مريم حنا 
 
(ليس المستقبل سوى واحد من الاحتمالات التي لم تُدرس بعد)
يرتكز السيناريو على دراسة القرارات المحتملة للقيادات السياسية, فالقرارات الصادرة عن شخصيات مثل "تاتشر" و"ريجان" تختلف كثيرًا عن مثيلاتها الصادرة عن "توني بلير" لكن حذار من أن تجعل جميع السيناريوهات تدور حول شخصية واحدة. فذات مرة قامت إحدى الشركات التي تريد الاستثمار في المكسيك بوضع سيناريوهين فقط للسياسية الاقتصادية بالمكسيك. كان ذلك خلال الانتخابات التي تنبأت باقتراب "كلوزيو" من إحراز الأغلبية. قامت الشركة بصياغة سيناريوهين يدور أولاهما حول فوز "كلوزيو" بينما الثاني حول خسارة "كلوزيو" وبعد أن تم إرسال السيناريوهين بالبريد إلى الشركة الأم صباح يوم الجمعة جاءت أخبار السبت تحمل نبأ اغتيال "كلوزيو" وانهيار الاقتصاد المكسيكي.
 
تتحدد تصوراتنا عن المستقبل بحدود خيالنا ومعلوماتنا عنه. وبهذا تكون السيناريوهات هي أفضل وسيلة للتفكير في المستقبل دون السقوط في المساحة العمياء وهي الاحتمال الذي لم يُدرس بعد.
 
ما الذي يتغير وكيف يتغير؟
يتحكم في السيناريو أحداث محركة. البعض منها لا يمكن السيطرة عليه مثل الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية... إلخ , والبعض الأخر يمكن التحكم فيه فهي تقع داخل نطاق إدارة الأزمات, ويعتبر النجاح في معرفة الأحداث المحركة هو أهم خطوات وضع السيناريو على الإطلاق.
وهنا نكون قد انتقلنا إلى الإجابة على السؤال الثاني
 
"لماذا يحدث التغيير" أى ما هو منطق التغيير في الأحداث وبعد ذلك نقوم بعمل بناء درامي للأحدث ونهتم فيه بالتركيز على سمات الشخصيات التي تلعب دورًا هامًا في القصة وفي تحريك الأحداث.
 
وهنا يجب أن تكون هناك نهايات واضحة لكل سيناريو تعتمد على تأمل منطق سير الأحداث بناء على أساس علمي مبني على دراسة الماضي والحاضر.
عزيزي القارىء
 
حسنًا, فإذا كنا قد فهمنا المعني فتعالوا معًا نصيغ المثال التالي:
-هل توقع الإخوان المسلمون انهيار نظامهم مثلما انهار نظام مبارك؟
-هل تم عمل سيناريو يتضمن سقوطهم؟
أقول لك عزيزي القاريء لو أنهم عملوا هذا السيناريو لما كان ما حدث الأن وهو السقوط العظيم لأنه لو كان كذلك لكانوا بذلوا قصارى جهدهم لنجاح نظامهم.
 
هل خطط الإخوان للمستقبل. هل وضعوا السيناريوهات. هل درسوا درجة تأثير كل محرك من محركات الأحداث ودرجة التأكد وهي التي تصف قدرتهم على التنبؤ بسير الأحداث.
 
هل قاموا بطرح هذه الأسئلة الحرجة عند توليهم الحكم؟
1-أين نريد أن تكون مصر؟ وأي مستقبل هو ذلك الذى نحلم به؟
2-ماهي الأحداث التي تقود مستقبلنا؟
3-ماهو المنطق الذى يحكم الأحداث التي تقود مستقبل مصر؟
4-ماهي الحلول المتاحة؟
5-ماهي الصعوبات التي يمكن أن تواجهنا؟
6-أي مستقبل يمثل كابوسًا بالنسبة لنا؟ وما سنفعل عندما يحل؟
 
عزيزي القاريء
إن السيناريو هو بمثابة طيران اختباري لقدرة العقل يمكنه من التعامل مع أجواء المستقبل المختلفة. وليس الهدف منه التنبؤ بالمستقبل بقدر ماهو التعلم من المستقبل.
 
