د.م/ محمد منير مجاهد

فعلها المصريون مرة ثانية واستطاعوا في أقل من ثلاثين شهرا أن يعزلوا رئيس الجمهورية بعد خروج مذهل إلى الشوارع قيل أنه الأضخم في التاريخ، ليس فقط تاريخنا المصري ولكن أيضا في تاريخ العالم، ومع مظاهر الفرحة العارمة التي تغمر المصريين على إنجازهم هذا في الموجة الثانية من ثورتهم لتأسيس دولتهم المدنية الحديثة، لا يجب أن نغمض أعيننا عن أخطار حقيقية تحيق بالثورة وتجعلنا نكرر نفس الأخطاء أو بالأحرى الخطايا التي وقعت في الموجة الأولى للثورة في 25 يناير 2011.

ففي المرة الأولى وبسبب افتقار قوى الثورة للتنظيم تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أمور البلاد بتكليف من الرئيس المخلوع الأول حسني مبارك وبهدف وحيد هو الحفاظ على جوهر النظام حتى ولو تطلب الأمر التضحية برأس النظام وبعض أتباعه، وفي سبيل هذا اصطفى المجلس العسكري اليمين المتسربل بالدين ممثلا في الإخوان المسلمين والسلفيين والمؤلفة قلوبهم من أحزاب تدور في فلك الإخوان، وقد نتج عن هذا اتباع نفس خارطة الطريق التي اقترحها مبارك والمتمثلة في تعديلات دستورية محدودة كان قد شكل لجنة قانونية لإنجاز هذا الهدف قام المجلس العسكري بإعادة تشكيلها برئاسة المستشار طارق البشري، لتدخلنا في مسار مضطرب انتهى بسيطرة الإخوان وحلفائهم  على سلطات الدولة وصياغة دستور رديء في المحتوى والصياغة اللغوية.

والآن وبعد ثورة شعبية كاسحة في 30 يونيو 2013 نجد القيادة العامة للقوات المسلحة تتدخل لنفس الهدف وهو الحفاظ على جوهر النظام، وأيضا الحفاظ على مصالح الجيش، حتى لو تطلب الأمر التضحية برأس النظام وهو ما حدث بعزل محمد مرسي مع السير على نفس خارطة الطريق التي كان قد اقترحها في خطابه الأخير في 2 يوليو 2013، وقال أنها مبادرة تقدمت بها بعض الأحزاب وتتضمن إصلاحات في جوانب عدة، وأن أحزاب المعارضة (جبهة الإنقاذ) رفضتها، واستعرض مرسي ما تضمنت المبادرة من بنود منها: 1) تغيير حكومة هشام قنديل وتشكيل حكومة ائتلافية من الطيف الوطني، 2) وتشكيل لجنة قانونية مستقلة متوازنة لإعداد المواد الدستورية، وأوضح أنها تتضمن 3) أن تنتهي المحكمة الدستورية من قانون الانتخابات لإقراره، مشيرا إلى أنها تضمنت أيضا 4) حل موضوع النائب العام من خلال الإطار القانوني، مبينا أنه جرى حل هذا الأمر (بحكم محكمة النقض)، ولفت مرسي إلى أن المبادرة تتضمن أيضا 5) الاتفاق على إجراء انتخابات في ظل الشرعية الدستورية القائمة وإحداث نوع من التهدئة حتى تتم هذه الانتخابات، وذكر أن المبادرة تتضمن أيضا 6) تمكين الشباب المصري ليكونوا شركاء حقيقين في القرار بتفاصيله، إضافة إلى 7) تكوين اللجنة العليا للمصالحة وترتيبها في كل الاتجاهات، 8) ووضع ميثاق شرف إعلامي.

