بقلم : د.هالة  مصطفى
إن الأزمة السورية- التي طال أمدها- وراح ضحيتها آلاف المدنيين في الصراع المسلح والعنيف الدائر بين قوي النظام والمعارضة- تعد نموذجا جديدا صارخا يكمل المشهد السابق إن تلك الأزمة هي جزء من أزمة أكبر تتعلق بمسار الربيع العربي, فالقضية لم تعد في إسقاط الأنظمة الاستبدادية- فهو هدف لا خلاف عليه- وإنما فيما هو آت أي في اليوم اللاحق علي سقوط النظام, بعبارة واحدة في البديل الجاهز للحكم. ففي جميع الحالات السابقة( تونس مصر, ليبيا) كان هناك بديل واحد تقريبا أو فصيل واحد متمثلا في القوي السياسية الاسلامية( إخوان, سلفيين, جهاديين) فضلا عن قبائل وعشائر وغيرها من قوي شديدة التقليدية تثير من الجدل حول مرجعيتها ومنطلقاتها وقدرتها علي استيعاب قيم ومباديء الحرية والديمقراطية والمواطنة وقواعد الدولة المدنية بأكثر ما تقدم اجابات عنها, فالنظام الديمقراطي لا يقام بالانتخابات وحدها. ومن ثم مازالت هذه الدول( أي دول الربيع العربي) تشهد اضطرابات ومعارضة شديدة لأنظمة الحكم البديلة مما يحول دون وصولها الي مرحلة الاستقرار أو العبور الصحيح نحو الديمقراطية. وبالقطع سوريا ليست استثناء وربما يكون هذا هو أحد الأسباب الرئيسية لإطالة عمر أزمتها. فالمعارضة المدنية فيها ضعيفة مثلها مثل دول الربيع العربي التي سبقتها ومنقسمة علي ذاتها ووصل الأمر الي اتهام بعضها بعضا بالفساد بل انتهي أحد مؤتمراتها بمعركة تم فيها التراشق والتشابك بالأيدي, ولايبدو أنها تستند الي قاعدة جماهيرية تمكنها من أن تكون عنصرا فاعلا معتمدا علي نفسه في إحداث التغيير. فمن يقود المعارضة فعليا هو التنظيمات المسلحة وفي مقدمتها الجيش الحر وهو ثاني تنظيم منشق عن الجيش السوري النظامي بعد الانشقاق الأول الذي قاده حسين هرموش تحت اسم حركة الضباط الأحرار قبل أن تدخل الي الساحة ما عرفت بـ جبهة النصرة فضلا عن الحديث عن وجود لتنظيم القاعدة. ومن هنا ارتبط الربيع العربي بانتشار وتزايد ظاهرة الميلشيات المسلحة التي كانت مقصورة في السابق علي حالات بعينها مثل لبنان والعراق وأفغانستان. ولا شك أن هذه الظاهرة سيكون لها مردودها الخطير علي كيانات الدول ذاتها وليس فقط أنظمتها.

أما الظاهرة الأخري التي تستحق الرصد فتتمثل في البعد الإقليمي في أزمات الحكم الداخلي, بحيث لم يعد الصراع بين النظام والمعارضة مقصورا علي حدود الدولة, وإنما دخلت الأطراف الاقليمية كفاعل أصيل في تلك الأزمات. وبحكم الانقسامات المجتمعية وتعدد الطوائف والأقليات علي مستوي الدولة و الإقليم, فقد أضحت لتلك الصراعات أبعادا طائفية واضحة وهو ما ينطبق بشدة علي الحالة السورية التي تدور علي أرضها الآن حروب وليست حربا واحدة وتتحكم في مسارها قوي إقليمية ودولية.

إن ايران الشيعية التي تعتبر تحالفها الاستراتيجي مع النظام السوري العلوي هو أهم إنجاز إقليمي حققته منذ ثورتهاالاسلامية في1979 والذي يعد ركيزة أساسية لنفوذها في لبنان والعراق تظل لاعبا رئيسيا لا يمكن أن يتخلي بسهولة عن حليفه. ولذلك فقد تجاوزت طهران مسألة الدعم السياسي والعسكري للنظام السوري إلي الانخراط المباشر في المعركة الداخلية من خلال قوتها من الحرس الثوري ومقاتلي حزب الله( جناحها اللبناني) ودعم حكومة نوري المالكي العراقية ولاشك أن معركة القصير الأخيرة في سوريا والتي قادها حسن نصرالله زعيم حزب الله ضد المعارضة السورية المسلحة وخطابه الشهير الذي دافع فيه بشدة عن نظام بشار وبقائه هو دلاله علي واقع جديد لقيام ما يشبه الحلف العسكري ذي الطابع العقائدي أو المذهبي أو بعبارة أخري يكتمل به المحور الإقليمي الشيعي والذي يلقي دعما خارجيا من روسيا.

وفي المقابل تدعم تركيا بخصومتها التاريخية المعروفة مع النظام البعثي المعارضة السنية متمثلة في الجيش الحر مثلما تستضيف قوي المعارضة علي أراضيها, فهي الراعي الاقليمي الآخر ومعها بعض الدول الخليجية لما يعرف بالمحور الاقليمي السني المدعوم من الولايات المتحدة.

أما عن موقف الإخوان المسلمين, الجماعة السياسية السنية الأكبر والمنتشرة فروعها علي امتداد الإقليم, وبغض النظر عن موقفها المبدئي الداعم للثورة السورية ضد نظام الأسد, فان تعقيدات الواقع قد تؤثر علي مدي الدعم الذي يمكن أن تقدمه علنا وبشكل مباشر. فحكم الإخوان في مصر يواجه من التحديات الداخلية ما يؤثر علي مشاركته القتالية في بلد آخر ويضاف الي ذلك أن انفتاحا نسبيا علي إيران قد يجعله راغبا في تجنب المواجهة المباشرة أو الصدام معها في الوقت الراهن. وإخوان الأردن ليسوا أقل ارتباكا في موقفهم, فهم بالطبع ضد نظام الأسد, الا أنهم يرفضون التدخل الامريكي بإسقاطه, و هو موقف مشابه لنفس الموقف الذي اتخذوه حيال حرب الخليج الثانية( تحرير الكويت بعد غزو صدام لها) التي قادتها الولايات المتحدة. أما إخوان سوريا فيعانون خلافات مع المعارضة المدنية التي تتهمهم قياسا علي ما حدث في مصر, بمحاولة الاستئثار بالسلطة والهيمنة السياسية حال سقوط بشار ولذا فشلت فكرة تشكيل حكومة انتقالية.

لهذه الاعتبارات لا يتوقع أن يسفر مؤتمر جنيف(2) عن حلول سريعة أو حاسمة للأزمة السورية, فالأطراف متعددة ولايمكن تجاهل مطالب أي منها أو الغاء طرف للآخر تماما.

ولذلك ففي جنيف(1) كان هناك تفاهم أمريكي روسي علي تشكيل ما سمي بـ حكومة إنقاذ تجمع بين رموز المعارضة والنظام معا وأن ظل الخلاف علي وضع بشار الأسد في المرحلة الانتقالية. إذن الحل الذي طرح والمطروح الآن يعتمد علي المساومات السياسية وربما يؤجل الحل انتظارا لما ستسفر عنه موازين القوي علي الأرض