بقلم: رفعت السعيد
يصعب بل يستحيل إعطاء صورة شبه كاملة فى هذه السطور مهما تعددت أو حتى تراكمت، فالأمر يحتاج إلى مجلدات، ولعلى قد فعلتها دون أى زعم باكتمالها ولو بأقل قدر.. فالبئر الإخوانية كانت ولم تزل قادرة على ضخ مزيد ومزيد من المعلومات، بعضها كان ظاهراً، وبعضها لم يزل مختفياً، ولهذا ورغم مئات من الكتب ودراسات لكتاب وباحثين أصدقاء للجماعة أو خصوم لها زعموا جميعاً، وأنا منهم، الحياد فى البحث الأكاديمى.. إلا أن هذه البئر يستحيل أن تتعامل مع كل ما تنضح به مرتدية ثياب الحياد الأكاديمى.
فأدبيات الجماعة وممارساتها تضم دوماً متناقضات وأغلفة وجوانب خفية كلما تعمقت فيها تجد فى طياتها ما يجبرك على مواصلة التفتيش بحثاً عما خفى أو أُخفى، فإن فعلت وجدت نفسك مجبراً على محاولة الفحص، والمقارنة بين أقوال ومواقف متناقضة، فإذا حاولت إيضاح أسباب هذا التناقض وجدت نفسك وكأنك غير محايد، وساعتها ستتبدى ومهما حاولت ومن خلال إلحاحك واختياراتك وكأنك منحاز حتى ولو كنت غير ذلك.
وإذ نتحدث عن الجماعة تاريخاً وممارسة ومصيراً لا بد أن نبدأ فى الحديث عن الأستاذ حسن البنا، المرشد، الإمام، الرجل الروحانى، الربانى.. فمن هو؟
ربما كانت الإجابة الأكثر دقة هى أنه نبت للصراعات التى تولدت فى تلك الفترة:
■ الصراع بين العلم وحركة التنوير عامة والقوى المحافظة.
■ الصراع بين الوطنية المصرية ودعاة الخلافة الإسلامية.
■ التناقض بين دعاة الحضارة الغربية والمتوسطية ورافضيها.
■ الصدام بين «التجديد» و«التقليد».
■ البحث عن دور للدين ومؤسساته فى لعبة السياسة.
ومن هذه الصراعات والتناقضات، وفى خضمها نبتت شخصية حسن البنا، وتفاعلت واتخذت مواقفها، ولهذا فإنه بغير بحثنا عن هذه الصراعات يوشك الحديث عن حسن البنا أن يكون مسطحاًَ.
ففى عام 1927 وكرد فعل لانهيار دولة الخلافة كانت هناك حركة بين بعض الدعاة الإسلاميين انعكست فى تشكيل جمعيات دينية ذات طابع اجتماعى تعمل على تربية الجيل الجديد وفقاً للتعاليم والأخلاقيات الإسلامية، وكان أهم هذه الجمعيات «جمعية الشبان المسلمين»، وقد أسهم فى تأسيس هذه الجماعة العديد من الشخصيات الإسلامية، بعضها من رجال الحزب الوطنى «عبد الحميد بك سعيد والشيخ عبد العزيز جاويش» وبعضها من تلاميذ الشيخ محمد عبده «أحمد تيمور باشا، ومحب الدين الخطيب ومحمد الخضر حسين».
والحقيقة أن جمعية الشبان المسلمين رغم أنها «قد رفعت شعارات دينية صريحة، فإنها لم تهتم فى نشاطها العملى بتعميق التعاليم الإسلامية، كذلك فإنها قد توجهت أساساً إلى أعداد محدودة من الشبان فى دوائر المتعلمين، ولم تبذل أى جهد للتوجه نحو الجماهير، وكانت الحاجة ملحة فى الدوائر الإسلامية إلى التركيز على العمل الدينى فى مواجهة التيارات العلمانية، وهكذا تكونت جماعات عدة ذات توجهات إسلامية، لكن أحداً منها لم يستطع أن يعمق جذوره، أو أن يكتسب تأييداً كذلك الذى كسبته جماعة الإخوان المسلمين».
