيمان الديني في هذه الحالة، خاصةً وأن هناك العديد من الدول الوثنية التي لا تؤمن بآلهة السماء, أوالديانات السماوية, وقد إرتقت بآلهتها
الوثنية, وارتقت بالإنسان الوثني، وأعلت من رفاهيته وحرياته وحقوقه, فهل هناك أزمة في أن نكون مؤمنين متعددين في الإيمان السماوي، والإيمان الوثني, وحتي مع وجود الملحدين في مجتمعاتنا, مع الإيمان بأحقية كل إنسان في إختيار إلهه ودينه ومعتقده ومذهبه من غير أن يكون هناك إعتداء من أحد علي أحد؟!! ولا حتي مجرد الوصاية من إنسان علي إنسان, والعمل سويًا من أجل الإرتقاء بالمطالب والمشتركات الإنسانية في المأكل، والمشرب، والعلاج، والصحة، والسكن، والمواصلات، وفرص العمل والتوظف، علي أساس من التساوي في الحقوق والواجبات، ومع الإيمان بقاعدة:
إن الأوطان وُجدت قبل الإنسان, وإن الإنسان وجد قبل الأديان. أم أن التكفير سيحل أزمة الوطن, وأزمات المواطنين؟!!
أعتقد أن المواطنة تنفي التكفير، وتزدريه وتحتقره, وتُجرّم من ينادي به. ولكن أين المؤمنين بالمواطنة في مواجهة المؤمنين بالتكفير؟!!
وفي النهاية ما هو موقف حزب الوفد بصفته حزبًا مدنيًا, من أراء "سعاد صالح" بعد إنضمامها مؤخرًا لحزب الوفد؟ |