بقلم: عزت عزيز
المذبحة ليست في أن تُقطع الرقاب وتُشق البُطون وتُمزق الأجساد وتُلقى الأشلاء فحسب وكما حدث في مذبحة الكشح عام 2000 والتي غَرست في أعماقي جرحًا لا يمكن ان يُمحى حتي أن ألقى هؤلاء الشهداء لو كان لي نصيبٌ معهم.. ولكن ما هي المذبحة إذًا؟ نعم.. المذبحة هي أن تُقطع الأرزاق ..  فالمذبحة رأيتها في فرشوط عند لقائي بمن تم ذبحهم بقطع أرزاقهم وتجويعهم وتشريدهم وتعريتهم وتركهم يزرفون دموعهم مع يأسهم ومرارتهم وبكائهم وحيرتهم وتجاهلهم وتهديد الدائنين والبنوك لهم والتستر علي من فعل بهم كل هذا.. فالمذبحة هي أن تتركني جائعًا محتاجًا منسيًا محتقرًا وأنا مجني عليَّ دون ذنبٍ اقترفته.

فعندما ذهبت إلي فرشوط  في اليوم الثاني للمذبحة وكان ذلك يوم الأحد 22 نوفمبر 2009 وَجَدتُ فرشوط وقد أغُلقت من كُل مداخلها وحاولتُ بشتى الطُرق الدخول لأرى ما يُفعل بأناس مسالمين لا يعرفون الكراهية أو الحقد ولكن كل محاولاتي بائت بالفشل فتوجهت لنجع حمادي والتقيتُ بأسقفها نيافة الحبر الجليل الأنبا كيرلس والذي تربطني بنيافته علاقة قوية منذ أكثر من ثلاثين عامًا وقُمتُ بعمل أول حوار مصور مع نيافته وقص علينا ما حدث وبالتفاصيل التي توافرت لنيافته وقتها وتم نشر هذا الحوار علي موقع الأقباط متحدون في حينه وخرجت من نجع حمادي وكلي غِلٌ وآلم في آن واحد  لأنني  لم أستطع أن ألتقِ بأخوة لنا تم ذبحهم ومحاصرتهم حتي لا ينفضح هذا النظام العنصري الذي يحكم هذه الدولة -- ولا أنسى هنا أن أفخر بشباب فرشوط الذي قام بفضح كل هذه الممارسات العنصرية التي وقعت هناك وذلك عن طريق تصوير كل هذا بالفيديو حتي ولو كان عن طريق موبايلاتهم – ولكن كان لي عودة أخري إلى فرشوط صباح الأحد السادس من ديسمبر 2009 ورأيتُ سيارات الأمن تحيط بمخارج البلدة ومداخلها والتقيت بمن تواجد من التجار الذين تم ذبحهم  بفرشوط ولم أجد أي مشكلة أو صعوبة في لقاء هؤلاء لأنه عندما يقوم أحد بالاتصال بهم يجرون ويتسابقون علي أمل أن هناك من يسأل عنهم أو أنهم يمسكون حتى ولو بقشه قد تنقذهم مما هم عليه الآن .. ومن يتابع موقعنا "الأقباط متحدون" قد شاهد كل هذه اللقاءات المصورة والتي يقص فيها كل واحد منهم مأساته التي عاشها ويعيشها حتي الأن.

أول من التقيت به هو لطيف جاد  وأخبرني أنه من أكبر تجار البقالة في فرشوط ويملك محلين وأن كارثته قد مسحت كل ما فعله طوال الخمس والخمسين سنة الماضية من عمره وأخبرني أنه حاول عمل محضر في قسم  شرطة فرشوط لكنهم رفضوا وطلبوا منه أن يذهب قنا لعمل محضر هناك؟؟ وأخبرني أنه كان يود أن يرفع من مستوى وحياة مواطني بلده ويجعلهم لا يحتاجون إلي أصناف معينة فوفرها  لهم حتي الجبنة الرومي ولكن كان من نصيبه أن يُنهب كل ما لديه حتي هذه الجبنة التي تصور الناهبون المجرمون المتوحشون أنها صابون!!؟ نعم لهم الحق في هذا التصور فقد جاءوا حاملين همجيتهم وجهلهم المتوارث منذ أمدٍ بعيد .. حتي الخزنة الحديدية المثبتة داخل الحائط نزعوها باستخدام الآلات الحديدية المدببة وقد استغرق هذا وقتًا طويلاً وقدرت لنا خسائره بأكثر من ثلث مليون جنيه ..

وبعد ذلك التقيت بابن هذا التاجر والذي تم ذبحه هو الأخر بسكين من نار لأنه  يعتبر  أكبر الخاسرين والمتضررين والمدمرين علي مستوى فرشوط كلها فهو من تجار البقالة بالجملة ويملك محلاً كبيرًا ونظرًا لقدوم أيام عيد الأضحي كان قد قام بشراء كافة احتياجات زبائنه وكان من حظة العاسر أن تكون هذه البضائع بمئات الألاف من الجنيهات بل قد  تقترب من ثلاثة أرباع المليون. فعلي سبيل المثال، هناك نوعان من السجائر المستوردة قد استلم فاتورتهم بمائة وثلاث وثمانين ألف جنيه!! وهذا النوع من السجائر يُباع بأكثر من ثمانية جنيهات .. ومن فضولي قمت بمحاولة شراء علبة سجائر من هذا النوع وكان معي أحد المتضررين وذهبت لأحد المحلات فطلب مني خمسة جنيهات ونصف فقط !!!!!؟؟؟ ولما نظرت له بتعجب  تصور أنني اعتقدت أنه رفع سعرها علي – بالرغم من أنني لا اعرف سعرها - وقال لمرافقي سعرها  دلوقيت كده ياعم فلان!! وقال أنا واخد ربح خمسين قرش بس للعلبة!! وبصفتي لا أعرف أنواع السجائر ولم أضعها في فمي طوال عمري الماضي قلت يا جماعه فهموني ده انا اسمع انها أكثر من ذلك؟؟ فرد علي مرافقي وقاللي : يا أستاذ دي غالبًا من البضائع اللي اتنهبت والناهبين باعوها بخمسة جنيهات للتجار في الوقت اللي سعرها الأصلي يتعدي ثمانية جنيهات!! وعندها فهمت وارتاح صدري !!..وإلي لقاء بالجزء الثاني