القمص اثناسيوس فهمي جورج
يتبادل الناس في ساحات الشبكات الرقمية ، المعلومات والحوارات والأخبار والصور والآراء والأفكار ، في تواصل واسع ؛ لو أُحْسِن توظيفه لَصَار في خدمة الأسرة البشرية ، ليس فقط على المستوى المعلوماتي ؛ بل في شركة الحياة ذاتها ، وفي اعلان الاخبار السارة لشعوب وامم قابعة في العدم .

لذلك كل مسيحي مدعو أن يشارك بمعقولية واتزان كي يوظف هذه الشبكات من أجل بنائه ؛ عبر صداقات وتبادل معارف تبني ، لتصير هذه النافذة (كنيسة كونية) كبيرة ؛ ومنبرًا للتواصل الإيجابي في التعليم ؛ وتبادل الخبرات والتنوير ، الذﻱ يغذﻱ ويُثرﻱ تطلعات دعوتنا العليا كمسيحيين ، إذ الضرورة موضوعة علينا ، لنَشْر البشارة الإنجيلية ؛ والشهادة الحتمية وسط ثقافات هذا العالم الإلكتروني.

لعل نَضْح هذه الساحات التواصلية بنبض الروح الإلهي ، يؤسس لكرازة رقمية عالمية ، إذا أحْسَنّا توظيف تقنيتها وفضائها العالمي الفسيح الطرقات ، فيطرق فيه مسيحنا قارعًا على أبواب القلوب ، حتى يدخل ويتعشى ويقيم عندنا وفينا. مظهرين أصالتنا المسيحية فيما نضعه ونتبادله من صور وفكر وأقوال واخبار وتعليقات ، نعبِّر بها عن إيماننا وهدف عيشتنا ورسالتنا وسلوكنا الحق ، وعن غنَى خبرة إنجيلنا اللا متناهي ، بطرق حية مقنعة ؛ تلمس الأفئدة والعقول ، فتتوافق الكلمة المكتوبة مع هذه البيئة الرقمية ، متزامنة مع نشر الأيقونات والرمزيات والفنون والعظات والتعليقات والقناعات والردود التي تمثل أبواب الحقيقة ونوافذ الإيمان ؛ مالئة فسحات متسعة في مجال الكرازة بإنجيل الخلاص ؛ وسط جيل هذه هي وسائله ولغته.

يمكننا أن نجعل أمثال المسيح له المجد وتطويباته وتعليمه الإلهي وحياته ومعجزاته وبشارته المفرحة ، فعلاً جامعًا للخليقة كلها ، وبكل لغات التواصل الرقمي ؛ حتى تمثل واقعًا يوميًا للبشر ، ورسالة موصولة تنتقل من العالم الافتراضي إلى واقع متفاعل واسع ، غير مُسْتَحِين من إنجيل خلاصنا وفخر صليبنا وهوِيّتنا ؛ كأبناء وورثة للوطن السماوﻱ. مستخدمين تقليدنا الكتابي والتفسيرﻱ والوعظي والآبائي والتاريخي والأدبي ، كشهادة هامة ومناسبة لمعطيات مقتضيات العصر. (أنتم شهود لي) في الفيس بوك Facebook وتويتر Twitter واليوتيوب YouTube والواتس أﭖ What’s app.

نستخدمها لنكون مواكبين ومتماشِين مع وسائل العصر ووسائطه ، كي نقدم غنانا نورًا وملحًا وسفارة وشهادة ، وكي لا نطمر وزناتنا وميراثنا الفاخر ، بل نُمَسْحِنها بواسطة هذه الاستراتيجيات الإقناعية الحُجَّة ، والتي لا بديل عنها في خيارات وأبواق هذا الجيل.