وهكذا فإن حسن البنا رغم اتصاله بجماعة الشبان المسلمين، ورغم أنه كان مراسلاً فى الإسماعيلية لمجلة «الفتح»، التى أشرف على تحريرها محب الدين الخطيب، أحد قادة الشبان المسلمين، فإنه كان يشعر بالحاجة إلى تأسيس جماعة من نوع جديد.
وكانت اتصالاته فى الإسماعيلية تتبلور فى عدد محدود من الأشخاص، وتبلورت الأمر فى البداية فى ستة من العاملين بالمعسكرات البريطانية.
وفى مارس 1928.. إذ اجتمع «البنا» بالرجال الستة، ولعله من المثير للدهشة أن يحرص «البنا» فى دهاء مبكر على أن يروى لنا قصة الاجتماع الأول، وأن يرويه بأسلوب درامى يوحى بأن الدعوة قد نبعت من نفوس أتباعه، وأنه لم يفرضها على أحد. لقد تجمع الرجال الستة.. وتوجهوا لحسن البنا، وبعد أن شكروه على ما بذله من جهد فى تعليمهم أمور دينهم قالوا وفق رواية البنا: «لقد سمعنا ووعينا وتأثرنا، نحن لا نعرف السبيل العملى للوصول إلى عزة الإسلام، وخدمة ورفاهية المسلمين.. لقد سئمنا حياة الذل والقيد هذه، وإنا لنشعر بالعجز عن تفهم الطريق إلى العمل كما تتفهمه أنت، ولا نعرف الطريق إلى خدمة الوطن والدين كما تعرفه أنت، وكل ما نرغب فيه الآن هو أن نقدم لك ما نملكه حتى نصبح فى حِل من المسؤولية أمام الله، ولكى تصبح أنت مسؤولاً أمامه عما يجب أن نقوم به، فإذا تعاهدت مجموعة أمام الله، وبإخلاص على أن تحيا فى سبيل دينها، وأن تموت فى سبيله، وعلى ألا تسعى إلاّ إلى ما فى رضاه، فسوف تضمن نجاحها وفلاحها مهما قل عدد أعضائها».
وتبدو الصورة الدرامية واضحة من فخامة الأسلوب وعمق الفكرة، ولعلها تبدو كذلك أيضاً عندما يؤكد الشيخ البنا فى حرص أن الدعوة قد جاءته ولم يطلبها، والبيعة قد أتته ولم يذهب إليها، وأنه حمل قيادة الجماعة على كتفيه – دون أن يطلب لنفسه – مسؤولية القائد.
وتبدو هذه العبارات الفخمة والحماسية مثيرة للحيرة، بل الشك فى صحتها إذا ما علمنا حقيقة أصحابها، ونطالع «وفى ذى القعدة 1347هـ (مارس 1928) فيما أذكر زارنى بالمنزل أولئك الإخوة الستة حافظ عبد الحميد (نجار) أحمد الحصرى (حلاق) فؤاد إبراهيم (مكوجى) عبدالرحمن حسب الله (سائق) إسماعيل عز (جناينى) زكى المغربى (عجلاتى)، وجلسوا يتحدثون إلى وفى صوتهم قوة، وفى عيونهم بريق، وعلى وجوههم سنا الإيمان والعزم.
فهل يمكن أن تكون هذه ألفاظ وعبارات صادرة من هؤلاء؟ إن الأستاذ البنا قد أتقن دوماً فن إخراج المواقف، والإيحاء بقوتها وفخامتها، لكننى أعتقد أنه لم يتقن فن صياغة الألفاظ وفق المستوى الثقافى والمعرفى واللغوى للذين زعم أنهم أصحابها، لكن ذلك كله يمكن أن يفهم فى إطار التعبئة الروحية، التى أتقن فنونها، والتى اعتاد الإخوان أن يتقبلوها دون تردد، بل دون تمحيص.
