بقلم :   صبرى فوزى جوهره              
 
 تضمن برنامج الاجتماع السنوى العام الاخير لمنظمة  " التضامن القبطى", الذى عقد فى مدينة واشنطن عاصمة الولايات المتحدة فى الاسبوع الاخير من شهر يونيو, نخبة متميزة من المتحدثين شملت اعضاء من مجلس النواب و احد اعضاء مجلس الشيوخ (السنيت) الحاليين الى جانب مسؤلين سابقين فى مختلف فروع الحكومة الفدرالية. وفى حديث لمسؤل سابق من المطلعين على دواخل صنع القرار السياسى الامريكى و تنفيذه, عرض المتحدث اخطاء السياسة الامريكية المتكررة فى الماضى بدءا من الاستجابة لحادث الحادى عشر من سبتمبر و التدخل الامريكى فى افغانستان و الخليج و العراق و غيرها, و كيف ان نتائج هذه التدخلات , التى تعلن الولايات المتحدة دوما و بكل تأكيد, انها تهدف منها الى ارساء قواعد الديموقراطية فى هذه الشعوب المستهدفة, و بالتاالى تخطو بها الى التقدم و الرقى.  الا ان يد الولايات المتحدة الثقيلة العابثة  لم تحقق اهدافها المعلنة,  بل نتج عن تعاملها  دائما, و ربما بلا استثناء, تداعيات فى غير صالح الولايات المتحدة  او هذه الشعوب المغلوبة على امرها. عزا المتحدث هذا الفشل الملحوظ الى "جهل" متخذى القراربطبيعة الشعوب التى تتعامل معها امريكا و الى اسباب اخرى واهية.
 
بعد انتهاء هذا  المسؤل الامريكى السلبق من الحديث, اتيحت لى فرصة التعليق عما قال و التوجه اليه بسؤال. ففعلت. كان تعليقى هو انه  من المستبعد الى حد بعيد ان يكون مرجع الفشل المتكرر هو "جهل المسؤلين" كما اراد المتحدث ان يقنعنا حيث ان الانفتاح السائد فى التواصل فى عالم اليوم  قد اضحى كل فكر و عمل فى هذا العصر كتابا مفتوحا متاحا لقراءة و معرفة الجميع, اضف الى ذلك  "الكومن سنس", ثم  القدرة على الاستطلاع العلنى و المخفى التى تمارسها الدول فيما بينها و التى تتعدى خيال العامة منا فى التحقق من ادق تفاصيل و اسباب الاحداث و الامور, هذه المعطيات تضحد  بشدة هذا التفسبر الساذج. و تسائلت: هل من المحتمل ان يرجع السبب الحقيقى للسلوك الامريكى هو شهية قوية  للتسلط "الامبريالى" تسرب الى السياسة الامريكية و تمكن منها تعززها وتقودها رغبة جامحة  فى السيطرة على منابع النفط, ربما ليس لحاجة امريكا لها بقدر رفضها لوقوع هذه المصادر فى ايد منافسة, بالاضافة بالطبع الى التزام الولايات المتحدة  الابدى بسلامة اسرائيل؟  لم يعطنى المتحدث جوابا شافيا بل انه بالاضافة, تعمد كذلك عدم التعرض بالحديث عن اسرائيل تماما. 
خرجت من هذه التجربة بالتأكد بما كنت اعتقد: الحديث الامريكى عن الديموقراطية و البكاء عليها ليس سوى كلام فارغ 100%. لا يشغل التمكين من الديموقراطية و الحفاظ على حقوق الانسان خارج حدود الولايات المتحدة مثقال ذرة فى فكر وسلوك صناع قرار السياسة الخارجية الامريكية.
بناء على ما سبق, و على علمى ىبمقدار الفساد و الافساد الذى لا تتردد الولايات المتحدة فى ممارسته و الاخذ به عند الشك فى المساس "بمصالحها" فانى اقدم نصيحتى المتواضعة فى التعامل مع العم سام: 
 
علينا تجنب "المناطحة" على طريقة جمال عبد الناصر بصرف النظر عن مدى غضبنا من تدخل حيزبون السفارة الامريكية بالقاهرة فى شؤننا. الامريكان يسرعون فى التعامل بشدة و عجرفة مع من لايسلك طريقهم. علينا ان لا نفصح عن عداء او نعلن عن نية فى المساس بما يعتقدون انها "مصالحهم" و اولها بالطبع "سلامة اسرائيل" و ضمان الملاحة  فى قناة السويس, ممر النفط و مصدر الدولارات للشركات الكبرى التى تتحكم فى قرارات السياسة. لا يعنى هذا الانقياد بمذ لة لهواهم, فهم ليسوا بالجهلة او الاغبياء و سيتجنبوا محاولات اثارة غضب الشعب المصرى الذى نزل بملايينه الى الشوارع تعبيرا عن ارادة لا تكسر. فهم يحترمون من يحترم ذاته. و لنعلن ذلك لهم وللعالم باسره.  
 
و الى الامريكيين اقول: نظرا لتاريخكم غير المشرف فى الفشل فى التعامل مع ما تحشرون انوفكم فيه و بعد ان عبثتم بما فيه الكفاية فى مقدرات شعوب و امم و حصدتم الخيبة و الرسوب فى كل مغامرة شرعتم فيها. اعطوا انفسكم "تايم اوت" تعزفون فيه عن التدخل فى شئون الاخرين و تكفون ايديكم تماما عنا ما دمنا لا نضر "بمصالحكم" حتى تحسنون تقدير ما هو حقا خير و مفيد لكم و لغيركم اذا قدر لكم ان تصلوا الى هذا القدر من الكياسة و الذكاء, فلا ينتهى الامر بخسارتكم و بالمزيد من العناء لضحاياكم. أتركونا لحالنا على الاقل لبعض الوقت نرتب فيه امورنا بانفسنا. و اذا كان قراركم بمد يد العون الاقتصادى لنا بدون "لعب" فسنكون لكم من الشاكرين  و ان امسكتم عن المساعدة فلا بأس فانا قادرون على القيام بواجبنا نحو انفسنا و اجيالنا القادمة و الاهم نحو هذا الوطن المعذب الذى ننتمى اليه جميعا.