بقلم: شمعى أسعد
أما عن حرب البسوس القديمة فتحكى القصة باختصار أن امرأة تدعى البسوس من قبيلة تدعى بكر ـ كانت من أهم قبائل العرب ـ ذهبت بناقتها فى زيارة إلى جساس ابن أختها، وأثناء تلك الزيارة كانت ناقة البسوس ترعى مع إبل جساس، وحدث أن انطلقت ناقة البسوس فى أرض رجل يدعى كليب ـ زوج جليلة أخت جساس ـ وكان من قبيلة تغلب، ولما عرف كليب أنها ناقة خالة جساس الذى لم يكن يحبه بل كان يغار منه بسبب كثرة تباهى أخته جليلة به، أمر بقتلها، فثارت البسوس واستنجدت بجساس كى يثأر لها من كليب، وبالفعل قتل جساس كليب، ثم توالت ردود الأفعال حيث جاء الزير سالم ـ أخو كليب ـ لينتقم لمقتل أخيه لتشتعل حرباً دامت حوالى أربعين عاماً.
ولا شك أن من عاصر القصة كان يعرف ويدرك أسباب كل فريق أو كل قبيلة، وبالطبع كانت كل قبيلة ترى أسباباً وجيهة تدعو للقتال والثأر من الآخر، ولا شك أن جلسات المصاطب وقتها نجحت فى أن تلهب مشاعر كل فريق من خلال الحديث الملح عن الكرامة المهدورة ووجوب الانتقام ورد الاعتبار، وكان من الحماقة أن يحاول أحد التهدئة بحجة أن أصل الحكاية ناقة، بل أشك أن هناك من تذكر الناقة بعدما دارت رحى الحرب بقسوة بين القبيلتين اللتين هما أصلا أبناء عمومة، ولكن يبدو أن التاريخ هو من امتلك شجاعة ارتكاب تلك الحماقة، فظل يذكرهم بسخرية شديدة المرارة مسجلاً إياهم كأصحاب حرب اشتعلت لمدة أربعة عقود بسبب ناقة.
وبعد ذلك بما يقرب من ألف وسبعمائة عام، حيث تتغير أشياء كثيرة ولا تتغير العقلية القبلية، ولأننا عصريون فى النهاية فيجب أن نعدل قليلاً فى شكل الأحداث بما يلاءم العصر الحديث بدون أن يختل المضمون والجوهر، حيث يمكن استبدال الناقة بمباراة كرة قدم، كما يجب أن تأخذ القبيلة شكلاً أكبر يسمى الآن دولة، وتتوالى الأحداث حيث سيرى كل فريق أو كل قبيلة أو كل دولة أن هناك أسباباً وجيهة للقتال والثأر، وستأخذ جلسات المصاطب شكلاً عصرياً أيضاً حيث ستذاع على الهواء من خلال برنامج "القبيلة اليوم" وستنجح فى أن تلهب مشاعر الجماهير الغفيرة من خلال نفس الحديث المستمر عن الكرامة والعزة وحتمية رد الاعتبار، ولن يستطيع أحد التهدئة بحجة أن أصل الحكاية ناقة . . عفواً ناقة . . عفواً مرة أخرى نسيت أننا استبدلنا الناقة بمباراة كرة قدم، وهذا للأسف ما سيردده التاريخ عنا.
وأخيراً: إذا أردت أن تلهى طفلك أعطيه لعبة وبالمثل يمكنك أن تلهى شعبا.
إقرار: أقر بأنى لست متضامناً مع هذا الردح الدائر على أشده فى كل قنواتنا وجرائدنا - وهو لا يعبر عنى ولا يمثل وجهة نظرى - بل وأعلن شديد أسفى وخجلى لأن هذا إعلامنا.