بقلم / القس نصيف هارون
تحت عنوان: ("عزازيل"... مَن يكتب تاريخ مصر) كتب الأستاذ الدكتور حسن أبو طالب في جريدة الأهرام يوم الأربعاء 25 مارس 2009 العدد 44669 مقالاً رائعاً أعجبني فيه المنهجية السليمة التي اتّبعها الكاتب وكذلك الأسلوب الراقي الذي لا خلاف عليه من أستاذ مثل الدكتور حسن أبو طالب مع فكرة المقال.
وفكرة المقال مستوحاة من الجدل الحادث حول رواية يوسف زيدان "عزازيل" –التي تسيء للعقيدة المسيحية- والتي اخذ عليها جائزة بوكير البريطانية عن الرواية العربية من محكمين عرب مسلمين! ويتساءل أبو طالب إذا أرادنا كتابة تاريخ مصر، فمن الذي يكتبه؟ هل الأدباء أم رجال الدين؟ وكيف سيكتبونه هل من وجهة النظر المسيحية والكنيسة أم من وجهة نظر أدبية؟ واقتبس من المقال الجميل هذه الفقرة:
"الحق في أن يوضع تاريخ الكنيسة والحقبة المسيحية كإحدى مراحل تاريخ مصر العريق الممتد أكثر من سبعة آلاف عام‏.‏ وهو مطلب شرعي لا غبار عليه‏‏ فتاريخ الكنيسة جزء عزيز من تاريخ مصر والمصريين‏.‏ ولكننا نلاحظ‏‏ وحسب حالة الجدل حول رواية عزازيل الماثلة أمامنا‏‏ أن ثمة إشكالية علمية بحتة تفرض نفسها وهي من يكتب هذا التاريخ؟‏‏ وهل يقال فيه كل ما هو معروف وموثق كأحداث دامية من قبيل مقتل العالمة الوثنية الاسكندرانية هياباتيا وهدم معالم علمية وتاريخية‏‏ أو سرد السجالات الدينية بين أركان الكنيسة حول جوهر المسيح والسيدة مريم‏‏ أو التحالفات التي حصلت بين الكنائس وبعضها لمواجهة تحالفات مضادة‏".
ولا شك أن أبو طالب لم ينتبه للتاريخ القبطي اليوم أو من الذي يدونه إنما هي محاوله منه للرد على من ينتقدون رواية "عزازيل" والتي يقول مؤلفها أنها تاريخ وليس إساءة للعقيدة المسيحية، فحاول أبو طالب أن ينصر أخاه –ظالماً أو مظلوماً- بالقول إن تاريخ الأقباط والكنيسة المصرية هو جزء أصيل من تاريخ مصر ولا بد أن يُكتب وهذا جميلاً جداً جداً ولكن يقف الكاتب أمام إشكالية علمية وليست مشكلة يمكن حلها من وجهة نظره وهي باختصار "مَن الذي يكتب هذا التاريخ"؟ 
 
أولاً: أنا لا أرى أنها إشكالية ولا حتى مشكلة، فالتاريخ هو ملكية عامة للجميع ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، وما ينطبق على المسيحية ينطبق على الإسلام وعلى كافة المراحل المتعاقبة في تاريخ مصر وأي مؤرخ يستطيع إن يكتب بشرط توخي الدقة والموضوعية في سرد الروايات، ولكن لأن الموضوعية وهي كما يعرفها علماء النفس "البعد عن الأهواء والميول الذاتية في أمر ما"،  أمر صعب أن يحدث من مؤرخ مصري مسلم في ظل الاحتقان الطائفي أو التمييز الطائفي الملاحظ أقول سيكون مهمة كتابة التاريخ هنا صعبة.
 
ثانياً: ماذا إذا أراد شخص مسيحي إن يكتب تاريخ الإسلام وكيفية دخوله مصر وهناك الكثير من المحاولات بالفعل وإن كانت غير مقبولة بالطبع من المسلمين لأنهم يرونها متحيزة في وصف الفتح الإسلامي لمصر "غزواً وليس فتحاً"، كما أنهم يؤرخون عن كيفية دخول الإسلام وانتشاره في كثير من الدول بالسيف وسفك الدماء والحيل والخدع وأعمال المكر التي هي سمة أساسية للحروب والمحاربين. ويرصدون هي ذلك كل أشكال العنف والتمييز ضد أصحاب الأديان الأخرى معهم مثل المسيحية مثلاً وفرض الجزية عليهمولا شك أن التأريخ للإسلام بهذه الصورة مرفوض من الكثيرين لكن مَن إذاً له الحق في كتابة تاريخ مصر؟ 
 
ثالثاً: التاريخ لأنه صناعة بشرية ومحصلة أفعال البشر ولأنه ليس وحياً فهو لا يخلو من الأخطاء، ببساطة لأنه يحكي عن الإنسان الذي يخطئ كثيرا. ولكن السؤال الأكثر منطقية هل لدينا الجرأة بالاعتراف بالخطأ مسيحيين أو مسلمين كنّا وتصحيح المسار؟ فالإنكار لأخطاء الماضي لا يصححها كما انه لا يستطيع إن يخفيها كثيرا. لذلك علينا بمواجهة أخطائنا وتقديم اعتذارا للتاريخ وللمخطئ في حقهم، وخير مثال على ذلك  ما قام به البابا يوحنا بولس الثاني "بابا الفاتيكان السابق" في تقديمه اعتذاراً عن أخطاء الكنيسة في الماضي نحو العلم والعلماء والمصلحين وأيضاً الحروب التي تمت بموافقة الكنيسة وتحت شعار الصليب وهي لا تمت للصليب بشيء، فهل لنا أن نواجه أخطائنا بنفس القوة والجرأة في الاعتراف بها وتركها حتى نرحم وننجو من عقابها حتى لو أمام أنفسنا؟؟
 
رابعاً: إذا أرادنا كتابة التاريخ القبطي في مصر لا شك انه سيكون مسؤولية المؤرخين مع توخي الدقة والموضوعية، وأنا لا ادّعي عصمة الكنيسة من الخطاء في أيضاً مجموع البشر المتعبدين ولكني أؤكد إن لا بد للرجوع إليها أو حتى عرض تاريخها عليها قبل جزم صحته من أشخاص لا يعرفون الكثير ولا يقرؤون إلا ما ياستهويهم ويتماشي مع معتقداتهم و أفكارهم عن الأخر المغاير عنهم. أنا لا أحب تتدخل الكنيسة الشديد على حياة البشر ولا فرض الوصاية عليهم وعلى عقولهم لكني أؤمن بأنه هناك مرجعية لا بد من العودة إليها، فإذا أرادت كتابة كتاب عن الطب مثلا هل لا ارجع إلى الأطباء وكتبهم؟ وإذا أرادت كتابة تاريخ أوروبا مثلاً هل يكون هذا بمعزل عمّا كتبوا هم عن أنفسهم وخاصة إني لست من سكان أوربا أو المتخصصين في الطب؟ بالمثل لابد من الموضوعية والعودة للكنيسة وما كتبه المؤرخون المسيحيون عن تاريخهم الذي يسبق الإسلام بسته قرون؟
 
أخيراً: وليس أخراً أتمنى أن أرى تاريخ الأقباط والكنيسة المسيحية في مناهج الدراسية جنباً إلى جنب مع التاريخ الإسلامي والفرعوني وتاريخ مصر الحديث حتى تتأصل المودة وتغيب الكراهية التي تنشأ نتيجة الجهل بالآخر وعدم معرفته والاعتراف به كما هو.