دلجا المنكوبة .. بين الإرهاب و إهمال الدولة
المنيا واحدة من أكثر المحافظات تعدادًا للمسيحيين .
تحقيق : مينا ثابت
كمثيلتها من قرى الصعيد اعتادت قرية "دلجا "أن تعانى من التهميش و الإهمال على مدار عقودٍ من الزمن، الأمر الذي لم يستمر طويلاً، فحاذت "دلجا" على اهتمام الجميع و دخلت حيز الأضواء في الاونه الاخيره على خلفية أحداث العنف الطائفي ضد المسيحيين في منتصف أغسطس الماضي.
قرية" دلجا" التابعة لمركز دير مواس أخر مراكز محافظة المنيا و التي يبلغ عدد سكانها طبقاً لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة و الإحصاء لشهر يناير من عام 2013، حوالى 4.8 مليون مواطن و الذي يجعلها في المركز السابع على مستوى الجمهورية بنسبة 5.8 % من اجمالى السكان.
و يذكر أن محافظة المنيا من ضمن المحافظات الأكثر على مستوى الجمهورية في تعداد المسيحيين و الذي لا يوجد إحصاء رسمي بهم، ولكن تشير بعض التقديرات إلى أن نسبتهم قد تتعدى من 18 % لـ 23 %.
و تنعكس تلك النسب أيضا على دلجا، حيث يبلغ سكانها ما بين 100 إلى 120 ألف مواطن، قرابة الـ 20% مسيحيين من مختلف الطوائف المسيحية، و تضم دلجا 5 كنائس ما بين كاثوليكية و إنجيلية و أرثوذكسيه، و في المقابل تعتبر "دلجا "أيضا معقلاً هاماً للجماعات المتطرفة و التي على رأسها الجماعة الإسلامية و الجماعة الشرعية التي مثل زراعها الذي يسيطر على غالبية المساجد بالقرية، و التي على رأسها مسجد عباد الرحمن الموجود بالقرب من مدخل الطريق الصحراوي الغربي و الذي أكد اهالى القرية على وجود كمية من الاسلحه بداخله و التي استخدمتها تلك الجماعات في تحصينها للقرية من الاقتحام طوال الفترة الماضية.
ويعود التاريخ الحديث لدلجا في أحداث العنف الطائفي إلى الاعتداء على الكنيسة الكاثوليكية في الحادي عشر من نوفمبر لعام 2012 حيث قام عدد من جيران مسلمين بهدم سور المبني بحجة وجود مساحة ملك لهم داخله. وقرر المحامي العام لنيابات جنوب المنيا فيما بعد تمكين الكنيسة الكاثوليكية من إعادة بناء السور المتهدم ورد الشيء لأصله، اذ تملك أوراقا رسمية بالأرض، و في أعقاب ثورة 30 يونيو، بدءاً من 30 يونيو ولعدة أيام تالية، شهدت دلجا اعتداءات طائفية عقب المشاركة الواسعة في التظاهرات والمسيرات المناهضة بالرئيس المعزول، ففي يومي الأحد 30 يونيو و الاثنين 1 يوليو، قام شباب وأطفال من مسلمي القرية بالمرور في شوارعها والهتاف بشعارات طائفية والطرق على أبواب وشبابيك منازل بعض المسيحيين وقذفهم بالطوب، وانتهت المسيرات دون مصادمات أو إصابات من الجانبين.
ونحو العاشرة من مساء الأربعاء 3 يوليو ، وعقب بيان الفريق أول عبد الفتاح السيسي هاجم مئات من مسلمي القرية مبني دار مناسبات تابع لكنيسة مار جرجس للأقباط الكاثوليك التي توجد في نفس المنطقة، وهم يهتفون " إسلامية إسلامية عاوزين الشرعية... يادي الذل ويادي العار النصارى بقوا ثوار" وقد تعدوا بالضرب المبرح على شيخ الخفر وهو مسلم، فهرب العساكر المعينين للحراسة، وتركوا المكان، فاقتحم المتجمهرون المبني المكون من ثلاثة أدوار: الدور الأول مخصص حضانة ومكاتب لتقديم خدمات، والثاني مكتبة، والثالث سكن للقس أيوب يوسف، وقامت المجموعة المهاجمة بنهب محتوياته بالكامل، ثم اشتعلت النيران به.
