الكاتب : مايكل ماهر عزيز
شاهدت يوم أمس الخميس برفقة عائلتي حلقة ببرنامج المواهب الغنائية " ستار أكاديمي " ، والمتبع في مثل تلك البرامج إن يأتي مغني لكل أسبوع كي يكون ضيفاً بهذا البرنامج ، وكان ضيف الحلقة المغنية : " هيفاء وهبي " التي أبهرت الجموع ليس من أجل جمال صوتها أو من أجل موهبتها الفذة ، إنما من أجل ملابسها الفاضحة الغير محتشمة وإيحاءاتها الجسدية المستفزة التي من غير المعقول ان يتابع أفراد الأسرة مثل هذا الفن الساقط .
حديثي هنا ليس من أجل انتقاد هيفاء وهبي ، فكلنا يعلم ان أمثال تلك الفنانات قد أستعانو بأجسادهم لتحقيق نجومية سريعة في عالم الغناء ، ولكن حديثي هنا من أجل إلقاء الضوء عن موهبة حقيقية لم تستعين بفساتين فاضحة لإبراز مفاتنها ، ولم تستعين بجسدها لتحقيق شهرة ونجومية سريعاً .
أتحدث هنا سيدة كانت تبلغ من العمر السابعة والاربعين وقتها، سيدة تعاني من إعاقة ذهنية وترهل في الدماغ بسبب نقص الاوكسجين عند ولادتها ، أتحدث عن فلاحة فقيرة مولودة بإحدي القري الاسكتلندية جسدها ملئ بالشحم والدهون وملابسها حقيرة وشعرها أشعث ، هذه السيدة هي المغنية العالمية سوزان بويل .
هذه الفلاحة البسيطة لم تبالي بمرضها وإعاقتها الذهنية ، ولم تبالى بسخرية الناس من هيئتها وطريقة حديثها ، فرغم ذلك آمنت تلك السيدة البسيطة بموهبتها الغنائية ، ومن أجل ذلك تقدمت سوزان بويل لمسابقة Britain's got talent في 11 أبريل 2009 وغنت أغنيتها " حلمت حلماً I Dreamed a Dream " ، لم تكن "عوارض النجومية" تظهر عليها حين صعدت على خشبة المسرح، للمشاركة في برنامج اكتشاف المواهب الموسيقية البريطاني ، إذ استقبلها الجمهور بالضحك والاستهزاء بلكنتها الاسكتلندية الفجة، ومظهرها البعيد كل البعد عن الأناقة والجمال. فقد ارتدت فستانا قديم التصميم بتصميم قديم من الدانتال العاجي، وهي ممتلئة القامة، تبدو مسنة، يلف خصرها حزام من الساتان الذهبي، شعرها غير مصفف يغزوه الشيب، التبرج لم يعرف طريقا إلى معالم وجهها، مع حاجبين كثيفين، وشكل لا يمت بصلة إلى الموهبة والغناء.
حتى إن أعضاء لجنة التحكيم الثلاثة لم يتمكنوا من إخفاء تأففهم لفكرة إضاعة الوقت مع المرشحة "غير المبشرة على الإطلاق"، والتي عرّفت عن نفسها بأنها عاطلة عن العمل، وعزباء لم يقبّلها أحد في حياتها. وحين سألها أعضاء التحكيم عن سبب مشاركتها في المسابقة، والوقوف على مسرح غلاسكو ، ردّت بأنها تحلم بأن تصبح مغنية محترفة . فكانت ردة فعل سايمون كول، صاحب فكرة البرنامج وبرنامجي "إكس فاكتور" و"أمريكان أيدول" سلبية للغاية؛ إذ بدأ بالتأفف لاعتقاده بأنها ستعطل عمل اللجنة وتضيع وقتها ووقت الحضور .
ولم تكن ردة فعل الحضور أفضل، فهزأ الموجودون من شكل بويل، وطريقة وقوفها على المسرح وطريقة ردها على الأسئلة، ولكنها لم تأبه لأي ردة فعل قابلتها. وحين سألها عضو لجنة التحكيم بيرس مورغان عن مثلها الأعلى في عالم الفن وبمن تشبه صوتها ونوع فنها، كان ردها "إلين بايج"، مما ضاعف استهزاء الجمهور وضحكه عليها ، لان الجميع يعلم ان المغنية إلين بابيج هى شابة صغيرة بالعمر.
