بقلم: أكرم هارون
الإنتماء للوطن ليس شعارات أو هتافات تدوي بها الحناجر، وليس بصيحات تعلو في الأرجاء المحيطة من حولنا، الإنتماء للوطن ليس بكلمات نرددها في المناسبات الوطنية وذكريات الإنتصارات السابقة، ليس خطابات منمقة الكلمات رصينة اللغويات، الإنتماء للوطن ليس بأغاني وطنية نرددها ويحلو لنا سماعها والإنصات اليها أومشاهدتها (كلما جال بذاكراتنا أصداء الإنتصارات في المجالات المختلفة أوحققنا إنتصارًا حاليًا رياضيًا أو ثقافيًا)، ليس بكلمة رنانة نُدَغدِغ بها عواطف الناس ومشاعرهم دون أهداف نبيلة واضحة نضعها نصب أعيننا لرفعة وطننا وبالتالي (إزدهار وخير) شعبه.
إن الإنتماء الحقيقي للوطن هو حياة معاشة نمارسها في سلوكنا مع جميع من نقابلهم في محيط حياتنا مع الغني والفقير، مع ذو الجاه والمنصب ولو كان وزيرًا، ومع الإنسان البسيط إن كان غفيرًا، مع الإشتراكي والديمقراطي والماركسي، مع معتنقي فكر الحزب الوطني وحزب التجمع وحزب الغد ........، مع المسلم والمسيحي والبهائي واللا ديني.
الإنتماء للوطن هو رغبة أصيلة من داخلنا ومسيطرة علي أعماق نفوسنا لعلو وطننا وسموه وتقدمه نحو الأفضل، تشحذ هُممنا لإخراج أقصى مانستطيع في أعمالنا لزيادة الإنتاج وإعلاء شأن مصر.
الإنتماء الحقيقي للوطن هو الإنتصار للحق ومبادئ الحرية والمساواة، والعدالة هي مساندة حقوق الإنسان في أي مجال من المجالات.
إن الإنتماء للوطن هو إعلاء شأن سيادة القانون على جميع أفراد الشعب سواسية بدون مجاملات أو استخدامات سيئة للسلطة وإستغلال للنفوذ بغرض تغليب مصلحة فردية علي مصلحة عامة أو حتى تغليب مصلحة فردية علي أخرى مثلها.
انني أستطيع أن أصوغ تعريفًا لشعور وإحساس الإنتماء للوطن مماسبق كالآتي:
هو رغبة أصيلة في النفس مقترنة بحياة وسلوكيات معاشة تحكمها وتقودها مبادئ الحرية والعدالة وحقوق الإنسان نحو تقدم ورفعة الوطن، في ظل القانون المطبق سواسية علي الشعب ومبادئ القانون الدولي.
في هذه الأيام الحالية نجد شعور الإنتماء للوطن الغالي مصر يسيطر علي عقولنا ونفوسنا وأرواحنا؛ بسبب مباراتي مصر مع الجزائر السابقة والتالية الفاصلة بينهما في التأهل لنهائيات كأس العالم، إنه شعور نفيس وإحساس عظيم، كم إمتلىء كل كياني بالسعادة الطاغية وانا أجد هذا الإلتفاف العفوي من جميع الناس حول "منتخب مصر الوطني" سواء مشجعون لكرة القدم أو لا يعرفونها علي الإطلاق ولا يدركون لوائحها وقوانينها ( لقد ذاب المصري في أخيه المصري)، المصري الحكومي في المصري المعارض، والمصري المسلم في المصري المسيحي، والمصري الغني في المصري الفقير، لقد كان شعار الكل "تحيا مصر" لدعم ومؤزارة منتخبنا في مواجهته الرياضية مع الجزائر.
لقد وجدت نفسي لا إراديًا أُغير من (بروفيل) profile الخاص بي علي الفيس بوك من صورتي لوضع علم مصر مكانها وبصورة عفوية أدعو أصحابي وزملائي كي يسلكوا ذات السلوك، وأيضًا وجدتُ نفسي بصورة عفوية أشتري أعلامًا لأضعها على سيارتي وفي شرفة منزلي، وجدت نفسي أدعو لربي وإلهي متضرعًا لنصرة فريق بلدي، حتي في أشد اللحظات سوادًا وقبل إحراز هدف الأمل في نهاية المباراة أيضًا نزلت إلي الشارع بعد إنتهاء المباراة لأسعد بإحتفالات أبناء بلدي من كافة التوجهات السياسية والإقتصادية والدينية والإجتماعية في الشوارع.
لم افعل ذلك بمفردي وإنما فعل مثلي كل أبناء الوطن وفعلوا أكثر من ذلك بدافع لديهم من الإنتماء الحقيقي لمصر، لم نشهد مثل هذا الإلتفاف حول مصر ونصرتها منذ فترة طويلة قد يقول قائل إن هذا الإلتفاف حول مصر ظهر معنا في نهائيات كاس الأمم الإفريقية العام الماضي -هذا صحيح- لكن مايميزه هذه المرة أنه أكثر توهجًا في أعداد الناس ومظاهر إنتماءهم، بل الأكثر هو الإيمان الراسخ لدى معظم المصريين قبل إنطلاق المبارة الصعبة في ضغوطها وخياراتها يوم 14 نوفمبر بالفوز الأكيد.
