• صحيفة (الوطن) لصاحبها "ميخائيل أفندي عبد السيد" هي أولى الصحف التي يصدرها أحد الأقباط.
• اتفقت الصحف القبطية على الاهتمام بقضايا تعليم البنات، والمساواة بين الرجل والمرأة، والعمل الأهلي الخيري.
• اختلفت الصحف القبطية حول تعليم الدين المسيحي في المدارس.
تقرير: عماد توماس - خاص الأقباط متحدون
صدر مؤخرًا كتاب (صحافة الأقباط وقضايا المجتمع المصري) للباحث الشاب رامي عطا عن المجلس الأعلى للثقافة. والكتاب يمثل في حقيقته الجانب الأعظم من رسالة الماجستير التي حصل عليها الباحث من كلية الإعلام جامعة القاهرة أواخر عام 2005م.
سعت هذه الدراسة والتي تنتمي في الأساس إلى حقل تاريخ الصحافة المصرية، إلى رصد الصحف التي أصدرها الأقباط (المصريون المسيحيون) خلال الفترة الزمنية الممتدة بين عامي 1877م و1930م، وهي فترة جاوزت الخمسين عامًا، وامتدت بين الربع الأخير من القرن التاسع عشر وإلى ما بعد الربع الأول من القرن العشرين وذلك بهدف وصف وتأصيل تلك الصحف تاريخيًا، كما استهدفت الدراسة أيضاً رصد -ثم تحليل وتفسير- موقف نماذج عينة من تلك الصحف من بعض قضايا المجتمع المصري خلال فترة الدراسة والبحث، ذلك بالإضافة إلى محاولة إلقاء الضوء على عدد من أبرز الصحفيين الأقباط الذين ساهموا في إثراء الصحافة المصرية عمومًا والصحف التي أصدرها الأقباط خصوصًا.
وقد توصلت هذه الدراسة إلى عدد من النتائج والتي يمكن لنا إجمالها على النحو التالي:
* كانت هناك مجموعة من العوامل / الظروف المتداخلة والمترابطة في ذات الوقت التي شجعت عددًا من الأقباط على اقتحام ميدان الصحافة، وبالتالي مشاركة الأقباط ومساهمتهم في إثراء النشاط الصحفي وقد انقسمت هذه العوامل بدورها إلى عوامل مجتمعية عامة تتعلق بالمجتمع المصري وعوامل أخرى خاصة بالأقباط.
حيث تحددت العوامل العامة في:
(1) بزوغ مبدأ المواطنة خلال سنوات القرن التاسع عشر، وبالأخص مع تأسيس مصر الحديثة على يد محمد على (1805م - 1848م) وخلفائه من بعده وبالتحديد سعيد باشا (1854م - 1863م) والخديوي إسماعيل (1863م - 1879م).
(2) نهضة مصر الثقافية / التعليمية في عصر الخديوي إسماعيل، بما كان لذلك من انعكاس على تطور المجتمع المصري والمصريين آنذاك.
(3) ميلاد الصحافة الأهلية المملوكة للأفراد / الأهالي دون الحكومة وانتشارها سواء بين المصريين أو الشوام أو الأجانب.
أما بالنسبة للعوامل الخاصة بالأقباط، فقد برز عاملان أساسيان وهما:
(1) انتشار التعليم بين الأقباط بسبب اهتمام الحكومة بالتعليم من جهة ومن جهة أخرى بفضل اهتمام بعض الأقباط (أفراد ومؤسسات) بإنشاء المدارس لنشر التعليم.
(2) تنامي العمل الأدبي والثقافي بين الأقباط حيث كانت الصحف التي أصدرها بعضهم ميدانًا فسيحًا لهذا المجال.
فقد كان الأقباط في نشاطهم وعملهم الصحفي متأثرين بالحالة المجتمعية المصرية (سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا)، ولم يكن هذا غريبًا عليهم باعتبارهم جزء من نسيج المجتمع المصري.
وكانت صحيفة (الوطن) لصاحبها "ميخائيل أفندي عبد السيد" والتي أصدرها بمدينة القاهرة في 17 نوفمبر من سنة 1877م، هي أولى الصحف التي يصدرها أحد الأقباط، كما يُعد صاحبها أول قبطي يشتغل / يعمل بالصحافة.