حيث أتت على محتويات الدور الأول بينما قامت مجموعة أخرى بمهاجمة كنيسة الإصلاح ونهب محتوياتها بعد تكسير أبوابها. وتولى بعض المواطنين قطع الطريق إلى القرية ومنع دخول سيارات الإطفاء والشرطة، ذلك بحسب تقارير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
وحلت الكارثة الكبرى يوم 14 أغسطس في أعقاب فض اعتصامي رابعه العدوية و النهضه حيث تم اقتحام دير السيدة العذراء و الأنبا إبرام و سلب و نهب محتويات الدير و تخريب و حرق الدير الأثري و الذي يعود إلى القرن الرابع الميلادى بالكامل، و تم الاعتداء على عشرات المنازل و المحال التجارية الخاصه بالمسيحيين، و فى اليوم نفسه تم اقتحام نقطة الشرطه بالقرية و طرد عناصر الامن لتصبح دلجا منذ ذلك اليوم خارج سيادة الدولة المصرية.
عاش المسيحيين منذ ذلك الحين في رعب دائم، فلم يكن من الآمن أن يخرج المسيحي من بيته داخل القرية، و يذكر انه احد المواطنين المسيحيين حاول الخروج من بيته ليجلب لصغيرته " علبة زبادى " فتعرض لمحاولة قتل حيث تم التجمهر والاعتداء عليه و أهانته و عاد لمنزله بعد أن تمكن فى الهرب من المتجمهرين و المعتدين عليه. و تحول الأمر فى النهاية إلى اعتياد حيث لازم معظم المسيحيين منازلهم و لا يتركوها إلا للضرورة القصوى و اعتمدوا على بعض من جيرانهم المسلمين في تقضية حاجاتهم الضرورية كالغذاء و الأدوية.
و لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل أنها تصاعدت إلى أن وصلت لدرجة فرض " الجزية " على المسيحيين فى مقابل حمايتهم من المسيرات المستمرة من متطرفي القرية كل يوم، ولم يستطيع احد أن يرفض ذلك و إلا تعرض لانتهاك حرمة منزلة و أهل بيته، مما أدى إلى تهجير عشرات الأسر من مسيحيي القرية.
و يذكر أن الأمر تصاعد لابعد من ذلك فوصل إلى حد اصطناع مسيرات تهدد مناطق بالكامل و تفرض " الجزية " في مقابل الحماية على مناطق بأكملها، في مشهد يعيدنا للعصور الوسطى و هدم لفكرة الدولة و سيادتها و طغيان شريعة الغاب.
عاش مسيحيو دلجا لقرابة السبعين يوماً في قطعه من الجحيم يفتقد فيها إلى ابسط حقوقه الإنسانية، اُمتهنت كرامتهم، قتلوا وتم التمثيل بجثث موتاهم و حتى لم يتثنى لهم دفنها، فرضت عليهم الجزية في القرن الواحد و العشرين، نهبت و حرقت دور عبادتهم و انتُهكت حرماتها.
كل ذلك فى غياب تام للدولة، امس عادت الدولة مره أخرى لتفرض سيادتها و تطبق القانون بحزم، القت القبض على عددٍ كبير من العناصر التحريضية التي ساهمت في اشعال الاحداث، ولكن مايزل هنالك تهديدات قائمة بالانتقام من المسيحيين و استهدافهم مرة اخرى بدافع تسببهم فى اخراج لمحه من الحقيقة الغائبة داخل دلجا.
يبقى التساؤل الأخير، هل ستلتزم الدولة بتوفير حماية حقيقية لمسيحي دلجا ؟؟
هل سيتم إعادة بناء الكنائس و الأبنية و المنازل المتضررة ؟؟
هل سيعود مسيحيي دلجا لقريتهم مرة أخرى؟
تلك التساؤلات سوف تجيب عنها الأيام القليلة المقبلة.