CET 00:00:00 - 22/12/2009

حوارات وتحقيقات

تحقيق: ميرفت عياد – خاص الأقباط متحدون
اللغة القبطية هي لغة قدماء المصريين منذ فجر التاريخ، كما أنها ليست لغة صلاة وترديد ترانيم وألحان محفوظة بل هي لغة حية ثرية غنية بتراكيبها اللغوية والشعرية، وقد استطاعت الكنيسة القبطية أن تحافظ عليها عن طريق ألحانها وطقوسها وصلاتها، فاللغة القبطية هي لغة أعظم حضارة في تاريخ البشرية وبدون هذه الجذور سنفقد أصولنا ويضيع تمايزنا عن بقية البشر، ولكن هذا لا يعنى أبدًا أن نحدد أنفسنا في اللغة القبطية فقط لا غير، إن اللغة القبطية هي لغة مصر وتراثها وهذا ما يؤكده المؤرخ المقريزي الذي ذكر في تأريخه "إن المصريين هم فقط هؤلاء القوم الذين يتحدثون باللغة القبطية"، ومعنى هذا أن في القرون الوسطى كان الحديث في الشارع باللغة القبطية حتى من قبل عرب مصر حتى أصدر "الحاكم بأمر الله" أوامره بمنع التحدث باللغة القبطية، لذلك أتمنى أن يرى كل مصري أن اللغة القبطية هي لغة مصر مثلما نعتز بالآثار الفرعونية علينا أن نتكلم لغة هؤلاء الفراعنة. أتمنى أن يعرف الأطفال في المدارس ولو نبذة صغيرة عن جذورهم اللغوية لكي ينمون على احترام التراث القبطي العظيم، وأن يعوا أن اللغة القبطية هي المرحلة الأخيرة من مراحل تطور اللغة المصرية التي تكلم وكتب بها أجدادنا المصريين منذ أكثر من خمسة آلاف سنة.

اللغة القبطية.. والألفباء اليونانية
اللغة القبطية.. والألفباء اليونانيةولمعرفة تاريخ تطور اللغة القبطية التقينا مع الدكتور "عبد الحليم نور الدين" أستاذ اللغة القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة الذي قال: إن اللغة القبطية مرت بعدة مراحل كان أولها الخط الهيروغليفي المكون من 10 آلاف علامة، وكان يُنقش على الحجر ويستغرق وقتًا طويلاً ويحتاج إلى فنانين كثيرين، ثم الخط الهيراطيقى نسبة إلى الكهنة حيث تم تبسيط الخط الهيروغليفي وتحويله إلى علامات تجريدية ماخوذة من الصور وكانت تكتب على ورق البردي، هذا إلى جانب الخط الديموطيقي وهو عبارة عن الخط الشعبي، وأخيرًا الخط القبطي المكون من الألفباء اليونانية مضافًا إليها سبعة حروف من الديموطيقية لتمثيل الأصوات القبطية التى لا يوجد ما يماثلها في الحروف اليونانية، وقد بدأ تاثير المفردات اليونانية على اللغة المصرية مع فتح الإسكندر الأكبر لمصر عام 332 ق.م عندما تبنت الادارات الحكوميه استخدام المصطلحات اليونانية، فتعلم بعض موظفي الحكومة المصرية اللغة اليونانية كما تعلمها أيضًا أهل الإسكندرية، وبذلك دخلت بعض المفردات اليونانية على اللغة المصرية القديمة.

بردية هايدلبرج.. مفردات قبطية بحروف يونانية
وأشار الدكتور "عبد الحليم" إلى أن الكتابة القبطية هي الوحيدة من صور الكتابة المصرية التي تسجل حروف الحركة فتعطينا فكرة دقيقة عن طبيعة نطق الكلمات المصرية، لذلك يتضح في الكتابة القبطية فوارق اللهجات، وكذلك نستطيع من قراءة الوثائق القبطية أن نحدد اللهجة المكتوبة بها، ومن أقدم الوثائق الموجودة إلى الآن بردية هايدلبرج 414 التي ترجع إلى منتصف القرن الثالث قبل الميلاد، وهي تشتمل على قائمة لمفردات قبطية بحروف يونانية مع ما يقابلها في المعنى باللغة اليونانية، وهي مكتوبة بواسطة شخص يوناني، وربما سبقت هذه الوثيقة محاولات أخرى لم تصل إلينا.
مؤكدًا على أن اللغة القبطية مرت بمرحلتين، الأولى: مرحلة الابتكار وهي المرحلة التى تبناها المصريون القدماء حيث كتبوا الكتابه المصرية بحروف يونانية، والثانية هي: مرحلة التكوين وقد قام بها المسيحيون في الإسكندرية وقد ربطوا الدين الجديد بخط جديد لكى يبعدوا الناس عن الوثنية.