* اهتم الأقباط بإصدار العديد من الصحف على مختلف أشكالها (جرائد ومجلات) وعلى مختلف مضامينها أيضًا ما بين صحف عامة وأخرى متخصصة، حيث تنوعت الصحف المتخصصة بدورها ما بين صحف ثقافية / أدبية / اجتماعية، وأخرى نسائية، وثالثة مدرسية / طلابية، ورابعة اقتصادية، وخامسة رياضية، وسادسة طبية / صحية، وسابعة قضائية / حقوقية، وثامنة دينية سواء للأقباط الأرثوذكس أو البروتستانت أو الكاثوليك.
والجدير بالذكر أن بعض الصحف التي أصدرها بعض الأقباط قد بدأت حياتها الصحفية وعهدها بالصحافة كصحف أدبية / ثقافية / اجتماعية لا شأن لها بالسياسة، ولكنها ما لبثت أن طالبت بالتصريح / الترخيص لها بأن تكون سياسية عامة، وكان ذلك في فترة العشرينيات من القرن العشرين بما شهدته تلك الفترة من حرية صحفية مع صدور دستور 1923م المؤيد -وإلى حد ما- لحرية الصحافة، ومن ذلك صحف: (النسر المصري) و(قارون) و(العناية) و(المنير) و(نهر النيل) و(الائتلاف) و(النجمة الزهراء) و(الأخلاق) و(المدنية) و(الإنذار).. كما يُلاحظ هنا أن مجلة (المصري) لسلامة موسى كانت أدبية ثقافية تتعرض للسياسة، مما كان ذلك سببًا في تعطيلها، فقد كان مضمونها عامًا بينما صفتها القانونية غير ذلك.
كما أن فترة العشرينيات من القرن العشرين قد شهدت اهتمام الأقباط بإصدار عدد كبير من الصحف، وربما يعود ذلك أيضًا إلى الحرية الصحفية -النسبية- التي كفلها دستور 1923م، بالإضافة إلى ذلك المد الوطني القومي الذي خلقته ثورة 1919م، وذلك على عكس العقد الثاني من القرن العشريين الذي شهد اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914م- 1918م) بما عرفته تلك الفترة من إحكام الرقابة على الصحف وظهور أزمة الورق.
* وقد توزعت هذه الصحف بين أقاليم مصر المختلفة، وإن كانت مدينة القاهرة -عاصمة البلاد- قد استأثرت بالجانب الأعظم من هذه الصحف، كما أصدر الأقباط أيضًا صحفًا في مدن (الإسكندرية - كفر الزيات - طنطا - ميت غمر - بنها - السويس - الفيوم - المنيا - أسيوط - طهطا – سوهاج).
* كما أنها تنوعت في دوريتها ما بين صحف يومية وثلث أسبوعية ونصف أسبوعية وأسبوعية وثلث شهرية ونصف شهرية وشهرية وربع سنوية وسنوية.. بيد أنه كانت هناك صحف لم تكن منتظمة في الصدور.
* وعلى الرغم من سيطرة نمط الملكية الفردية على أنماط / أشكال ملكية معظم هذه الصحف، فإن هذا لم يمنع من ظهور أنماط وأشكال أخرى من الملكية منها الملكية الثنائية والملكية الثلاثية وملكية المؤسسات (مدارس - جمعيات أهلية - كنائس..).
* وقد امتلك بعض هؤلاء الأقباط مطابع خاصة بهم يطبعون فيها صحفهم، بالإضافة إلى تشغيل تلك المطابع تجاريًا، مما مثل ذلك لهم عضدًا ماديًا ساعد صحفهم على مواصلة الصدور لفترة زمنية طويلة نوعًا ما.. ومن ذلك مثلاً مطابع (مصر) و(قارون) و(صادق / الإنذار) و(المجلة الجديدة والمصري) و(المفتاح) و(المحيط) و(رعمسيس) و(جريدة عنوان السلام) و(التوفيق) و(عين شمس) و(الكرمة) و(الشمس).
* ومن بين الأقباط برز عدد من الصحفيين والصحفيات الذين أسهموا بنصيب وافر في إثراء النشاط الصحفي خلال فترة الدراسة والبحث، حيث اتخذوا من الصحافة مهنة لهم واهتموا بإصدار الصحف على مختلف أشكالها ومضامينها.
