د. مينا ملاك عازر
الرئيس السادات كانت له مقولة مأثورة إبان أزمة الشرق الأوسط ومفاوضات السلام، كان وقتها يقول أن تسع وتسعين بالمئة من أوراق اللعبة بيد الأمريكان، كان السادات محقاً وله كل الحق فيما ذهب، بل أن انهيار الاتحاد السوفييتي أدى لتأكيد مقولته ولإثبات حسن فطنته، لكن السؤال الآن إذا كان الرئيس السادات لم يزل على قيد الحياة، هل كان سيبقى عند رؤيته ومقولته أم سيغيرها، تعالوا نرصد بعض ما جرى في الخمس سنوات الأخيرة، وكيف تحولت الأمور بدلائل تجري حولنا تلك الأيام، ربما منا كثيرين لا ينتبهون لها.
 
في السنوات الخمس الأخيرة، لم يهتم الكرملين بنمو الاقتصاد الروسي قدر اهتمامه بتعزيز نفوذ روسيا الجيوسياسي، ولنعد إلى عام 2014 فعقب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وتدخلها العسكري في شرقي أوكرانيا، بدت موسكو - التي فرض الغرب عليها عقوبات اقتصادية - معزولة ومنبوذة.
 
وتسابق الزعماء الغربيون لانتقاد الرئيس بوتين، وكانوا على ثقة بأن انتقاداتهم والضغط الذي تتسبب فيه العقوبات على الكرملين ستغير سلوك الحكومة الروسية، وبلغ الأمر بالرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما الاستخفاف بروسيا ووصفها بأنها مجرد قوة إقليمية، الأمر الذي أغضب الروس الذين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم قوة كبرى سابقة على الأقل.
 
والآن تتنافس روسيا من أجل الحصول على نفوذ عالمي، فقد تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة في عام 2016 لصالح دونالد ترامب، حسب ما تقول أجهزة الاستخبارات الأمريكية، كما تسعى إلى توسيع نفوذها في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وتستغل الانقسامات في أوروبا لمصلحتها.
 
التحول في النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط يعد تحولاً صارخاً، فبعد سنوات أربع من إطلاق موسكو لعمليتها العسكرية في سوريا، نرى موسكو تستحوذ على الدور القيادي الذي كانت تضطلع به واشنطن في المنطقة، ففي غضون أيام معدودة فقط، تحدث الرئيس بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان ودعاه لزيارة موسكو، وتحدث أيضا مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حيث ناقشا قضايا أمنية، كما قام بزيارتين للسعودية ودولة الإمارات.
 
كل هذه الأمور تشير إلى تنامي الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، تصف صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" الروسية الشعبية التغييرات الجارية كما يلي:
 
"الوضع الحالي في الشرق الأوسط لم يكن متصوراً في زمن هنري كيسنجر ونظريته حول "لعبة الشطرنج الجيوسياسية العالمية". فقد فقد العملاق الأمريكي طريقه في وضح النهار، بينما تمسكت الدبلوماسية الروسية بخيوط اللعبة".
 
ومضت الصحيفة للقول "تلعب روسيا الآن دور الوسيط الدولي وصاحب النفوذ، ولن تستطيع أي من القوى الإقليمية أن تتجاهل الدور الروسي".
 
دعك صديقي القارئ، مما تروجه الصحيفة الروسية، فربما هي عليها ضغوط ولها مآرب، وتطبل لزعيمها مثل الكثير من الصحف في بلدان العالم الثالث، ولنتابع المقال القادم -بإذن الله- بعض الأمور لنتأكد إن كان الرئيس السادات سيبقى عند مقولته أم سيغيرها.
المختصر المفيد السياسة فن، فهل تتقنوه؟