CET 00:00:00 - 27/06/2010

حوارات وتحقيقات

تحقيق: ميرفت عياد- خاص الأقباط متحدون
أخذتك عزيزي القارئ في الجزء الأول من هذا التحقيق عبر الطرقات والأزقة وتحت الكباري، وجُبت بك الشوارع لأستعرض لك حكايات مرعبة عن عالم أطفال الشوارع الذي نجهله، عن عالم ترسم فيه القذارة والملابس الرثة والشعر الأشعث والأقدام العارية ملامحه البغيضة.

هذا العالم المنسوج من خيوط قلة الضمير والرذيلة والشرور وجميع الموبيقات، لينسج لهؤلاء الأطفال عباءة من الحرمان والبؤس والشقاء لا تقيهم من برد الشتاء أو حر الصيف، وهم ينامون مفترشين الأرض وملتحفين بالسماء.

فطفل الشارع هذا هو الطفل الذي وجد نفسه دون مأوى ولا مكان يرحب به سوى الشارع، ولم يجد قلبًا يضمه أو يرحم صغر سنه، أو هو الطفل الذي نتج عن غلطة قام بها والديه وندما عليها؛ فألقوا به في الشارع ليبحث مع القطط والكلاب في صناديق القمامة عن لقمة عفنة تسد جوعه، هو الطفل الذي تعرض لمخاطر يقشعر لها الأبدان.

فترى بماذا تتصف نفسية هؤلاء الأطفال المشردين؟ وماهي الظروف التي أدت إلى انتشارهم في الشوارع بهذا الشكل المبالغ فيه؟؟ وهل هناك سبيل للحد من هذه الظاهرة؟؟؟

لهذا تحدثت صحيفة "الأقباط متحدون" إلى الدكتورة "مها جاهين" أستاذ الطب النفسي، والتي قالت:

إن أطفال الشوارع يعانون من قسوة الحياة عليهم، ومن إهانة واحتقار المجتمع لهم، ومن المخاطر اليومية التي يتعرضون لها، وهذا يجعلهم يتسمون بصفات عامة في شخصياتهم؛ منها العنف والعدوانية، والرغبة في تدمير كل شيئ، والتوتر والانفعال الشديد، والتشتت الذهني والعاطفي، واختلال القيم والممارسات الشاذة، هذا إلى جانب عدم التزامهم بمبدأ الصواب والخطأ نتيجة عدم تربيتهم من الأساس، والإيمان المطلق بالقوة؛ لأنها لغة الشارع، فالبقاء دائمًا للأقوى.

كما أن رفض المجتمع لهم ونفورهم من هؤلاء الأطفال بسبب مظهرهم وسلوكهم يجعلهم ناقمين على المجتمع، راغبين في تدمير كل ما تقع أيديهم عليه، كما أن معظم أطفال الشوارع يشمون الغراء "الكُلة"؛ لأن سعرها زهيد، وتأثيرها طويل الأمد، وأعراض الانقطاع عنها معتدلة، وهذا يؤدي إلى مخاطر كثيرة جدًا، هذا بالإضافة إلى معاناتهم من الأمراض الجسدية، وعدم وجود أية رعاية صحية لهم من قِبل أية جهة من جهات الدولة.

الفقر يدفع بالأطفال إلى الشوارع

وعن أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه الظاهرة واستفحالها بهذا الشكل، يحدثنا الدكتور "ميشيل حليم" أستاذ علم الاجتماع قائلاً:

إن الفقر يعد العامل الأول والرئيسي في انتشار ظاهرة آطفال الشوارع، فضيق ذات اليد يجعل الآباء يدفعون بأولادهم إلى الشارع؛ ليبيعوا بعض السلع البسيطة على أرصفة الشوارع، أو في وسائل المواصلات، أو يدفعونهم للتسول، وهذا يؤدي بهؤلاء الأطفال إلى وجودهم بمفردهم لساعات طويلة في الشوارع، مما يعرضهم للعديد من المخاطر من قِبل أُناس معدومي الضمير، سواء كانت هذه المخاطر الاغتصاب، أو الاستغلال الجنسي لهم، أو استغلالهم في الإتجار بالمخدرات، أو التسول لحساب أحد.

