بقلم: د. صبري فوزي جوهرة 
سيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسى, كضابط سابق في قوات مصر المسلحة  تجرع هزيمة 5 يونيو 1967 بمرارة لم تزلها الأعوام و لم تخفف من وقع قسوتها الأيام أو عبور1973  العبقري. ارفع لسيادتكم تعظيم سلام. أرفع سلامي هذا  ليس لأنك اثبت بلا جدال حنكة القائد ووطنية رجل الجيش المحترف بل لأنك أزلت مرارة هذه الهزيمة لأول مرة من فمي. فعدت لأفخر بانتمائي إلى قوات مصر المسلحة بعد ان مضى ما يقرب من الخمسة عقود من الزمان لم يفارقني خلالها الإحساس بالمهانة و الهزيمة.
 
يا عبد الفتاح أنت مصري للنخاع. فالفتاح هو الاسم العربي ل "بتاح"  كبير آلهة كيميت, المعبود في منف  عاصمة البلاد الأولى التى اختارها مينا مؤسس أول دول التاريخ البشرى لتكون عاصمة الدولة الموحدة التي قدر لها ان تشرق بشمس حضارة فريدة مديدة زمنا و عمقا فى تاريخ البشر. و من اسم بتاح الذى اشتق اسم مصر ذاتها. ف "هى كا بتاح" (وقف روح بتاح) هو ماعرفت به منطقة المعبد العظيم للاله بتاح فى تخوم  منف. استوطن الإغريق هذا الجزء من ارض بلادنا و حرفوا هى كا بتاح لتصبح "ايجيبتوس" و أصبح هذا هو الاسم الذى عرف به العجم بلادنا الى يمنا هذا.  و عندما بليت أرضنا بمستعمر آخر اقل حضارة و اشد جهلا حرف اسم اجدادنا, ونحن من بعدهم, مرة اخرى لنصبح جميعا "قبط". اما الاسم الجميل الذى اطلقه أجدادنا على وطنهم فهو "كيميت", الأرض السمراء او قالوا عنها "تا ميرى" (المحبوبة), تلك الارض التى ما زلنا نتشرف بالانتماء اليها.
 
سيادة الفريق أنت مصرى لانك سمعت انين مصر و شعرت ىآلامها بعد ان انهكها الطغاة المارقون بجهالات رؤياهم وغشاوات عيونهم و ظلام قلوبهم. لم  يثنيك استعلاء الخونة  اويمنعك خواء عقولهم من التصدى لفساد مقاصدهم حتى يوقعو بها فوقفت الى جانبها اسد هصور يزود عنها و يمهد السبيل الى عودة "ام الدنيا" للجلوس على عرش "ست الدنيا". اشعر بصدق كلماتك و عمق محبتك لمصر و لبنيها فكانت سعادتى بكل ما فعلت الى الان.
 
الا اننى لم اكتب كلماتى هذه بقصد التعبير عن اعجابى و تقديرى لكم كقائد موفق فحسب, بل لشعورى بواجب استطيع القيام به نحوك و نحو مصر. فمن الواضح تأثرك بشخص الرئيس السابق جمال عبد الناصر. و ربما كان من اهدافه الكبرى ان ينعم المصرى بحياة افضل و لكنا ايضا نعلم انه لم يوفق حقيقة فى تحقيق هذا الهدف. لذلك اسمح لى بان اسدى اليك ببعض النصح فى هذا الشأن:
 
اولا: مصر هى مصر. و ما انبل واعرق هذا الاسم. لنعمل على الحفاظ على هويتها قوية عزيزة فريدة اولا. و الا فكيف لنا ان نبدل اسم اول دولة عرفها الانسان باوهام الانتماء الى من نحن اقل (على احسن تقدير) انتماء اليهم من مصر؟ لماذا لصق "العربية" باسم مصر؟ فلتكن مصر هى مصر: اشهر من نار على علم! لا باس من التعاون و مصادقة من حولنا من الجيران فهم يعلمون علم اليقين ان لن تقوم لهم قائمة بالرغم مما ينعمون به الان من ثراء ان لم تتزعمهم و تقودهم "مصر" عظيمة قوية. و لا اعتقد انهم "حياخدوا على خاطرهم" اذا عادت مصر الى اسمها القديم. 
 