نذكر منهم (ميخائيل عبد السيد- جندي إبراهيم- تادرس شنودة المنقبادي- توفيق عزوز- عوض واصف- ملكة سعد- توفيق حبيب- رمزي تادرس- سلامة موسى- ميخائيل بشارة داود- بلسم عبد الملك- فرج سليمان فؤاد..) وآخرون.
* فتحت صحف الأقباط صفحاتها لكل المصريين.. من أقباط ومسلمين بل ولكُتاب من جنسيات أخرى، إذ لم يقتصر كُتاب تلك الصحف، بل وقرائها أيضًا على الأقباط وحدهم. مما يؤكد ذلك أن صحافة الأقباط هي صحف مصرية أولاً وأخيرًا فقد أصدرها مصريون وليقرؤها مصريون حتى وإن كانت لبعض هذه الصحف بعض الخصوصية في اهتماماتها أو في معالجتها لبعض القضايا.
* اشترك بعض الأقباط مع بعض مواطنيهم المسلمين وأصدقائهم الشوام في إصدار بعض الصحف، ومن ذلك مثلاً أن توفيق عزوز قد اشترك مع صديقه أمين شدياق في إصدار جريدة (الشرق) سنة1896م، كما اشترك حنا سرور سيدهم مع صديقيه نجيب كرم وعز الدين صالح في إصدار جريدة (الإقدام) سنة 1908م، وتوفيق حبيب مع حبيب جاماتى في إصدار صحيفة (فرعون) سنة 1930م..
* وفيما يتعلق بموقف صحافة الأقباط من بعض قضايا المجتمع المصري والتي برزت خلال الفترة محل الدراسة والبحث، فقد تناولت هذه الدراسة موقف صحف الأقباط العامة من القضية الوطنية ذلك إلى جانب موقف صحف (الوطن - مصر - المحيط - رعمسيس) - كنماذج/ عينة- من قضايا (التعليم وتحرير المرأة والعمل الأهلي الخيري) حيث انقسمت كل قضية بدورها إلى عدد من القضايا الفرعية.
- ولقد كان للقضية الوطنية الاهتمام الأول على سائر القضايا الأخرى، حيث الموقف من الاحتلال البريطاني وطلب الاستقلال والدستور والأحزاب السياسية.. الخ، وذلك منذ أواخر القرن التاسع عشر حيث إنها احتلت موقع الصدارة على صفحات الصحف المصرية العامة عمومًا لا سيما وأنها كانت تمثل الشغل الشاغل لكُتّاب وصحفيي تلك الفترة.
اهتمت صحف الدراسة / النماذج / العينة، وهي صحف (الوطن - مصر - المحيط - رعمسيس) بقضايا التعليم وتحرير المرأة والعمل الأهلي الخيري، كنماذج من أبرز القضايا الاجتماعية التي شهدتها فترة الدراسة.
- فقد اهتمت تلك الصحف بقضية التعليم باعتبارها قضية وطنية اهتم بها المثقفون المصريون آنذاك.. فمن جانب كان هذا الاهتمام بمثابة رد فعل على سياسة الاحتلال البريطاني التعليمية الذي عمل على نجلزة التعليم بإتباعه لسياسة التقتير في تعليم المصريين وجعل التعليم قاصرًا على الإعداد للوظائف.. ومن جانب آخر فقد آمن البعض بأهمية التعليم وضرورة نشره بين الناس من أجل تقدم الأمة وترقيتها ولكي ما تضارع الأمم الراقية.
وفي قضية التعليم برزت عدة قضايا فرعية هي (أهمية التعليم وضرورة تعميمه، إنشاء الكتاتيب لنشر التعليم الأولى، التعليم الأهلي / الحر، الجامعة ونشر التعليم العالي، التعليم العملي، الحفاظ على اللغة العربية، تعليم الدين المسيحي في المدارس).
حيث أجمعت كتابات صحف الدراسة على أهمية التعليم وضرورة تعميمه بين المصريين تحقيقًا لنهضة المجتمع ورقي أبنائه. ورحبت كذلك -وخصوصًا حتى بدايات القرن العشرين- بإنشاء الكتاتيب من أجل نشر التعليم واتساع قاعدته بين الجميع.