وطبقا للقيادي السلفي ياسر برهامي فإن "ما طرحه الدكتور محمد مرسى فى خطابه هو نفس عناصر مبادرة حزب النور التى تقدموا بها فى الشهور الماضية" (مجلة الشباب 3/7/2013)، ويبدو أن القيادة العامة للقوات المسلحة تنوي الاستمرار في تديين المجال العام وهو ما تجلى في التشاور مع شيخ الأزهر والبابا تاوضروس الثاني وتمثيل الدعوة السلفية وهو ما سمح – على ما يبدو – بإدخال تعديلات على خارطة الطريق المقترحة من القوى الوطنية، فطبقا لجريدة الأهرام (4 يوليو 2013) فإن السبب وراء تأخير إذاعة البيان الفريق أول عبد الفتاح السيسي هو خلاف مع حزب النور، الذي كان يصر علي عدم تعطيل الدستور, حرصا منه علي بقاء النصوص الخاصة بالشريعة الإسلامية، إلا أنه تم الاتفاق في نهاية الأمر علي تعطيل العمل بالدستور مؤقتا.

وقد اشتملت خارطة الطريق التي أعلنها الفريق أول عبد الفتاح السيسي على الآتي:
o تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت .
o يؤدى رئيس المحكمة الدستورية العليـا اليميـن أمام الجمعية العامة للمحكمة .
o إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيساً جديداً .
o لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية
o تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية .
o تشكيل لجنة تضم كافة الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذى تم تعطيله مؤقتاً .
o مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء فى إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية .
o وضع ميثاق شرف إعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن .
o اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكون شريكاً فى القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة .
o    تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات.
وباستثناء الأربعة بنود الأولى من هذه المبادرة المتعلقة باستبدال رئيس المحكمة الدستورية بالرئيس مرسي فإن بقية عناصر هذه المبادرة تتفق وبالترتيب مع مبادرة حزب النور التي تبناها الرئيس مرسي.

دستور الإخوان والسلفيين والذي تباهي الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية والقيادي بحزب النور، بأن "الدستور الجديد به قيود كاملة لم توجد قبل ذلك في أي دستور مصري"، هو دستور معيب ومشوه من حيث المتن والصياغة، وهو غير قابل للإصلاح أو التعديل، لهذا فإن القرار بـ "تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت" وتعديل بعض المواد ثم إعادة تفعيله هو حفاظ من حيث الجوهر على الدولة الدينية التي حاول الإخوان والسلفيين فرضها على المصريين والتي أدت لمذابح ضد غير المسلمين السنة (مسيحيين – بهائيين – شيعة) والتي تستخدم من قبل فلول الإخوان والسلفيين لتبرير مذابح وجرائم ضد المسلمين الذين قاموا بالثورة.

يقول أهل القانون أن "الثورات تسقط الدساتير" وبعد ثورة شعبية عظيمة كتلك التي حدثت في 30 يونيو فإن الحديث عن تعطيل الدستور لحين تعديل بعض مواده هو خيانة لهذه الثورة، ولا بديل عن وضع دستور جديد يترجم في مواده أهداف الثورة "عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية" ويضع الأساس لدولة مدنية قائمة على أساس المواطنة والمساواة الكاملة بين المواطنين.

من الغريب أن بيان القيادة العامة للقوات المسلحة لم يتضمن لفظ "عزل" الرئيس الإخواني كما لم يتضمن حل مجلس الشورى الذي يحتله الإخوان والسلفيين والمؤلفة قلوبهم والذي قام الرئيس المخلوع الثاني بتعيين ثلث أعضاءه، فضلا عن أن هذا المجلس نفسه لا حاجة إليه وكان يجب ألا يكون من ضمن مؤسساتنا التشريعية لولا أن الإخوان رأوا انه ييسر لهم السيطرة على الصحافة الحكومية، كما لم يتضمن البيان جدول زمني يحدد توقيت كل حدث، ولم يحدد مدى زمني للفترة الانتقالية

الغباء هو أن نكرر ذات الأفعال ونتوقع نتيجة مختلفة، وكي ننطلق إلى المستقبل ولا نكرر العك السياسي الذي فرض علينا في اعقاب الموجة الأولى للثورة علينا أن نبدأ بوضع دستور جديد يعتمد على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وخبرات الدول التي سبقتنا، وتراثنا الدستوري.

يجب علينا أن نسلك الطريق الصحيح هذه المرة .. لابد من دستور جديد.. ولابد أن يكون الدستور أولا.