ثانيا: لقد اثبت فى ساعات قليلة ما فشل انور السادات و حسنى مبارك و بالطبع الاستبن فى فهمه وهو انه فى استطاعة مصر ان تتعاون مع الولايات المتحدة من موقع الصداقة و عدم التبعية فى ذات الوقت. هم يحترمون من يحترم ذاته و لا غنى لهم عن التعامل معنا.
 
ثالثا: لنعلنها صريحة واضحة للولايات المتحدة اننا لسنا فى حلبة صراع معها بل فى مجال تعاون. لا نهدف الى تدمير اسرائيل بل العمل على إقرار سلام دائم في ربوعنا. , طبعا بيني و بينك موضوع اسرائيل هذا هو المحك. فمن اكثر المسلمات ثباتا هو الاعتقاد الامريكى الراسخ و الاصرار المؤكد ان اسرائيل باقية و يجب الا تمس. وقد حاولت مصر العمل لنصرة الفلسطينيين  بما فيه الكفايه (و ليته "تمر") و يرجع كل البلاءالذى تعانيه مصر بل منطقتنا بأسرها إلى مجرد الشك فى ان اسرائيل قد تتعرض لضرر فى يوم ما! لذلك, كان من العقل و الذكاء أن نطمئن اسرائيل و الولايات المتحدة اننا لا نضمر شرا لأحد. 
 
رابعا: يعلم الامريكيون و الاسرائيليون تماما اننا لسنا فى وضع يسمح لنا بمجرد مشاغبة إسرائيل. فالدولة التى تسعى بشق الانفس الى توفير رغيف الخبز لأبنائها لا تستطيع ان تشن حربا على احد, حتى ليبيا او اليمن! وطالما كان هناك شك فى مقاصدنا الحقيقية تجاه الدولة العبرية, سيعمل العم سام ان نبقى غارقين تحت المياه, و للأسف دول هبل و يعملوها.
 
خامسا: لقد سجلت مصر بفعل ريادة قائد جيشها انتصارا لا شك فيه على السياسة الأمريكية وتخلصت  من متآمرين باعوا أنفسهم لمصالح أمريكا المزعومة. و لكن  يجب ان نتحلى بالحذر. فليس من السهل ان تتراجع قوة عظمى عن مخططاتها و يصحب ذلك شعور بالكمد و ربما رغبة فى الانتقام عندما تسنح الظروف. فلا داعى و قد حققنا أهدافنا أن نشد ذيل نمر جريح. لنتصرف مع الامريكيين بروح العزه بلا استكبار أو عناد. و للتذكرة, يقال ان الرئيس الامريكى السابق ليندون جونسون كان قد وعد بان "يشرب ناصر مياه المجارى" عندما اقترح الأخير على الأمريكيين أن "يشربوا من البحر الأحمر اذا ما عجبهمش البحر المتوسط". و كلنا نعلم أن جونسون قد أوفى بوعده إلى اقسي و أقصى الحدود. فلا داعي للتحدي و ما أسهله خاصة و نحن ننعم بلحظات نصر جميل طال انتظاره.  
 
سادسا: ليكن لنا مشروعا قوميا محددا نعمل جميعا و بلا تفرقة على تحقيقه. ليكن مشروعا حقيقيا و ليس من صنع خيال سقيم او بين صفحات كتب صفراء بالية. 
 
الطريق طويل و الحياة قصيرة و العاقل من فهم و اتعظ.
ليوفقنا الله الى خير و مستقبل سعيد تنعم به مصر و احفادنا من بعدنا.