كنت أذهب إلى مدرسة مسيحية، حيث كانت لدينا كنيسة صغيرة فى وسط مبنى المدرسة، مع ذلك لا يمكن أن أنسى ذلك اليوم الذى منع فيه والدى من دخول المدرسة ليشاركنى فى يوم للسباحة أعدته المدرسة ليذهب عائده إلى بعض الأعمال الخيرية.. قيل له على باب المدرسة أن كل الآباء والأقرباء الرجال ممنوعون من حضور ذلك اليوم لاحتمالية حدوث اعتراضات من جانب أهالى الطالبات المحجبات.. ذلك حدث فى مدرسة شعارها »ىم فىَّمٌكك ُْذ« وهى عبارة لاتينية تعنى »من أجل كنيسة الله«، بالتأكيد هذا الموقف هو دليل على أننا نعيش فى مجتمع به كثير من الاختلافات والتناقضات.
المدرسة التى أذهب إليها الآن مدرسة متعددة الثقافات وعدد كبير من طلابها مسلمون.. وواحدة من أقرب صديقاتى محجبة.. لم يشكل حجابها أى عائق لصداقتنا، لكن كانت تمر علينا مواقف تضع ملبسها فى بؤرة الاهتمام.. حجابها فى أحيان كثيرة كان العامل الصامت فى نقاشات كانت تتورط فيها.. على سبيل المثال حوارها معى ومع غيرى حول انتقادها لأزياء بعض النساء الكاشفة.. وبالرغم من أنها بالفعل موهوبة جدا فى الرسم إلا أنها كانت تخوض فى حوارات مستميتة تدين فيها الرسوم العارية فتصطدم مع مدرسى الرسم، تأثرت علاقاتها بزميلاتنا فى الفصل فاختلفت من واحدة لأخرى. لكن حواراتنا عبر السنين كشفت لى أن حجابها ليس مجرد اختلاف فى المظهر، لكن هناك وراءه ما هو أكثر من ذلك، كانت صديقتى ترفض أن تصدق أن أى (رجل) من الممكن أن يراها جذابة بالقدر الذى يجعله يتزوجها... أهملت مظهرها تماما.. كل ذلك وهى تعيش فى ثقافة الـ(هَىُّفل) أو المصاحبة.
المواطنون الذين يعيشون فى بريطانيا العظمى يشهدون صدام حضارات ضخما، فالمسلمون يزدادون ويزداد ثقلهم فى مجتمع كل يوم تزداد علمانيته وتقدمه، وبلا شك يتخلى عن الأعراف والموروثات.. وواحدة من أبرز مظاهر هذا الصدام المنعكسة على الأجيال الشابة من مواطنى هذا البلد هو حجاب المراهقات فى مجتمع يزداد شبابه ليبرالية واستقلالا وخبرات مليئة بالتجارب، كما أنهم يفعلون ذلك فى مجتمع أصبحت فيه العلاقات العاطفية (ليس بالشرط الجنسية) أمرا طبيعيا بين صغار السن، حيث يأتى ذلك مع صعود المغنيات المراهقات أمثال (ميلى سايرس) التى تغنى عن الحب والهجر.. فكيف تستطيع هذه الفتيات العيش بحجاب فى هذا المجتمع .. وهنا أقدم لكم بعض الحوارات التى دارت بينى وبين عدد من المراهقات البريطانيات المحجبات.
(فاتيما احتشام) - ٧١ سنة، من باكستان، ترتدى الحجاب منذ أن كانت فى التاسعة من عمرها.. وهكذا فعلت كثيرات من نساء عائلتها، إلا أن إحدى أخواتها تمردت عليه.. قالت لى: أسرتى لم تتوقعنى أن أرتدى الحجاب إلا أننى بعد أن حضرت خطبة فى المسجد عرفت منها أسباب الحجاب قررت ارتداءه، وقد كنت لازلت فى سن التاسعة.. من المثير أن هذه لم تكن المرة الأولى التى يطلب من فاتيما أن تتحدث عن حجابها، فقد عرفت منها أنها فى أكتوبر الماضى طلب منها أحد ممثلى الجامع الذى تتردد عليه أن تلقى خطبة فى الـ ٌٌفو ٌَُُّّ عن كيف أنها تتمتع بحرية الملبس فى بلدها دون التعرض لأى مضايقات.. إلا أن فاتيما تتعرض لمضايقات من وقت لآخر كأن يصرخ شخص فى وجهها قائلا »عودى إلى بلدك« أو »بن لادن«. لكن وبغض النظر عن ردود أفعال الناس سألتها عن حياتها هى كشابة وتعاملها مع الثقافة الغربية بموسيقاها وتقاليعها وفنها ففاجأتنى بإجابتها: أنا أستمع إلى الموسيقى والأغانى حتى هذه التى تدور حول الجنس.. وكثيرات من صديقاتى يعتبرننى مسلمة غير صالحة بسبب ذلك، لكن ذلك لا يعنى لى الكثير، لأننى فى النهاية فتاة مراهقة تنشأ فى بريطانيا. (تاهيرا رزافى) -٦١ سنة - نصف إيرانية ونصف هندية.. بالنسبة لتاهيرا كان مخططا لها أن ترتدى الحجاب فى سن التاسعة.. قالت لى تاهيرا أن الحجاب بالنسبة لها هو جزء من هويتها ورمز على لإيمانها وتوصيف لافت استخدمته تاهيرا فى إجابتها عن ماذا يعنى الحجاب بالنسبة لها هو »الحماية«.. الحماية من الثقافة الغربية التى لا تريد أن تغوص فيها.