كما أبدت اهتمامها بالتعليم الأهلي الحُر حيث انتقدت حالة المدارس الأهلية وطرحت عدة أفكار بشأن ترقيتها مثل ضرورة اضطلاع وزارة المعارف بمراقبة هذه المدارس والتفتيش المستمر عليها. واهتمت الصحف المدروسة كذلك بالدعوة إلى نشر التعليم العالي وإنشاء الجامعات بهدف ترقية العقول وتربية الأخلاق.
كما أنها أوضحت أهمية التعليم العملي بأنواعه المختلفة (الزراعي والصناعي والتجاري) نظرًا لحاجة البلاد إليه وعدم إمكانية الاستغناء عنه، بالإضافة إلى دوره المهم في تحقيق الاستقلال الاقتصادي للبلاد.
وطالبت بحماية اللغة العربية لأنها لغة البلاد الأساسية التي يجب إتقانها جيدًا. وثمة اختلاف ظهر هنا بخصوص تعليم الدين المسيحي في المدارس ففي الوقت الذي رحبت فيه جريدتا (الوطن) و(مصر) بتعليمه في المدارس، رأت مجلتا (المحيط) و(رعمسيس) أفضلية الاهتمام بالتربية الأخلاقية -عوضًا عن الدين- لكل شبان المدارس على اختلاف أديانهم.
- كما كان هناك اهتمام واضح بقضية تحرير المرأة وترقيتها، لا سيما وأنه ظهر تيار قوى بين المصريين يدعو إلى ترقية المرأة المصرية، حيث كان لهذا التيار جذور راسخة تعود إلى نهايات القرن الثامن عشر وطوال القرن التاسع عشر.
فقد ترسخ هذا التيار بفضل الاحتكاك بالأجانب مع قدوم الحملة الفرنسية، والتعامل أيضًا مع نساء الأتراك والنساء الشاميات، بالإضافة إلى عودة بعض المبعوثين المصريين من البعثات العلمية لأوروبا بأنماط وقيم اجتماعية تساند تحرير المرأة، وكذا تأسيس الإرساليات التبشيرية لمدارس البنات.. ومن ثم فقد تكون رأي مصري يؤمن بقيمة المرأة في الهيئة الاجتماعية عامة وفي العائلة (الأسرة) على وجه الخصوص. وقد ظهرت هنا قضايا فرعية هي (تعليم البنات، المساواة بين المرأة والرجل، حقوق المرأة المدنية والسياسية)
وهنا اتفقت كتابات صحف الدراسة على أهمية تعليم البنات -وعلى وجه الخصوص التعليم العملي منه- من أجل ارتقاء العائلة، ولمناسبة مثل هذا النوع من التعليم للمرأة في ذلك الوقت.
وأكدت هذه الصحف فكرة المساواة بين الرجل والمرأة إذ أنها رفضت تفضيل الرجل عليها، مؤكدة أن كلاً منهما متمم للآخر ولازم له.
- أيضًا فقد برزت قضية العمل الأهلي الخيري، حيث ذلك الاهتمام بتلك الجهود الأهلية / الشعبية التي تهدف إلى مساعدة المحتاجين والفقراء، وبالتالي تلبية احتياجات اجتماعية لم تكن السلطة الحاكمة تستطيع تلبيتها بمفردها.
وقد توصل الباحث في دراسته هنا إلى نتيجة أخرى مهمة وهي أن الأقباط قد شاركوا في إثراء الصحافة المصرية -سواء كصحفيين أو كملاك للصحف، كمواطنين مصريين- شأنهم في ذلك شأن مواطنيهم وإخوانهم المسلمين، وأن صحف الأقباط هي أولاً وأخيرًا صحفًا مصرية أصدرها مصريون ليقرؤها مصريون أيضًا.. فقد تفاعلت صحف الأقباط وصحفييها مع كافة قضايا المجتمع المصري، وهو الأمر الذي تجلى لنا بوضوح سواء في القضية الوطنية أو في قضايا التعليم وتحرير المرأة والعمل الأهلي، إذ لم يعش الأقباط في جزيرة منعزلة بل لقد انخرطوا في نسيج المجتمع المصري متأثرين بظروفه ومشاركين في همومه. |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|