رفعت السعيد 

ونمضي مع كتاب «تحرير المرأة» لقاسم أمين، وفيه واتساقا مع الاسم وجد المؤلف أنه من الضروري أن يشرح معني الحرية.. والتحرير في قضية المرأة، فيقول «الحرية هي قاعدة ترقي النوع الإنساني وسبيله إلي السعادة ولذلك عدتها الأمم التي أدركت سر النجاح من أنفس حقوق الإنسان، ومن المعلوم أن المقصود من الحرية هنا هو استقلال الإنسان في فكره وإرادته وعمله متي كان واقفا عند حدود الشرائع محافظا علي الآداب، وعدم خضوعه بعد ذلك في شيء لإرادة غيره اللهم إلا في أحوال مستثناة كالجنون والطفولية» ثم يمضي قائلا «فهذه الحرية علي ما بها من سعة هي التي يجب أن تكون أساسا لتربية نسائنا» (ص422)..
 
وإذ يرفض البعض كلمة «تحرير» ويتهكمون عليه متسائلين «وهل المرأة في قيد الرق» فيجيب «ليس مرادنا أن نقول إن المرأة اليوم تباع وتشتري في الأسواق، ولكن ليس الرقيق هو الإنسان الذي يباح الإتجار به فقط، بل إن الوجدان السليم يقضي بأن كل من لم يملك قيادة فكره وإرادته وعمله ملكا تاما فهو رقيق» ثم يمضي «لا أظن أن القارئ المنصف يختلف معي في الرأي إن قلت إن المرأة في نظر المسلمين علي الجملة ليست إنسانا تاما وأن الرجل منهم يعتبر أن له حق السيادة عليها ويجري في معاملته معها علي هذا الاعتقاد» (ص423)
 
ويمضي قاسم أمين معددا ما يعتقد أنه صور من استلاب حرية المرأة ويقول «فالرجل الذي يحجر علي امرأته لا تخرج من بيتها لغير سبب سوي مجرد رغبته في ألا تخرج لا يحترم حريتها من هذه الجهة تعاني من الرق بل هي سجينة والسجن أشد سلبا للحرية من الرق» ثم «والمرأة التي يسوقها والدها كالبهيمة إلي زوج لا تعرفه ولا تعرف شيئا من أحواله معرفة تسمح لها بأن تتبين حقيقة أمره لا تعتبر حرة في نفسها بل تعد في الواقع من الأرقاء» ثم «والمرأة التي تحرم من أن تتعلم إلا فروض العبادة كما يردد بعض المشايخ ومن يأخذون عنهم هي من الرقيق» وأيضا «المرأة التي تلتزم بستر أطرافها والأعضاء الظاهرة من بدنها بحيث لا تتمكن من المشي ولا من الركوب بل لا تتنفس ولا تنظر ولا تتكلم إلا بمشقة تعد من الرقيق لأن فرض الرجل عليها أن تندرج في قطعة من القماش تمسخ هيئتها وتفقدها الشكل الإنساني الطبيعي في نظر كل رجل ماعدا سيدها ومولاها هي من الرقيق وبالجملة فإن المرأة من وقت ولادتها إلي يوم مماتها تظل من الرقيق، لأنها لا تعيش بنفسها ولنفسها وإنما تعيش بالرجل وللرجل، وهي في حاجة إليه ولا تسافر إلا تحت حمايته ولا تفكر إلا بعقله ولا تنظر إلا بعينه ولا تسمع إلا بأذنه ولا تريد إلا بإرادته ولا تعمل إلا بواسطته.. فهي لا تعد بذلك إنسانا حرا مستقلا بل هي مجرد ملحق بالرجل» (427).
 
وهكذا يخوض قاسم أمين وبشجاعة نادرة في ذلك الزمان معركة ضد كل الرصيد الرجعي والمتخلف الذي فرض نفسه تحت ستار من التأسلم البغيض علي المرأة بل وعلي المجتمع ككل، ولعل ما يثير الأسي أننا إذ نتأمل بعض أقوال المتأسلمين في زماننا التعيس وتصرفاتهم وادعاءاتهم نجد أنها تعود بناء إلي ما أدانه ونقضه قاسم أمين في عام 1900، وهكذا يعود المتأسلمون بنا إلي الوراء أكثر من قرن من الزمان ويفرضون علينا أن نبدأ من جديد، ثم يدخل قاسم أمين إلي معركة حاسمة ضد «الحجاب» فيقول إن الرجل أن يتصور نفسه مالكا للمرأة أن يحتكرها بالكامل فلا يكون لغيره إمكانية النظر إليها أو الحديث معها شأن المالك المستأثر بما يملك.
 
ثم يقول «وهذا الحجاب الذي قرره الرجل علي زوجته في الأصل تعدي بعد ذلك إلي البنات والأمهات والأخوات.. فالحجاب هو عنوان لامتلاك الرجل وأثر من آثار الأخلاق المتوحشة التي عاشت عليها الإنسانية أجيالا قبل أن تهتدي إلي إدراك أن الذات البشرية لا يجوز أن تكون محلا للملك لمجرد كونها أنثي» ثم يشرح أسباب استمرار الحجاب حتي بعد انتهاء الرق فيقول «فلما بطل حق ملكية الرجل علي المرأة.. كبر علي الرجل أن يعتبر المرأة التي كانت ملكا له بالأمس مساوية له اليوم فحسن لديه أن يجعلها في مرتبة أقل منه» (ص433).
 
وهكذا بلغ قاسم أمين في كتابه «تحرير المرأة» القمة في الشجاعة والاستنارة والقدرة علي تحدي السائد المتخلق والمألوف المتأسلم، ولعلي إذ أقارن بين ما يقوله المتأسلمون اليوم وبين جبن الكثيرين من مواجهته واستشعر ألما وحسرة.. ولعلنا لو تخيلنا عودة قاسم أمين اليوم لهاجم الصامتين والخائفين بأكثر مما هاجم المتأسلمين.
 
وتبقي المعركة مستمرة.