أما (زهرة عشارى) - ١١ سنة - فقررت أن ترتدى الحجاب منذ أن كانت فى السابعة من عمرها.. قالت لى: أرتدى الحجاب لأننى كنت أرى الفتيات فى المسجد يرتدينه ويذهبن للمدرسة به... إنها مجرد قطعة من القماش نضعها حول رؤوسنا.. لماذا تصنع فرقا؟.. وعندما سألتها عن مشاعرها وهى تغطى شعرها فى مجتمع غربى أجابت كما أجابتنى كثيرات غيرها، وهى أنها ليست وحدها التى ترتدى الحجاب إنما كثيرات غيرها.. فكثرة عدد المحجبات كان أحد العوامل المشجعة المهمة بالنسبة لكثيرات.. لكننى عندما سألتها عن ردود أفعال صديقاتها فوجئت بأنها أخذت تبكى.. وقالت إنها قبل ارتداء الحجاب كان لديها عدد من الأصدقاء، لكن بعد ذلك ابتعدوا عنها.. هل كان ذلك بسبب أن أصدقاءها البالغين من العمر ٧ سنوات لم يكونوا مستعدين لتقبل الفكرة أم لأنها هى وهى لازالت طفلة فى سن السابعة لم تكن مستعدة لاستيعاب وضعها الجديد؟
(سكينة جداوى) - ٦١ سنة - ذات جذور هندية.. عندما بلغت سن التاسعة سألتها والدتها إذا كانت تريد أن تتحجب فوافقت، ففى المدرسة العربية التى تذهب إليها كانت نسبة المحجبات ٠٤٪ ارتفعت فجأة إلى ٠٩٪. أكثر ما لفت انتباهى فى سكينة هو مظهرها الإنجليزى.. فهى ترتدى غطاء للرأس وفيما عدا ذلك بقية ملابسها غربية جدا.. لكن الغريب والذى يعكس نوعا من معاناة هذه الفتاة وصراعها الداخلى هو ما قالته لى: أعترف أننى فى أحيان كثيرة أحاول أن أجعل نفسى أبدو جميلة بالحجاب، مما يتناقض مع الهدف من الحجاب نفسه. أما (س) من باكستان - طلبت عدم ذكر اسمها - فهى ترتدى الحجاب منذ أن كانت فى سن الـ١١ وقالت لى: »أنا أرتدى الحجاب فقط لأدارى معتقداتى الجديدة عن أهلى خاصة أننى لا أزال أعيش معهم.. وعندما أنتقل للجامعة سوف أخلعه« وعن السبب تقول: »أصبحت أكثر إيمانا بالعلوم«، وعن أسباب ارتدائها للحجاب فى البداية قالت: »بدا لى وأنا طفلة كأمر جديد ومثير، كما أن من حولى جعلونى أشعر أنه سوف يجعلنى أكثر استقامة، وأنه سوف يشعرنى بالوحدة مع غيرى من المسلمات، لكن فى الواقع ارتداءه جعلنى لا أحب الخروج.. لا أحب منظرى.. أريد أن أختلط بالمجتمع وحجابى يمنعنى.
(لاريب بات) - ٧١ سنة - من باكستان- ترتدى الحجاب منذ ٣ سنوات بالرغم من أن معظم نساء عائلتها لا ترتدينه، المدهش ما حكته لى من أنها تحصل على تخفيضات من محلات الملابس المملوكة لمسلمين، وصديقاتها غير المحجبات من زبائن هذه المحلات لا يحصلن على مثل هذه التخفيضات.. وترى (لاريب) أن على الإعلام البريطانى أن يضع ضمن أشخاص الأفلام والمسلسلات نساء محجبات، كما يضع الشواذ ضمن شخصيات كثير من المسلسلات. (نور وحيد) -٤٢ سنة .. مصرية الأصل- أى من نساء عائلتها ليست محجبة.. قالت لى أنها نادرا ما كانت تذهب إلى المسجد، ومع ذلك قررت ارتداء الحجاب منذ ٤ سنوات، »وكان السبب رفضى فى أحد امتحانات حصولى على وظيفة لأسباب عرقية
«.. والآن (نور) تذهب إلى الجامع أكثر وأكثر خاصة عندما تكون هناك خطبة تؤكد قرارها بارتداء الحجاب.. اللافت فى الأمر أن (نور) لو لم تكن تعيش فى إنجلترا لما كانت قد ارتدت الحجاب! أما (ص) - ٨١ سنة.. مصرية - فتقول: أنا لست متدينة، لكننى أرتدى الحجاب منذ أن كنت فى الثانية عشرة من عمرى.. ولأكون صادقة فالأسباب تعود لعائلتى وقد كنت صغيرة جدا على اتخاذ مثل هذا القرار.. (ص) كانت قد عادت إلى مصر سنتين ارتدت خلالهما الحجاب واشتكت من الفرق الذى عانت منه بين معاملة المحجبة فى مصر، حيث الاحترام والتقدير وفى إنجلترا، حيث الاستغراب والتساؤلات والتعبير عن الشفقة.. أحاول أن أتعرف على المحجبات لأسهل الأمر على نفسى.. وكثيرا ما تساءلت: كيف تكون حياة التردد على النوادى الليلية وارتداء الـ(جيبات) وأن يكون لديك صديق.. ارتدائى الحجاب هو أحد الأشياء التى أندم عليها بشدة لأننى قررت أن أتنازل عن شىء لم أجربه بعد.
أما فرحة قدرى -٩١ سنة .. سنية وهندية الأصل - فتعتبر نفسها مسلمة صالحة رغم اكتفائها بأداء الفروض الخمسة وترفض تماما فكرة ارتداء الحجاب.. تقول أن المسلمات ترتدين الحجاب كنوع من أنواع الحفاظ على الهوية أكثر من ارتدائه لأسباب دينية. |