سوزان بويل الإنسانة الواعظة
تحولت سوزان بيول دون أن تدري إلي واعظة كبيرة ألقت درساً لن ينساه أولئك الذين يهتمون بمظهر الانسان الخارجي دون رؤية جوهره الداخلي ، فحين انطلقت بويل بغناء المقاطع الأولى من أغنية "I Dreamed a Dream"، المأخوذة من العرض المسرحي الغنائي "البؤساء Les Miserables"، والتي تعتبر من بين أصعب أنواع الأغاني. وبعد لحظات من غنائها الرائع ، ساد السكون الرهيب المسرح، وبدأ التعجب والذهول واضحا على وجوه أعضاء لجنة التحكيم والحضور الذين وقعوا في فخ الشكل والهندام والأناقة، وقف الجميع لتلك الانسانة العظيمة ، فمنهم من كان متأثراً لموهبتها الفذة ، ومنهم من كان باكياً علي نظرته الساخرة لهذه الانسانة ، وقف الجميع مصفقين لها تقديراً لصوتها الملائكي.
حتى إن وقف المحكم كاول نفسه عندما انتهى مقطع الأغنية وصفق بشكل متواصل تقديرا لموهبة سوزان بويل. وعلّق مورغن بالقول "إنها بلا شك أكبر مفاجأة صادفته خلال السنوات الثلاث لهذا البرنامج"، معترفا أن "الكل سخر" من المغنية الاسكتلندية قبل أن تبدأ في الغناء. وأضاف "لا أحد يضحك الآن، لقد كان الأمر مذهلا".
بويل من الفقر إلي الشهرة والنجومية
وبعد ساعات قليلة من إذاعة تلك الحلقة من برنامج المواهب تحولت سوزان بويل إلي نجمة عالمية أهتم ملايين المشاهدين حول العالم بمتابعتها وأصبحت تلك القروية الفقيرة نجمة الانترنت الاولي في العالم ، فمنذ بث تلك الحلقة جذب المقطع الذي تظهر فيه بويل وهي تغني على المسرح عشرات الملايين من الزوار على شبكة الإنترنت، وسجل موقع يوتيوب رقما قياسيا لنسبة مشاهدة المقطع وتبادله بين الأصدقاء حول العالم، مما دعا يوتيوب إلى خلق موقع خاص بها ليستوعب نسبة الزائرين العالية، وارتفعت نسبة الزائرين من مليون ونصف إلى أكثر من 5 ملايين زائر في غضون أول 24 ساعة فقط.
وتناقلت وسائل الإعلام الأمريكية الخبر، ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" صفحة كاملة عنها، وزار موقع قناة "إيه تي في" المسؤولة عن إنتاج وعرض البرنامج أكثر من نصف مليون زائر في غضون 10 ساعات، وزادت نسبة مشاهدة مقاطع من هذا البرنامج بواقع 500% عن العام الذي سبقه.
وفي عام 2009 أصدرت سوزان ألبومها الأول بإسم (حلمت حلم) والذي حطم الأرقام القياسية في المبيعات على مر العصور متغلبا على ألبوم (سبيريت) للمغنية ليونا لويس ، حقق ألبوم (حلمت حلما) المركز الرابع في الأسبوع الأول من إصداره وفي السنة الأولى من شهرتها جنت سوزان بويل ثروة تقدر بخمسة ملايين جنيه استرليني من خلال ألبومها الأول واغنيتين مفردتين.
واصلت سوزان نجاحها الساحق من خلال إطلاق ألبومها الثاني واسمه الهدية في عام 2010. وفي 31 أكتوبر 2011 أصدرت ألبومها الثالث ، وفي 12 مايو 2012 عادت سوزان مرة أخرى لبرنامج المواهب كضيفة وأدت أغنية في الحلقة النهائية من البرنامج لذلك الموسم ، وفي اليوم التالي قدمت أغنية أمام الملكة في قصر وندسور بمناسبة اليوبيل الماسي للملكة اليزابيث الثانية ، تقدر ثروة سوزان بويل الان حوالي 35 مليون دولار .
رسالة سوزان بويل إلي الجميع
خلال مقابلة أجرتها قناة "سي بي إس" قالت سوزان بويل ذات الاثنان وخمسون عام الان ، قالت إن هؤلاء الذين كانوا يهزؤون بها ولا يحبونها أصبحوا الان يكنون لها المودة والاحترام منذ ظهورها على التلفزيون ، ولمحت إلى أن الناس يهتمون دائماً بالمظهر والأناقة، وهي لا تملك أيا منهما إنما تملك صوتا جميلا وموهبة نمتها بالغناء المتواصل في البيت منذ أن كانت في سن الـ12، وقالت إنها شاركت ببرنامج المسابقات هذا إحياء لذكرى أمها التي توفيت منذ فترة قصيرة، وكانت سوزان تقوم برعايتها.
هذه هي قصة سوزان بويل الانسانة الفقيرة التي لم تعتمد علي ملابس فاضحة أو علي قوامها الممشوق ، ولكنها أعتمدت علي موهبتها الحقيقية وصوتها الجميل الذي جعلها تتربع علي عرش قلوب المعجبين