وأجد نفسي معلقًا علي بعض أصوات غير واعية أو مدركة لمدى جمال هذا التفاعل والتناغم بين أفراد الشعب في هذه الملحمة من بعض المصريين:
1- إستنكر بعض المسيحين المصريين في جلساتهم الخاصة أو علي مواقع الإنترنت إعلان مبادرة الصلاة بالكنائس من أجل وصول مصر لكاس العالم، والتي إنطلقت من الكنائس الثلاث الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية، وهولاء الرافضين سواء بدعوة أنه لا يليق أن نطلب من الهنا نصرة فريق كرة القدم، أو الرافضين بدعوات طائفية تُمزق ولا تُوحد جموع الشعب، أو بدعوة أن للمسيحين مشاكل أهم وأعمق وما جدوى هذا؟
2- أخاطبهم وأقول لهم:
- ما العيب أو المشكلة في صلاتنا لإلهنا لنصرة فريقنا لكرة القدم؟ لا أجد حرجا في ذلك ولماذا لا؟ ولماذا الغلو في الأمور وتحميلها بما ليس لها؟!
- إن دعواتكم بعدم الإهتمام بالأمر على أساس أن فريق الكرة ليس به مسيحي واحد دعوة طائفية مرفوضة بتعاليم الرب يسوع المسيح، كما أن الكرة توحد الأديان ولا تفرقها، وفي الأساس أن المنتخب يلعب بإسم مصر الوطن وليس مصر الدين وكون أن أفراد المنتخب المصري يطلق عليهم(الساجدين) فما المشكلة فهم ساجدون إلي الله الحق والعدل الذي نعبده جميعًا ونسجد له جميعًا وإن إختلفت معتقداتنا، ولا أعتقد أنه عند وصول فريقنا لهدفه وهو (التأهل لنهائيات كأس العالم) سيقوم الإعلام المصري أو مسئولي الكرة بصبغ الفريق صبغة دينية أحادية إسلامية، (وإن فعل بعض قلة مثل هذا) فلنواجههم ونقول لهم حينها فريقنا هو فريق مصر كلها ولنصحح هذه المفاهيم.
- أما الإدعاء بأننا كمسيحين لدينا مشاكل أهم وأكبر وأعمق من مبارة كرة قدم..أقول: لماذا نرفض الإلتفاف حول شيء وَحَدَ المصريين جميعًا؟!، إن التفافنا حول مصر يعمق شعورنا بالإنتماء ويساعد علي هدم مشاعر التعصب والجهل والتطرف لدى هؤلاء من يفرقون ولا يوحدون من الجهلاء المتطرفين، وماذا سوف يَضُرنا إن إنضممنا لهذا الشعور الوطني العظيم؟!
3- إعتبر الداعية الإسلامي صفوت حجازي أن صلاة المسلمين إلي الله من أجل إحراز هدفًا في مرمى المنتخب الجزائري حرام، وأن الصلاة من أجل كرة القدم لا تجوز لأنها لعبة.
لن أرد عليه من الدين لأنه بالتأكيد يفهم الكثير عني، ولكني أسأله لماذا يوجد دعاة آخرين كثيرون لا يتفقون معك في هذا الأمر يا دكتور.
4- بعض المصريين يرون أننا غير ناجحون سياسيًا أو اقتصاديًا أوعلميًا أو ثقافيًا وإننا في أشد حالات التخلف فماذا سيفيدنا نجاحنا رياضيًا؟
ولهم أقول: وإن كان كل هذا الفشل والمرارة لدينا في كل هذه المجالات فلماذا لا نفرح أننا حققنا نجاحا رياضيًا؟ الذي إن تحقق لنا فهو نتيجة حتمية لتوهج وإشتعال قلوبنا وعقولنا بالإنتماء لبلادنا الغالية مصر.
ختامًا ..... فلنترك لأنفسنا العنان للتعايش مع هذه المشاعر المليئة بالحب والإنتماء لوطننا الحبيب حتى نحقق النصر في مباراة الحسم الأربعاء 18 نوفمبر متجهين بقلوبنا وعقولنا مسلمين ومسيحين إلي الله الواحد الذي نعبده جميعا كي يمنح لاعبينا النصر الغالي، ثم نضع فكرة بسيطة أمامنا .. ماذا بعد مبارة مصر والجزائر ......هل تكون إنطلاقة لبعث مشاعر الإنتماء في أنفسنا وتوهج جذوة الحب لمصرنا؟ أم تخمد المشاعر وتنطفئ العواطف، الإنتماء يجب أن يكون منهج حياة وليس جذوة حماس مؤقتة.