بقلم / حكمت حنا
غالباًَ كل ما يقال عن أسباب خروج بعض الوزراء يكون مجرد تكهنات تمت أحياناًَ بالحقيقة، وأحياناًَ أخرى تبعدك عن الحقيقة تماماًَ، فرغم التوقعات الأخيرة لبعض المحللين، والمراقبين للنظام السياسي بخروج ستة وزراء على الأقل من بينهم (وزير المالية، والزراعة، والتعليم العالي، والتربية والتعليم، والتنمية الإقتصادية) نظراًَ لأن كل منهم كون صورة ذهنية سيئة أرغمت الشعب على كراهية النظام لسياسات كل منهم، سواء بفرض الضرائب وإرتفاع الأسعار في ظل الأزمة، وسياسات تعليمية فاشلة، وإرتفاع معدلات الوفيات في المستشفيات للإهمال الطبي، ووزير أخر تورط إبنه في قضية توظيف أموال لبيع الموبايلات المعروفة مع نصاب مدينة نصر، إلا إن خروج وزير الري أثار عدة تساؤلات لأن التعديل الوزاري لم يشمل أحد غيره ورغم أن وزارته ليست من الوزارات التي أحدثت أزمات مثل الوزارات سابقة الذكر، وذلك بالطبع لا ينفي دورها في ردم أجزاء من النيل لصالح بعض رجال الإعمال، وضياع المليارات في مشروع توشكى.
فرغم من تصريحات السفير "سليمان عواد" المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية بأن "أبو زيد" طلب إعفائه لأسباب صحية، لينفي وزير الصحة ذلك، خاصة وان قبله بيوم واحد كان في زيارة لتوشكى، فما هي الأسباب الخفية لخروج وزير الري من حكومة نظيف رغم من إنه كان سيرأس الوفد المصري المشارك في المنتدى العالمي والمقرر عقده في إسطنبول بتركيا خلال الفترة من 14- 22 مارس الحالي فماذا حدث؟
من الواضح ان "أبو زيد" أصبح مغضوب عليه من النظام خاصة إنه قبل إقالته بأيام قليلة أعلن ان 90% من العمل بتوشكى قد إنتهى، وإن العمل يتم كما هو مخطط له، ليأتي رد الحكومة في قرار نظيف بضم مشاريع توشكى وشرق العوينات وترعة السلام بشمال سيناء إلى وزارة الزراعة بدلاًَ من الري، مما أثار غضب "أبو زيد" رافضاًَ ذلك الإجراء، ودخل في خلافات مع "أمين أباظة" ليتدخل نظيف لحسم المشكلة بين الوزيرين لصالح "أباظة" مما يوضح أن الحكومة كانت تسوق الحجج لتبرير أسباب خروجه.
فضلاًَ عن خلافه الدائم مع "الوليد بن طلال" لإستيلائه على 120 ألف فدان بتوشكى، ولم يستصلح منها سوى 5% فقط، ولم يبال "الوليد" بتعليمات الوزير وتدخلت الحكومة لحسم المشكلة لصالح "الوليد"، وطالبت بمنح المزيد من التسهيلات له، وإقامة فرص أخرى، بالطبع خسارة "ابو زيد" ولا خسارة "إبن طلال" رغم من إضاعة المشروع المهم حجم ما ينفقه داخل مصر لصالح المسئولين بحكومة نظيف.
في إعتقادي أن السبب الرئيس الذي كان بمثابة أخر مسمار في نعش "أبو زيد" هو طلبه من شركة (ريجوا) التابعة لوزارة الري إعادة النظر في الأرض التي إشتراها أحد رجال الأعمال، ومن المقربين من صناعة القرار السياسي وتربطه علاقة قوية بجمال مبارك بحجة ان هذه الأرض تفتقد مصدر المياه، والمياه فيها غير متجددة، علماًَ بأن تلك الأرض لها وضع متميز وإلا لم يشتريها قريب النظام السياسي وحليف النظام بأمواله، مما دفع المسئولين لإرسال شكاوى ضد "أبو زيد" بفساد وزارته وبدء البحث في الملفات القديمة وعلاقاته مع مجموعة شركات "السليمانية" وصاحبها "سليمان عمر" والمصالح المشتركة مع بعض رجال الأعمال، ومنح فرص حفر الآبار بطرق عشوائية ومخالفة للقانون.
فمن الواضح ان إقالته لم تكن لفساد وزارته، فكل الوزارات أشد فساد منه لكنه جاءت لعدم رضى الرئاسة عنه، لتدخله فيما لا يعنيه بقصة الأراضي التي إستولى عليها حليف الرئاسة ومن أقوى أقارب الوريث، فإقترب "أبو زيد" من (عش الدبابير).
في النهاية أريد أن أقول إن معايير تقييم الوزراء في مصر لا تعتمد على كفاءة الإختيار، بل تعتمد على الولاء والرضى، فلو كانت وزارة "أبو زيد" رائحة الفساد بها وصلت لأنف كل فرد بكل بيت مصري، وينال رضى سيده ولم يقترب للأماكن المحظورة، لبقى في منصبه حتى لحظة موته على كرسي وزارة الري، مثل باقي صناع القرار السياسي في النظام المصري المخلصين لسيدهم.