كما أن الأوضاع الأسرية من تفكك الأسر، سواء كان هذا بسبب الطلاق أو موت أحد الوالدين، أو هجرته، يؤدي إلى فقدان الطفل للاهتمام والحنان، بل والقسوة في معاملته.

هذه الظروف النفسية القاسية تدفع به إلى الشارع الذي يتخيل أن به فرصة أكبر للعب والترفيه والجلوس مع الأصحاب، والحرية بدون وجود أي رقيب على تصرفاته، أو يتخيل أن الشارع آمن من إيذاء أهله له، غير مدرك كمّ المخاطر التي سوف يتعرض لها بسبب بقاءه في الشارع وحيدًا بدون صحبة أهله.

هذا إلى جانب وجود المناطق العشوائية، وارتفاع كثافة المنزل إلى الدرجة التي تجعل أسرة كاملة تعيش في حجرة واحدة، كل هذا يدفع الأهل إلى تسريب أطفالهم إلى الشارع؛ ليرتاحوا من هذا الزحام، غير مدركين أنهم يعرضونهم لخطر داهم.

أطفال الشوارع .. قنبلة موقوته أوشكت على الانفجار


إن ظاهرة أطفال الشوارع ظهرت في مصر منذ حوالي ستينات القرن الماضي، هكذا بدأ "أشرف الدعدع" رئيس مجلس أمناء مؤسسة الانتماء الوطني لحقوق الإنسان حديثه قائلاً:

إن بعض الإحصائيات تشير إلى أن عدد أطفال الشوارع حاليًا يبلغ حوالي 2 مليون طفل مشرد، يجوبون الشوارع نهارًا للسرقة والتسول، وفي الليل ينامون في الخرابات والمباني المُهدمة أو على الأرصفة، إلا أن هذه الإحصائيات غير دقيقة؛ لأنه لا توجد إحصائيات مؤكدة من قبل الدولة.

ويشير "أشرف" إلى أن هناك العديد من الجهات المعنية بمكافحة هذه الظاهرة -تتمثل في (وزارة الأسرة والسكان، والمجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للأمومة والطفولة، والمجلس القومي لحقوق الإنسان)، ولكن ينقصها التنسيق فيما بينهم للحد من انتشار هذه الظاهرة التي تمثل قنبلة موقوته أوشكت على الانفجار.

وهذا التنسيق لا يعني عقد الندوات والمؤتمرات التي تدور في الغرف المغلقة، وينتج عنها مجموعة من التوصيات التي تلقي طريقها إلى الأدراج؛ لتتكدس بجانب غيرها من التوصيات التي انبثقت من مؤتمرات سابقة ولم تُطبق، ونظل هكذا ندور في حلقة مفرغة ولا نصل إلى حل حقيقي لظاهرة استغلال الأطفال في الدعارة والأعمال الإباحية، وبيعهم والإتجار بأعضائهم البشرية، فتلك الممارسات مجرمة طبقًا لقانون الطفل رقم 12 لسنة 96،والمُعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008م، إلا أن هناك فجوة كبيرة بين الواقع والقانون.

ويطالب "أشرف الدعدع" جميع المؤسسات الخيرية بأن تمد يد العون لهؤلاء الأطفال، عن طريق إنشاء قرى خاصة بهم، يتم إيداعهم وتربيتهم وتعليمهم فيها، وإخراجهم للمجتمع كوادر شابة تستطيع أن تفيد نفسها أولاً، وبلادها ثانيًا، وتوفير فرص عمل لهم لنقيهم من الجوع والفقر الذي قد يدفعهم إلى العودة إلى الطرق المنحرفة أو إلى الجريمة.
 هذا إلى جانب تأهيل دور الأحداث لتقوم بدور تربوي وتعليمي لهؤلاء الأطفال، بل لتكون بالنسبة لهم كالمدارس الداخلية، يتم فيها إعداد الطفل على جميع المستويات النفسية والاجتماعية والاخلاقية؛ ليخرج شخص صالح في المجتمع، هذا إلى جانب توفير الرعاية الصحية له من قِبل الدولة.

انقر هنا لقراءة الجزء الأول من التحقيق

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ١٦ تعليق