وتكتمل الصورة الدرامية عندما يتحدث البنا عن تأثره العميق بكلمات الرجال الستة، وتهيبه من تحمل المسؤولية التى ألقيت على عاتقه، وكيف أنهم أقسموا جميعاً على أن يكونوا «جنداً لرسالة الإسلام»، وتباحثوا فى اسم للجماعة فقال البنا «نحن إخوة فى خدمة الإسلام، ومن ثم فنحن الإخوان المسلمون».
ورغم اختلاف الشيخ البنا مع رؤى الجماعات الدينية السابقة إلا أنه قد أعلن عن نفسه فى البداية كجماعة دينية خالصة هدفها «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».
لكن البنا يعود وبعد فترة ليؤكد «أيها الإخوان: أنتم لستم جمعية خيرية ولا حزباً سياسياً، ولا هيئة موضوعية الأهداف محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديدة تسرى فى قلب هذه الأمة تنجيها بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد الظلام بمعرفة الله»، إنها كلمات مطاطة لا يمكن لأى باحث أكاديمى أن يمسك بها.
ويلاحظ باحث آخر أن «البنا» كان يقدم لأتباعه مزيجاً من «التقاليد الصوفية المتجردة مع الفكر العقائدى، ولكن دون محتوى نظرى، ولو حتى فى إطار إسلامى بحت».
وعلى أى حال فقد «نجحت جماعة الإخوان فى تقديم نفسها كحركة دينية، واعتبرت نفسها البديل عن تعثر الاتجاهات العلمانية، وتعثر أنماط وأنظمة الحكم والقيم الأوروبية (المستوردة)، وقدمت نفسها على أنها القادرة على تقديم الحلول الجدية للقضايا الأيديولوجية والتناقضات الاجتماعية، التى واجهت المجتمع المصرى فى ذلك الوقت، مؤكدة أن القرآن هو الأساس القوى لقيام مدينة فاضلة».
ولعله من المثير للدهشة ذلك الحماس غير المعتاد، الذى استقبلت به جريدة «الأهرام» جماعة الإخوان المسلمين، والذى يوحى بدافع خفى وراء هذا الحماس، فمنذ نشأة الجماعة و«الأهرام» تتابع بصورة غير معتادة نشاطها مقرظة ومؤيدة فقد نشرت فى يناير 1929 صورة للمؤسسين وعددهم اثنا عشر عضواً، وفى فبراير 1929 خبر تأسيس فرع للجماعة فى أسيوط، ثم خبراً عن افتتاح فرع القاهرة فى شارع قصر العينى، وبعدها أخبار عدة عن تأسيس فروع فى نجح حمادى وبنها.. إلخ.
ثم تعاود جريدة «الأهرام»، التى اشتهرت بتحفظها التقليدى تجاه الجماعات الدينية، خاصة الإسلامية منها، اهتمامها بل دعايتها للجماعة: «إن الإخوان يقدمون للبيئة المصرية معهداً متكاملاً بإنشائها قسماً ليلياً للغات الحية، وآخر للفنون الجميلة نذكر منها الموسيقى الشرقية وفن التمثيل من الناحية الأخلاقية، وأنشأت قسماً للحفر، بالإضافة إلى القسم الرياضى، وبجانب هذه الأقسام اهتمت الجماعة بتكوين مكتبة عامرة بالمؤلفات النفيسة والمطبوعات، مما جعلها مرجعاً وافياً بحاجة الأعضاء»، ونلاحظ عدم صحة تقبل الجماعة الفنون الجميلة والموسيقى بما يعزز فكرة وجود دافع خفى وراء هذا الترويج.
وقبل أن نمضى يجب أن نحذر من أن محاولة فصل الرجل عن الجماعة تشبه محاولة الجراح استخدام مشرطه بين عضلتين فى عضو واحد.
فماذا يمكن أن يحدث عندما ينصهر فى بوتقة واحدة ولاء الصوفى لشيخه، وبيعة المريد لإمامه، بوفاء السياسى لزعيمه؟
الإجابة.. يحدث ذلك النوع الغريب من الحب الذى ربط كل إخوانى بالشيخ حسن البنا.. «ارم بنا حيث شئت، فوالله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك» هكذا حدثه أحد أتباعه.
