CET 00:00:00 - 09/09/2009

مساحة رأي

بقلم: القس رفعت فكري
في المقال السابق كتبت عن حتمية تجديد الخطاب الديني وقلت إنه حتى يسهم الخطاب الديني في صناعة أصدقاء للإنسانية والحضارة يجب أن يتسم بالآتي :-
أولاً :- يجب أن يؤكد الخطاب الديني على مبدأ التنوع الخلاق في المجتمع وأن يدعو لمبدأ الحوار بين مختلف الطوائف والتيارات.
ثانيا ً:- يجب أن يدعم الخطاب الديني ثقافة التسامح واللطف وينبذ ثقافة الإرهاب والعنف, فلا يجوز أبداً إرهاب المبدعين بوعيد العقاب وسوء المآب .
ثالثاً :- يجب أن يخلو الخطاب الديني من السخرية والهزء من معتقدات وإيمانيات الآخرين.
رابعاً :- بات من اللازم أن يتصالح الخطاب الديني مع التفكير العلمي .

وفي هذا المقال نستكمل بقية الأمور التي يحتاجها الخطاب الديني العربي اليوم حتي يتماشى ويتفاعل مع حضارة القرن الحادي والعشرين.
خامساً :- من المحتم أن يخلو الخطاب الديني من نبرة التعصب حيث أن التعصب بالكلام هو أول درجات التعصب, والإيمان المبني على التعصب هو الذي يفضي إلى جميع أشكال التمييز الديني, وبنظرة واقعية لما نعاني منه في عالمنا العربي وفي مصرنا الغالية يتضح لنا أن التعصب الأعمى المقيت أصبح مسيطراً بقوة على القيادات الدينية , وبالعودة إلى القرون الغابرة عصور الرجعية الفكرية نجد أن الإيمان المتعصب هو الذي ساد في العصور المظلمة , عصور التخلف واللاعقلانية , ومشكلة المتعصب الرئيسية إنه يظن إنه بمفرده يمتلك الحقيقة المطلقة الكلية والوحيدة , وهذا التفكير يستند أساساً على إلغاء العقل والتفكير العقلاني , لقد تناسى المتعصبون – في كافة الأديان والمذاهب – إن الله سبحانه هو وحده الحق المطلق, والحقيقة في غير الله نسبية وليست مطلقة وهو جل جلاله أكبر من أن يمتلكه إنسان, وأسمى من أن يحتكره دين, وأعظم من أن يحتويه مذهب, ومن هنا وجب على كل متعصب ورافض للآخر المغاير أن يتخلى عن تعصبه الأعمى وأن يتحلى بالتسامح, ويبني إيمانه على العقل وليس على النقل, فيقبل مبدأ التعددية ويقر بالتنوع الخلاق, ويحيا بموجب قيم التسامح الاجتماعي التي تؤسس لقبول المغايرة, فالتعددية ثراء والتنوع غنى, والعصفور الواحد لايصنع ربيعاً والزهرة الواحدة لاتصنع بستاناً  .

سادساً :- يجب ألا يكون الخطاب الديني متحجراً على أصل تأويلي بعينه ويرفض وضع هذا الأصل موضع المساءلة ويحرم مناقشته , بل يجب على كل من يقوم بتفسير النصوص الدينية أن يتحرر من تعصبه ويعترف بأن هناك تأويلات أخرى ومن ثم يجب عدم إلغاء الآخر المختلف في التأويل أو فصله أو شلحه أو تجريمه بما ينزله منزلة المخطئ أو الكافر الذي يستحق الاستئصال المعنوي والمادي , فالأصوليون وحدهم هم الذين يتوهمون إنهم وحدهم الفرقة الصحيحة المستقيمة الرأي التي تحتكر الحقيقة والرأي الصواب وكل مختلف عنهم أو مخالف لهم يعتبر ضمن الهراطقة ولهو في هوة الفرق الضالة والمضللة التي لا مصير لها سوى النار. أما الناضجون وغير المتعصبين فهم الذين يقولون للمغايرين لهم لنتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه !!.

