أثبتت جريمة ليلة عيد الميلاد بنجع حمادي – رغم ما سبقها من تصاعد للعنف الديني ضد الأقباط – أن العقلاء في هذا البلد أكثر بكثير من المهووسين بالتعصب الطائفي. فلقد اجتمعت جميع فئات الشعب – إلا قليلا – على إدانة الجريمة الشنعاء، وإعلان تضامنها مع الضحايا وذوبهم. إلا أن مجموعات إسلامية متطرفة تتربص بالأقباط وتناهض مبدأيّ المواطنة والمساواة، وقد استغلت موقف قيادات الكنيسة من أحكام المحكمة الإدارية العليا حول الزواج الثاني للأقباط المطلقين ثم حادث السيدة كاميليا شحاتة، لشن هجوم مضاد واسع تمثل في أكبر حملة كراهية وتحريض، ليس فقط ضد بعض قيادات الكنيسة بل وضد المسيحيين المصريين عموما.
إننا مقبلون على منعطف جديد شديد الخطورة، فالتشنج أصبح واضحا على الطرفين، من مظاهرات في المساجد والكنائس وتصريحات غير منضبطة تنضح بالكراهية والطائفية من رجال دين مسلمين ومسيحيين، واتهامات للكنيسة بأنها أصبحت دولة داخل الدولة وما يتبع ذلك من مزاعم تخزين أسلحة داخل الأديرة والكنائس، يقابلها اتهامات بوجود جماعات إسلامية لخطف المسيحيات وأسلمتهن قسريا بتواطؤ من أجهزة الأمن.
وفي هذا السياق فإننا نؤكد على مسئولية الدولة بكافة أجهزتها عن ما حدث ويحدث من صراعات طائفية والراجع إما سكوت تلك الأجهزة -والذي لا يخلو من شبهات- حينا، أو التقاعس والإهمال أحيانا أخري عن التدخل بحسم وحياد ضد الجناة والاكتفاء بالتعتيم والتضليل والتشويش الإعلامي المتعمد مما يزيد من الحنق الطائفي المرتبط باختلاق المزاعم والأكاذيب من كلا الجانبين.
وإزاء هذه المخاطر يعلن الموقعون على هذا البيان من أبناء هذا الوطن الذين يؤمنون بالدولة المدنية والمساواة الكاملة بين أبناء الوطن ما يلي:
1. إن حرية العقيدة حق مكفول لجميع المصريين بحكم الدستور والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر، والدولة مطالبة بكفالة هذا الحق لجميع المواطنين وحمايتهم من التعرض لأي ضغوط تتنافى مع ممارستهم الحرة له. وبهذا الصدد فإننا نطالب النائب العام بتحقيق جدي وشفاف حول مزاعم خطف بعض المسيحيات – وخاصة القاصرات منهن – بغرض إجبارهن على دخول الإسلام، وكذلك في جميع الادعاءات حول تواطؤ بعض رجال الأمن في التستر على مرتكبي هذه الجرائم بل ومساعدتهم.
2. إن جميع القوانين ومواثيق حقوق الإنسان تجرم الاحتجاز القسري لأي مواطن، ونحن نطالب النائب العام بالتحقيق في مزاعم خطف أجهزة أمن الدولة للمواطنة كاميليا شحاتة وتسليمها لقيادات كنسية للتحفظ عليها واحتجازها دون رغبة منها في مكان غير معلوم، وإعلان جميع الحقائق على الشعب.
3. إننا نطالب بمحاكمة كل من يثبت مشاركته في تضليل الجماهير ونشر الشائعات والتحريض على الكراهية بما يهدد أمن الوطن وسلامته، على ألا يستثنى من ذلك أيا من كان سواء قيادات دينية إسلامية أو مسيحية، أو إعلاميين في الصحف والفضائيات. وفي هذا الصدد نطالب بنشر نتائج التحقيق في الخبر الذي نشرته إحدى الصحف الخاصة بضبط أجهزة الأمن لسفينة قادمة من إسرائيل تحمل مواد متفجرة لإدخالها للبلاد، وأن مالك السفينة نجل وكيل مطرانية بورسعيد الذي قرر قاضى المعارضات إخلاء سبيله.
إن البلاد على شفا تصاعد لأعمال عنف طائفي غير مسبوق يهدد وحدة الوطن وسلامه الاجتماعي، الأمر الذي يتحتم على كل صاحب ضمير أن يواجهه بكل قوة، فالصمت مشاركة في الجريمة.
فعلى أجهزة الدولة أن تقلع عن سياستها الفاشلة بمواجهة هذه الحالات بالتكتم والتعمية وهي الأجواء التي تساعد على انتشار التطرف والتعصب الذي لا يقوى على مواجهة الحقائق.
وعلى القيادات الإسلامية في الأزهر و دار الإفتاء التصدي لدعاوى تخوين الأقباط والتحريض على كراهيتهم ومقاطعتهم.
وعلى الكنيسة القبطية أيضا الخروج عن الصمت والتجاهل لشكوك الناس حول اختفاء السيدتين وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة، والتحرك بشكل جدي وشفاف لطمأنة الرأي العام وتبرئة ساحتها من تهمة احتجاز مواطنتين قسرا لإجبارهما على البقاء على الديانة المسيحية.
إن الموقعين على هذا البيان يطالبون السيد رئيس الجمهورية بموجب مسئولياته الدستورية في حماية الوحدة الوطنية بأن يقوم بتشكيل لجنة عليا تتولى دراسة الملف الطائفي ويكون لها صلاحيات التقصي وطلب المعلومات، ويتاح لها أيضا استجواب كل الأطراف ذات الصلة بالقضية وتقدم تقريرها لمؤسسة الرئاسة - وينشر على الرأي العام - بما توصلت إليه من أسباب وما تقترحه من حلول بعيداً عن الموائمات والتوازنات السياسية المفسدة لكل محاولات المواجهة الجدية لذلك الملف
الوطن يشتعل والسبيل الوحيد لإطفاء هذا الحريق هو الشفافية والمصارحة والمساواة والديمقراطية |