«كان كل منا يشعر بأنه يقف منه موقف المريد من شيخه، وقد أسلم له القياد ليأخذ بيده إلى الله»، وهكذا تحدث عنه واحد من كبار قادة الإخوان.
وإذا كان البنا يجذب مريديه ببساطته وعلاقاته الشخصية.. فإن أتباعه قد بالغوا إلى حد كبير فى إضفاء هالات من الزعامة حوله. فإن كان هو قد اختار لنفسه لقب «مرشد»، فإن أتباعه كانوا يطلقون عليه أسماء عدة منها «رجل الساعة – القائد الإسلامى – الأخ الروحانى – المناضل العربى– المصلح الاجتماعى – المؤمن القوى – الرجل النورانى، الرجل القرآنى»، وإذا كانت دراسات عديدة قد أفاضت فى أسباب وبواعث قوة جماعة الإخوان المسلمين فإن كتاب ومفكرى الجماعة أنفسهم قد أكدوا أكثر من مرة أن سر نجاح الحركة كان يكمن فى شخصية البنا، بل إن كاتباً من مؤرخى الإخوان يقول: «إن سيطرة البنا على أتباعه كانت مطلقة وكاملة إلى درجة تصل إلى السحر».
وقد وصف المفكر الإسلامى الهندى «أبوالحسن الندوى» طبيعة العلاقة بين المرشد وأتباعه قائلاً: «إذا عطس المرشد فى القاهرة قال له أتباعه فى أسوان يرحمكم الله يا مولانا».
ثم، وإذ تنهض الجماعة وتجد لنفسها مكاناً فى ساحة العمل الفكرى والإسلامى والسياسى يرسم البنا لنفسه طريقاً يعتمد على مسارين: الأول مراكمة المواقف إلى جوار بعضها، التى تتناقض فى جوهرها، لكنه يراكمها دون نقد أو تخل أو دون حديث عن تغيير. فقط تبقى فإن قلت هذا خطأ أبرز لك النقيض قائلاً هذا موقفنا، وإن احتاجت تقلبات الواقع إلى العودة للرأى القديم كان جاهزاً ليقفز إليه فى يسر، وهكذا ظل الإخوان دوماً.. فالبنا إذ يحاول أن يقدم نفسه وجماعته للآخرين يتساءل «يقولون نحن فى حيرة من أمر الإخوان المسلمين، أهى طريقة صوفية أم جمعية خيرية، أم حزب سياسى، وأى شىء يقصدون، وفى أى طريق يسيرون، أما نحن الإخوان فقد تجاهلنا هذه المسميات، وأخذنا فى الطريق الذى لا يصلح أمر الناس إلا عليه، الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسول الله، ونهجنا منهج الإسلام، ووسيلتنا إيمان ومحبة وعمل» (15).
لكن البنا لم يفتح أبداً النوافذ التى تظهر حقيقة الجماعة، وحقيقة أهدافها أمام أحد بما يدفع أى باحث أكاديمى محايد إلى الظنون، التى قد تصح أو لا تصح، فالبنا يقدم نفسه وجماعته دوما وهو يراوغ بالكلمات، التى لا تحمل مضموناً محدداً، ويسأل: «هل نحن طريقة صوفية، أم جمعية خيرية، أم مؤسسة اجتماعية أم حزب سياسى؟ نحن دعوة القرآن، ودعوة الحق الشاملة الجامعة، نحن نجمع بين كل خير» (16). ثم هو يعود فيقول «إن الإخوان دعوة سلفية، طريقة صوفية، هيئة سياسية، جماعة رياضية، رابطة علمية ثقافية، شركة اقتصادية، فكرة اجتماعية» (17). ثم - ويا للغرابة - لا يلبث أن يصيح فى رجاله «أيها الإخوان أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزباً سياسياً ولا هيئة موضوعية الأغراض محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديدة، ونور جديد، وصوت داو» (18)، ولقد يتصور البعض أن فى هذا نوعاً من التخبط، لكننى أعتقد أنه تخبط مقصود لذاته، ومخطط بشكل محكم لكى تظل الجماعة قادرة على التعامل على أى وجه، وفى أى محيط، وكى يمكنها أن تتقلب لتتلاءم مع أى تقلب يطرأ على المستجدات.
