بقلم: مصطفى عبيد
" الدرس واضح جلي
لا من زعيم أو نفر
عامل علينا ولي
من بنت زي القمر
يا أبو الحسين يا علي
لسة هاجرنا المطر".
وكأن الشاعر عمر نجم كتب هذه الكلمات لها. طفلة البراءة.. وشهيدة المحبة.. مصر الصغيرة والجميلة مريم نبيل.
لم تحُرِض على العنف، ولم تحض على الفتنة، ولا تنبس بكلمة سباب، ولم تدعُ إلى كراهية أو عداء، وإنما كانت تلهو بفستانها الأبيض في سلام القديسين.
مريم. رشة الفل الآخاذة. قطعة السكر النقية. حبة الكرز اللذيذة. نسمة الصباح النادرة، وقطرة الندى المتهدل على جبين زهرة. مريم جمالنا الأصيل، ووطنيتنا الخالدة، ومجدنا الذي ملأ الدنيا عقودًا وعصورًا. قتلوها خلسة. غدرًا. خداعًا. ظلمًا. جبنًا. قهرًا. غلًا. حسدًا وكأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
ثقبتها رصاصاتهم. أولئك الضالون المتسلحون بالقسوة، والحدة، والحقد الأعمى. الذين يخرجون الناس من النور إلى الظلمات، ومن دوائر المحبة إلى حلقات الكراهية، ومن رحمة الله إلى غدر الشياطين. أولئك الذين ابتلى بهم الوطن، فكانوا عليه أعدى من أعدائه، وأقسى من حساده، وأشرس من كارهيه.
أتعجب كيف واتتهم الجرأة أن يصوبوا بنادقهم الكافرة إلى جسد طفلة بريئة؟ كيف طاوعتهم أصابعهم أن تضغط على الزناد؟ وكيف رأوها تسقط مضرجة بالدماء، ولم تنفجر خلاياهم ندمًا وفزعا؟ كيف عادوا إلى بيوتهم بعدها ورأوا أطفالهم آمنين، فلم يجلدهم ضمير أو يعذبهم شعور بذنب؟!
أصرخ مع مظفر النواب، وهو يقدم احتجاجه الشعري:
"أصرخ فيكم
أصرخ أين شهامتكم؟
إن كنتم عربًا
بشرًا
حيوانات حيوانات".
أصرخ خائفًا على مستقبل أولادي، الذين سيخطون على أرض ملغمة، وبساتين شوك، ومقالب قمامة، ما هؤلاء بشرًا، ولا حتى حيوانات، إنهم قتلة، وليس لهم سوى القتل.
في زفافها نحو السماء، رفرفت مريم فوق نيل مستعر، تتلاطم مياهه حقدًا وغلًا بعد أن صُب فيها اللانتماء صبًا صبًا. الإسلام ليس وطنا، لكنهم جعلوه كذلك، منذ كتب سيد قطب أن جنسية المسلم وقوميته وهويته هي الإسلام فقط.
والآخر؟ أي آخر كافر، بُغضه في الله واجب على كل مسلم ومسلمة. كبرت كلمات تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
لا يمكن أن يكون الإسلام دين قتل ونحر وغدر. لا يرضى الله ولا رسوله عن قاتل مريم، التي لم ترتكب جرمًا ولا إثمًا. لا يقبل الإسلام هذه الدموية وتلك الخسة، لا يقبل المسلمون هذا الإرهاب الرخيص.
إن علينا جميعًا أن ننحني إجلالا لروح مريم نبيل، ابنتنا وجميلتنا. ونسجد لله مسلمين وأقباطا سائلينه أن يشفى صدورنا من قتلتها.