يجب ألا يزيد عدد السيناريوهات عن ثلاث أو أربع سيناريوهات. ولنأخذ مثلاً الواقع الحالي وهو استمرار اعتصام رابعة العدوية لأكثر من شهر.
فإذا كان لابد من فض الاعتصام علينا بوضع إثنين أو ثلاث سيناريوهات.
 
السيناريو الأول: توجيه النصح للمتظاهرين ومطالبتهم بالتفرق وتحذيرهم ومطالبتهم بفض الاعتصام من خلال مكبرات الصوت.
 
السيناريو الثاني: وهو التفاوض السياسي وذلك باستخدام أساليب للضغط عليهم من خلال منع وسائل المواصلات إلى هذا المكان, تأمين مداخل ومخارج المكان لمنع الدخول إلى هذا المكان ولكن يسمح بالخروج فقط, منع وصول المأكولات والمشروبات ... وغيرها من وسائل تضييق الخناق عليهم.
 
السيناريو الثالث: إعطاء مهلة للانصراف: في حالة عدم الاستجابة للنصح ويتم ذلك عن طريق التنبيه بالمهلة من خلال مبكرات الصوت ثم فتح طريق لخروج المتجمهرين وتوفير اتوبيسات لترحيلهم.
 
السيناريو الرابع: استخدام القوة لفض الاعتصام: في حالة عدم الانصياع للإنذار, والإصرار على الاستمرار في الشغب, فيتم التعامل معهم باستخدام الغازات وفي حالة حدوث تعديات على الأرواح والأموال العامة تستخدم طلقات الخرطوش المطاطية ثم أسلحة الرش ... وهكذا.
 
وفي كل سيناريو من هذه السيناريوهات لابد من دراسة مميزات وعيوب كل سيناريو وتوجيه بعض الأسئلة الحرجة عن الموقف:
1-ما هي علامات الإنذار المبكر للحدث؟
2-ما هي شواهد الحدث؟
3-ما هي المخاطر والتهديدات المحتملة؟
4-ما الهدف من إدارة الحدث؟
5-ما هي الاجراءات العاجلة؟
6-ماهو مقترح تشكيل طاقم الإدارة؟
7-ما هو تقييمك لبدائل القرارات المتاحة؟
8-ما هي الدروس المستفادة من الحدث؟
 
فمن علامات الإنذار المبكر؟
1-دخول أسلحة لا حصر لها داخل مصر بطرق غير شرعية خلال العامين الماضيين؟
2-خروج الألوف من المساجين الإرهابيين أثناء الثورة أو بعفو رئاسي أثناء حكم الرئيس مرسي؟
 
الشواهد
1-قيام الإخوان بمليونيات غير سلمية خلال الفترة الماضية.
2- تفجيرات وأعمال إرهابية.
 
ما هي المخاطر والتهديدات المحتملة
1- ضياع هيبة الدولة في حالة عدم فض الاعتصام؟
2- تكرار مثل هذه الاعتصامات في أماكن أخرى وبصور أعنف.
3- أعمال تعذيب مقصودة وغير مقصودة.
4- وقوع مصادمات عنيفة بين قوات الشرطة والجيش من جانب وبين المعتصمين الإخوان من الجانب الأخر.
 
ما الهدف من إدارة الحدث؟
1- فض الاعتصام.
2- الحفاظ على هيبة الدولة.
3- عدم تكرار مثل هذه الاعتصامات
 
وهكذا يتم الإجابة على هذه الأسئة بإجابات منطقية وواقعية وتبعد عن التحيز.
عزيزي القاري
والآن ... ماهي الدروس المستفادة؟
- هل سنتعلم أن نقول "لا" حتى لو كانت قاداتنا الدينية قالت "نعم"
- هل فهمنا الدرس.
-هل وضعنا في سيناريوهاتنا سيناريو "للمساحة العمياء" وهو احتمال رجوع الإخوان إلى الحكم مرة أخرى. فماذا نحن فاعلون؟
المراجع:
 
1- خلاصات   2- أ.د جمال حواش