وفى محضر تحقيق النيابة تحدث عبدالمجيد حسن «قاتل النقراشى باشا» محاولاً أن يوضح طبيعة الجماعة قائلاً: «الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وسياسة وقوة، وثقافة وقانون بمعنى أنه فى عهد المسلمين الأوائل ما كنش فى حاجة اسمها سياسة فكان الحاكم هو الإمام وهو الحاكم فى الوقت ذاته، وهو قائد الجيوش، وهو يمارس السياسة على أنها جزء من الدين» (19).
إنه مجرد تكرار لأقوال المرشد، الذى قال: «أيها الناس، الإسلام فكرة وعقيدة ونظام ومنهاج لا يحده موضوع، ولا يقيده جنس، ولا يقف دونه حاجز جغرافى، ولا ينتهى بأمر، حتى يرث الله الأرض ومن عليها» (20)، وقال فى موضع آخر «ليس هناك شىء اسمه دين، وشىء اسمه سياسة إنها بدعة أوروبية»، ثم يقول «أستطيع أن أجهر فى صراحة بأن المسلم لا يتم إسلامه إلا إذا كان سياسياً بعيد النظر فى شؤون أمته مهتماً بها غيوراً عليها»، ثم هو يصوغ فكرته هذه شعراً صارخاً ومتوعداً فيقول:
الدين شىء والسياسة غيره.. دعوى نحاربها بكل سلاح
لكن «البنا» وهو يعلن نفسه زعيما سياسيا، ويقدم جماعته كهيئة سياسية لا يستنكف أن يحرم الآخرين جميعاً من حق العمل السياسى فيعلن «لقد آن الأوان أن ترتفع الأصوات بالقضاء على نظام الحزبية فى مصر، وأن يستبدل به نظام تجتمع فيه الكلمة، وتتوحد فيه جهود الأمة حول منهاج قومى إسلامى صالح».
ثم لا يلبث البنا، وفى وقت أعتقد أنه ملائم تماماً للجهر ببعض ما يريد فى خبيئة نفسه، أن يؤكد متوعداً أن الأحزاب والنظام الحزبى ليسا ضروريين لقيام حكومة تمثل الشعب، إذ يمكن لهذه الحكومة أن تقوم دون حياة حزبية، ذلك لأن الأحزاب تقسم الأمة، ولا تتفق مع النهج الإسلامى. وإذ يدعو البنا صراحة إلى حل كل الأحزاب القائمة، فإنه لا يجد غضاضة فى أن يطالب الجميع بأن يفسحوا له هو وحده، ولجماعته وحدها الطريق «فحل الأحزاب السياسية سيتلوه قيام حزب واحد على أساس برنامج إسلامى إصلاحى»، ولعله يبدو غريباً أن يمعن البنا فى فكرة تصفية كل الأحزاب السياسية ما عدا حزبه إلى درجة الاستشهاد بتجربة الحزب الواحد فى روسيا وتركيا، وهما دولتان لا ترضى جماعة الإخوان عن نهجهما.
وتستمر علامات الاستفهام وعلامات التعجب فى تراكم، ولا نملك إلا أن نمضى مع رحلة الشيخ السياسى لنسجل ملاحظاتنا.
فالبنا يقدم نفسه كحزب سياسى يريد السلطة، بل يؤكد أكثر من مرة أنه لن يسعى إلى السلطة، وإنما السلطة هى التى تسعى إليه «فنحن لا نسعى للحكم، ولكن هو الذى يسعى إلينا فيما نعتقد، وحينئذ نفكر فى تحديد موقفنا منه، أنقبله أم نرفضه»، ولعله من المفيد أن أقرر أن المرحوم المستشار مأمون الهضيبى عندما كان مرشداً للجماعة قال لى شخصياً فى حوار تليفزيونى على الهواء «نحن لا نسعى للحكم، ولكن عليك أن تعرف أنه عندما تتحجب أغلب النساء، وعندما يطلق أغلب الرجال لحاهم، فإن الحكم سيسعى إلينا ملحاً، علينا أن نتقبله».