السلفية في ميزان العلم والشرع والإنسانية (2)
إسماعيل حسنى
الاربعاء ١٦ اكتوبر ٢٠١٣
بقلم إسماعيل حسني
والسلفية هي امتداد لمدرسة أهل الحديث التي ظهرت في القرن الثالث هجري بزعامة أحمد بن حنبل في مواجهة تيار الإعتزال الذي وضع أسس الحضارة الإسلامية في مطلع العصر العباسي الأول.
وتتميز هذا المدرسة بضحالة الفكر وهشاشة المنطق وسطحية الأحكام الشرعية التي تصدرها، وذلك نظرا لاعتمادها على ظاهر النص، وعدم اعترافها بأدوات التحليل الشرعية التي يستخدمها الفقهاء والمفسرون كالتأويل والقياس والإستقراء والإستنباط وغيرها، مما قدح في أهليتها للنظر في العلوم الشرعية، وأدى لعدم الإعتراف بها حينئذ كمذهب فقهي.
وانحصر تأثير الحنابلة في إثارة القلاقل بين الحين والآخر بفتاويهم المتطرفة والمستفزة كما يفعلون في أيامنا هذه حتى قرر الخليفة المتوكل في منتصف العصر العباسي الثاني الاستعانة بهم لمواجهة تسلط الجنود الأتراك وسيطرتهم على مقاليد الحكم وذلك نظرا لقدرة الحنابلة على استنفار العوام حشدهم وتوجيههم.
وما أن امتلك هؤلاء بعض السلطة والنفوذ حتى بدأوا في التسلط على الناس والتعرض لهم في الطرقات والأسواق، وتكميم أفواه العلماء من سائر المذاهب الأخرى، وإحراق كتب الفلاسفة والمتكلمين والمترجمين والشعراء ومطاردتهم، والقضاء على كل معالم الفكر والإبداع التي أقامت صرح الحضارة الإسلامية لقرنين من الزمان، مما أدى إلى أفول تلك الحضارة وزوالها إلى يومنا هذا.
ومع سقوط بغداد في القرن السابع على يد التتار ظهر ابن تميمة وعمل على إحياء الفكر السلفي، والتف حوله العديد من التلاميذ كالذهبي وابن الجوزية. ورغم أن دعوة ابن تيمية كانت في جوهرها دعوة إلى الصمود في وجه الغزو المغولي، إلا أن آراءها وفتاويها المتطرفة أثارت موجات عارمة من الرفض الشعبي والرسمي لها، مما أدى إلى اختفائها مرة أخرى من ساحة الفكر في البلاد الإسلامية.
ثم عاودت الدعوة السلفية الظهور مجددا في القرن الثامن عشر الميلادي متمثلة في الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية بقيادة محمد بن عبد الوهاب، الذي تحالف مع الأمير محمد بن سعود الطامح لتأسيس دولة تسيطر على أرجاء شبه الجزيرة على، واتفقا على توظيف الدعوة في خدمة إنشاء الدولة، وأن تقوم الدولة بتوفير التمكين والحماية للدعوة.
ولقد كان السيناريو الطبيعي هنا أن تثير هذه الموجة من الدعوة بعض القلاقل والإضطرابات ثم تنحسر وتختفي في غضون سنوات قليلة كما حدث مع الموجات السابقة لها، خاصة بعد قيام الجيش المصري بسحقها وإعدام قادتها، ولكن ظهور البترول واستخدام أمواله في نشر الدعوة أدى إلى انتشار الوهابية وتحولها إلى إعصار مدمر في المنطقة والعالم.