فلننخرط إذن بصبر ووعي لمجاوبة كل من يسألنا عن سبب الرجاء الذﻱ فينا ، وسط عشوائية فكرية ؛ لمصادر كثيرة لا تقع تحت حصر ، بلبلت وعقدت المعطلات وزادت من كسوف الأخلاقيات الروحية ، شارحين مقاصد كلمة الله الحية والفعالة والأمضَى من كل سيف ذﻱ حدين... كلمة ثابتة مشبعة لا تتغير ولا تزول ، متخطية أﻱ ضمان تحمله الوسائل البشرية ، متذكرين إيليا النبي في هذا الإطار مميزين لصوت الله ؛ لا في الرياح والعواصف العاتية ، ولا في الزلزال أو النار فقط ، بل في صوت نَسِيمٍ رَقِيقٍ (١مل ١٩ : ١١) حيث أن الحقيقة والمعنى نقشها الله نفسه في قلوبنا ؛ وهو الساهر على كلمته ليُجريها.

كم يحتاج الناس إلى Emails يوميًا من الرب يسوع ، ورسائل Messages تذكِّرهم بخلاصهم الكرازﻱ الثمين الذﻱ تمَّ لأجلهم بالمسيح يسوع ، والذﻱ ليس بأحد غيره يخلُصون. لكي وبهذا نرى البشرية والبشر جميعهم في وجه يسوع، الذﻱ نحن مطالبون بأن نقبل انعكاس وجهه الكريم على بشريتنا ، ثم انعكاسه منَّا على الآخرين ، حتى يتسنى لنا أن نراه في وجه كل البشر. ”فنعمل ما دام نهار“ في هذه الكنيسة الكونية ، كما وضع الرب هذه القاعدة (يو ٩ : ٤).

وفي شخص المسيح نخدم الذين يحتاجون إلى خدمتنا ، و قد وحَّد نفسه بهم ، ونحن أيضًا نحسب أنفسنا سفارة على سياجات الشبكة الرقمية ؛ في سوق نتاجر فيه لنربح الملكوت. فكل من لم يشترك بالتجارة في هذا السوق العالمي المفتوح ؛ يكون قد طمر مواهبه ووزناته في هذا الصدد ، وسيخرج منه بنفس خالية الوفاض ؛ لأننا إن ربحنا إخوتنا بكلمات التعزية الانجيلية والابائية الليتورجية والصلاة المشتركة والمنفعة والسير البناءة ؛ نربح الله ، والعكس بالعكس. فإنْ أهلكنا أخانا بخبرات الشر وأخبار الظلمة والملاسنات والعثرات والشكوك والادانة وصور الخلاعة والفناء ، نخطئ إلى المسيح ونفقد الملكوت.

كذلك المجال مفتوح لنشترﻱ الملكوت ليس بالقريب فقط ؛ لأن السوق عام ومختلط ومعقد للجميع ، حتى من غير أهل الإيمان.. لأجل هذا تتطلب خدمتنا مجهودًا وتكريسًا أكثر ، للنفاذ إلى العالم بالكرازة كإشعاعات وخميرة وملح.

ليس معنى ذلك أن الناس في حد ذاتهم هم الذين يعطوننا أو يحرموننا من الملكوت؛ بل المسيح الذﻱ يعطينا إياه من خلال تعاملنا معهم ، وهو سيعطيه إيانا ليس هنا بل في الحياة الأبدية. لذلك لا ينبغي أن نطلب الثمر سريعًا ومنظورًا ؛ وكأننا في حقل منظور ، مؤمنين أننا سنناله في السماء ، حيث نكون بحق فلاحين زارعين في فلاحة الله طالبين الثمر من فوق. أما الذين يطلبون الثمر العاجل والذين يريدون أن ينالوا سريعًا العائد المباشر بالمبادلة مع ما أعطوه ؛ يحتاجون إلى الصبر والمداومة ؛ ليتحقق فيهم قانون الثمر المؤجل والربح غير المنظور ، في خدمة هذه الكنيسة الكونية الرقمية.