سابعاً :- يجب أن يتحرر الخطاب الديني من الانحياز للميراث التقليدي الاتباعي وخصوصاً المتشدد, فلا يجوز إهمال الميراث العقلاني الفلسفي, ولا يجوز إقصاء الميراثات المغايرة لها في المنحى والمخالفة لها في الاتجاه, بل يجب أن يكون الخطاب الديني منفتحاً مفكراً لا منغلقاً مكفراً !!

ثامناً :- بات من المهم أن يتصالح الخطاب الديني مع المستقبل, وكيف له أن يتصالح مع المستقبل وهو لايزال في مخاصمة حتى مع الحاضر؟!!  إن الخطاب الديني لايزال غارقاً في الماضي السحيق البعيد حيث ركوب الدواب وبول البعير وجناح الذبابة, وحيث القصص والحكايات والروايات التي عفا عليها الزمن منذ زمن !!
 إن الأمة العربية في أزمة حقيقية والسبب في كل هذا, إن الزمان عند العرب يسير من الماضي إلى المستقبل ولذلك فالرؤية دائماً ماضوية, بينما في العالم المتحضر فإن الزمان يسير في الاتجاه الصحيح من المستقبل إلى الماضي ولذلك فإن الرؤية دائما مستقبلية, ومن هنا فلاغرابة من تقدم الغرب وتحضره. وهل لأمة أن تتقدم وهي مثبتة أنظارها صوب الماضي بينما العالم المتقدم يركض ويتقدم بثبات نحو المستقبل؟!!

تاسعاً :- إننا في حاجة ماسة إلى خطاب ديني يتلامس مع الواقع المعاش ويناقش قضايا الناس اليومية والحياتية, ومن هنا لابد أن يؤكد الخطاب الديني على أن  الحياة – وليس الموت -  في سبيل الله هي الجهاد الحقيقي . إن الجهاد الحقيقي هو إصلاح أنفسنا من دواخلنا بإيجاد ديمقراطية حقيقية واحترام لحقوق الإنسان في عالمنا العربي . الجهاد الحقيقي هو تطوير التعليم ومحاربة الجهل والأمية, وهو الصدق مع الله والنفس, إن الجهاد الحقيقي ليس في تقتيل الأطفال وترويع الآمنين وتفجير البشر وترميل النساء,  ولكن الجهاد الحقيقي هو مواجهة العدو بجيوشه المستعمرة وجنوده وقواته المسلحة ومعسكراته المدججة بالسلاح ليس بغرس ثقافة الموت ولكن بحب الحياة وبالعلم وبالتقدم وبالاستنارة, إننا نحتاج في عالمنا العربي إلى خطاب ديني يدعو إلى الجهاد السياسي الذي دعا إليه العالم المصري الجليل الدكتور أحمد زويل, فالجهاد السياسي هو الجهاد الحق الذي يعمل لأجل إيقاف الظلم والظلمة وهذا ما يرضي الله بالفعل, فالله هو العادل المحب للعدل, والجهاد السياسي يعمل على خير العباد والبلاد وبالجهاد السياسي يمكننا رد كل مسلوب وكل مغتصب .
 
 وختاماً .... إننا نريد خطاباً دينياً موضوعياً معتدلاً, مرسخاً لقيم الحب والتسامح, رافضاً لنشر ثقافة الإرهاب والعنف, نريد خطاباً نابذاً للفرقة والتعصب داعياً لقبول الآخر المغاير واحترامه, نريد خطاباً متسامحاً يدعو للحوار مع الآخر المختلف بدلاً من رفضه وتجنبه, إننا نريد لمن يستمع للخطاب الديني أن يكون بعد سماعه له مفكراً لا مكفراً, وأن يكون صديقاً للإنسانية وللحضارة وليس عدواً لهما .... فهل من مجيب ؟!!

راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا مصر
refaatfikry@hotmail.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق