بقلم : ق. فيلوباتير جميل
فوجئت كما فوجئ الجميع بهذا الإعلان الدستوري الكارثي حيث انتظر الكل ان يتم الانتصار للدولة المدنية الحديثة مطلب أكثر من ثلاثون مليون مصري خرجوا عن بكرة أبيهم في ثورة تاريخية يتحدث عنها العالم كله ومازال دعاة الدولة الدينية ودولة الخلافة في حالة صدمة هم وكل من لديه خطط ومؤامرات تستهدف بداية دولة حديثة في مصر ... أقول هو إعلان دستوري كارثي بكل المقاييس حيث ينتصر للأقلية المتطرفة التي قدم الشعب المصري ومازال يقدم دماء غالية ليتخلص من سيطرتهم علي مقاليد الأمور في مصر وكأننا لم نقم بثورة وكان هذه الملايين التي ثارت يوم ٣٠ يونيو ثارت فقط من اجل ابعاد تطرف عصابة الإخوان لنرتمي في تطرف آخر اشد خطورة من تطرف الإخوان وهو تطرف السلفيين الساعين بالأساس لدولة الخلافة ويحملون في داخل قلوبهم بغضة لكل ما هو علي غير منهجهم وراجعوا أفكار برهامي وحزب النور ومحمد حسان وغيرهم فهؤلاء يا سادة أكثر خطورة علي دولة مصر المدنية الحديثة من عصابة المرشد ....
هنا ولابد لي من إعطاء الأسباب والمبررات التي أراها سببا في مشاعر الإحباط التي صاحبت كل الداعمين للدولة المدنية الحديثة من هذا الإعلان الدستوري الكارثي ....
أولا الدستور يؤسس في مواده الأولي للدولة الدينية المتطرفة وهو ارتقي بمادة ياسر برهامي الكارثية ليجعلها في مقدمة الدستور وهنا يجب ان نلاحظ ان غالبية الشعب المصري في داخله مقتنع بان المادة الثانية يجب ان يتم تعديلها لان الدولة كيان اعتباري لا دين له ولكن الدين يخص غالبية المواطنين الذين يعيشون في هذه الدولة ... ورغم عدم اقتناع الغالبية العظمي لذلك الا أنه ليس لديهم الجرأة للاقتراب من هذه المادة التي تطرف البعض وقال أنها خط احمر !!!! فهل لنا ان نتوقع بان يتحول التفسير الذي زج به المتطرفون في الدستور الساقط والباطل والذي ولد في نصف الليل الي خط احمر آخر لا يجوز ولا يمكن الحديث بشأنه !!! ولا يمكن ان يتعلل احد بان هذا الدستور تم الاستفتاء عليه ويجب احترامه لان خروج الملايين في ثورة يونيو اسقط الإخوان ودستورهم اللقيط وإلا ما معني إسقاط دستور ٢٠١٢ ان كنتم ستحتفظون بمواده ؟!!! هل نحن أمام جريمة مثل جريمة المخلوع في إعلانه الدستوري الذي جعله فرعونا ثم أسقطه بإعلان دستوري آخر محتفظا بنتائجه وكأننا لم نفعل شىئا !!!
ان الجميع في مصر يجب ان يدرك بان ثورة يونيو هي ثورة علي كل مظاهر للدولة الدينية وعلي وجود أحزاب سياسية بمرجعية دينية وعلي اي ممارسة لعمل سياسي تحت غطاء الدين هذا ما ثار ضده المصريين فلم يثوروا علي دولة الفساد المباركية مثلما ثاروا علي الدولة الدينية وعلي تطرفها فالشعب المصري بطبيعته شعب وسطي في إيمانه متدين بفطرته ولكن لا يقبل المغالاة وان كان الرئيس المؤقت لم يدرك ذلك فتلك مصيبة وان كان مدرك ويحاول ان يتقرب من بقايا التطرف بهذا الإعلان فالمصيبة أفدح !!!!
ثانيا الإعلان الدستوري المؤقت لا يجب بأي حال من الأحوال ان يشتمل علي كل هذه المواد بكونه مؤقتا يجب ان يشتمل في مواده علي ما يناسب ظروف المرحلة الانتقالية فقط فلا يجب ان يؤسس في مواده وان يحاول ان يؤثر علي المستقبل ما بعد المرحلة الانتقالية فمن المتعارف عليه بالنسبة للشعب المصري انه يخشى الاقتراب من اي مواد دينية في دستوره بسبب الخطاب الديني الذي يؤسس لذلك من دعاة دولة الخلافة وحين نمرر إعلانا دستوريا كهذا ولو لفترة انتقالية مؤقتة يكون من الصعب ان لم يكن من المستحيل الاقتراب من هذه النوعية من المواد وهنا الكارثة ان صمت الشعب الثائر علي هذا الإعلان سيؤسس جوا من القداسة علي هذه المواد الأمر الذي يستحيل معه اي تغيير فيها في المستقبل !!! ثم لماذا لا يدرك الرئيس المؤقت للبلاد السبب الرئيسي الذي من اجله ثار الشعب المصري وهو رفضه لترسيخ دولة دينية متطرفة يحكمها رجال دين بفتاويهم وكاتب هذه السطور رجل دين يرفض تماماً اي وجود لرجال الدين للتأثير في نظام الحكم !!! هل يحتاج القائمين المؤقتين علي حكم البلاد لبقاء الملايين في الشوارع لحماية ثورتهم حتي لا نسقط من جديد في نفس الكارثة التي أسقطت مصر في قبضة عصابة المرشد ؟!! افيقوا يا شعب مصر العظيم واحموا ثورتكم لان الرئيس المؤقت علي ما يبدو يعتقد ان ثوار رابعة والنهضة ومن معهم من القيادات في حزب النور وخلافه هم أصحاب الثورة المصرية العظيمة فكان يجب حينما سقط الدستور ونجحت الثورة ان يم حل جميع الأحزاب التي تأسست علي أساس ديني وجرت البلاد لمستنقع الطائفية البغيض من حزب النور والحرية والعدالة وحزب الجماعة الإسلامية وغيرههم من الأحزاب فأول من سقط في ثورة يناير هو الحزب الوطني وتم حله وكان يجب ان يتم حل جميع الأحزاب التي تأسست علي أساس ديني طائفي ..
ثانيا لماذا يتم التشاور مع الأحزاب الدينية برموزها التي سقطت بنجاح ثورة المصريين وتمردهم في يونيو فالفارق رهيب بين ان يتم التنسيق مع قيادات تمرد وقيادات جبهة الإنقاذ والمناصرين للدولة المدنية الوسطية كالكنيسة والأزهر وبين ان يتم الترويج لقوة مزعومة لحزب النور وخلافة فقوة هذه الأحزاب الدينية ومناصريهم هم من يناصرون الإخوان في رابعة والنهضة وهم بالضرورة أقلية كشفتها ثورة المصريين في يونيو وقدم الشعب أوراق اعتماده كشعب متدين يميل الي الوسطية بعيدا علي المغالاة ولا يجب ان يسقط الرئيس المؤقت فيما سقط فيه قيادات المجلس العسكري السابق لان الفارق رهيب بين رئيس أتي به الشعب المصري بثورة تاريخية وبين مجموعة من القيادات وجدت في الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية طوق النجاة للمحافظة علي خروج امن بعد كوارث ومذابح تسببوا فيها بالصمت او بالاشتراك فيجب علي الرئيس المؤقت ان يقف علي ارض صلبة ويصدر قراراته بقوة مستند علي إرادة شعبية حديدية أتت به لقصر الاتحادية من اجل ان يكون منفذا وداعما لحقوقهم وحريتهم فما أراه الآن هو رئيس يعمل بايادي مرتعشة غير مدرك انه لو فقط أشار بأصابع يديه للشعب وكشف عن الضغوط التي يمارسها بقايا نظام المخلوع من حزب النور وأبو الفتوح وغيرهم سيجد الشعب كله وراءه يدعمونه ويؤيدون قراراته !!!! انه لأمر يثير الريبة وقمة الاستغراب الا يتم التشاور مع من استطاع ان يخرج كل هذه الملايين الي الشوارع من شباب تمرد العظام او قيادات جبهة الإنقاذ او رجال القانون وحجج الدساتير العظام التي تملا جنبات مصر ثم نفاجئ بهذا الإعلان الدستوري !!!! فمن قدم مشورة للرئيس قبل هذا الإعلان من حق الملايين التي أتت به الي قصر الاتحادية ان تعلم !!!
أخيرا وكنت اود الا اذكر هذه النقطة وهو ان هذا الإعلان بما يحمله من مواد وما لا يحمله من مواد يمثل طعنة في الظهر للمسيحيين في مصر وللكنيسة المصرية فهل لنا ان نسال من الذي كان يمثل المسيحيين في إعداد هذا الإعلان ؟!!!
في النهاية أقول ان الشعب المصري يجب ان يعود من جديد للخروج ضد هذا الإعلان الكارثي ولا يمكن ان يسقط المصريين في نفس الخطأ مرتين فكما قال أحدهم تخدعني مرة واحدة عار عليك تخدعني مرتين عار علي احذروا الرجوع للوراء ودافعوا عن ثورتكم ولا تنسوا ان بداية كوارث المجلس العسكري السابق كانت غزوة الصناديق وإعلان دستوري كهذا اوصلتنا لما نحن فيه الآن فلن تحتمل مصر او الشعب المصري تراجعا او سلبا لثورتهم من جديد وما أجمل الثورات في رمضان وكما رتب شباب تمرد العظماء كل شئ من اجل ان يبقوا في الشوارع في رمضان فكونوا معهم وساندوهم واحموا ثورتكم وكل عام وكل الشعب المصري الوسطي المعتدل بخير وصوما مقبولا إنشاء الله .