اللغة القبطية... جزء من تراث مصر يجب الحفاظ عليهاللغة القبطية والفتح العربي لمصر
ومن جانبه أضاف دكتور "كمال فريد" أستاذ اللغة القبطية بمعهد الدراسات القبطية قائلاً: إن مصر استمرت تتكلم اللغة القبطية حتى بدأ الفتح العربي لمصر في القرن السابع الميلادي، فبدأ استخدام اللغة العربية في الظهور والانتشار بين المصريين بصورة تدريجية نتيجة لتعامل المصريين مع الحكام الجدد والاحتكاك بهم، هذا إلى جانب أوامر الوالي "عبد الله ابن عبد الملك ابن مروان" بعزل الموظفين المصريين الذين لا يعرفون اللغة العربية، كما أن الخليفة المعتصم قد سرح الجيش العربي للاستعانة بجنود أتراك مما أدى إلى قيام الجنود العرب بالنزول إلى القرى المصرية ومزاولة العديد من المهن التي أدت إلى تعاملهم واحتكاكهم بالشعب المصري فتعلم منهم لغتهم، هذا بالإضافة إلى أوامر عمرو بن العاص بأن يسكن الجنود العرب في البيوت المصرية في فترة الربيع كنوع من التنزه والراحة وبهذا احتك المصريين بالجنود العرب وتعلموا منهم لغتهم، واخيرًا أصدر "الحاكم بأمر الله" في وائل القرن الحادي عشر أوامره بمنع التحدث باللغة القبطية ونتج عن هذا أن انتهت اللغة القبطية في القاهرة والمناطق القريبة منها.

المقدمات والسلالم
وأوضح دكتور "كمال" أن الكنيسة حفظت اللغة القبطية حيث احتفظت بها داخل كتبها وصلواتها منذ أول القرن الثاني عشر، حيث بدأ الأقباط ينشرون كتب عن اللغة القبطية فسميت كتب النحو بالمقدمات، وسميت كتب القواميس بالسلالم، وظل علماء الأقباط يؤلفون هذه الكتب لمدة أربع قرون منذ القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر وبهذا الشكل تم الحفاظ على اللغة القبطية، وفي القرن السابع عشر والثامن عشر اهتم الغرب وخاصة في روما باللغة القبطية فقام كل من "الطوخي وكيرشر" بتأليف العديد من الكتب عن اللغة القبطية. كما ساعدت دراسة اللغة القبطية شامبليون على فك رموز اللغة المصرية القديمة من خلال حجر رشيد.

معهد الدراسات القبطية
وذكر دكتور كمال أن الانبا كيرلس الرابع في منتصف القرن التاسع عشر اهتم بإحياء اللغة القبطية، ثم تم بعد ذلك الاهتمام بتدريسها في الكلية الإكليركية ومعهد الدراسات القبطية الذي أُنشأ سنة 1954 بهدف الدراسات الخاصة بالأقباط من تاريخ ولغة، كما أن عام 1976 شهد تكوين الهيئة الدولية للدراسات القبطية وكان مقرها في روما ثم أصبح في ألمانيا حيث تقوم هذه الهيئة بعمل مؤتمر دولي كل أربع سنوات للإعلان عما توصل إليه علماء الدراسات القبطية وعلماء اللغة القبطية، وكان آخر اجتماع لها العام الماضي.

الألحان القبطية.. تراث موسيقي عبادي
اللغة القبطية... جزء من تراث مصر يجب الحفاظ عليهوأكد أبونا "متياس نصر" كاهن كنيسة العذراء والقديس كيرلس بعزبة النخل على أن الكنيسة بتهتم بنشرالألحان القبطية وذلك من أجل الحفاظ على التراث الموسيقي العبادي لديها، ولأن محاولة تعلم الألحان بلغة غير اللغة القبطية يفقدها أصولها الفنية، كان لزامًا على الكنيسة أن تُعلّم أولادها اللغة القبطية، فتقوم الكنيسة الأم بعمل كورسات ومسابقات في اللغة القبطية في أسقفية الشباب، أما على مستوى الكنائس الفرعية فتقوم كل كنيسه بعمل حصص لتعليم اللغة القبطية. كما أن الدارس للغة القبطية يعلم تمامًا أن العامية المصرية بها كثير جدًا من الكلمات والتراكيب اللغوية المأخوذه من اللغة القبطية مثل "شبشب، ترابيزه، فوطه، فلافل" وهذا يدل على أن اللغة القبطية لا علاقة لها بالدين، كما أنها لغة محببة للشعب المصري، ومتسللة سرًا في جميع معاملاته اليومية، فإن اللغة القبطية جزء من تراث مصر يجب الاهتمام به.
وأنهى ابونا "متياس" كلامه قائلاً إن الأسفار الإلهية كانت بداية ترجمتها من اليونانية إلى القبطية في القرن الثاني على يد العلامة "بانتينس" أحد أعلام مدرسة الإسكندرية اللاهوتية وذلك لإتاحتها لجميع المصريين، أما النصوص الكنسية فقد تم ترجمتها مع بداية الكرازة -أي في القرن الأول الميلادي- وذلك للتكريز بالمسيحية في صعيد مصر الذي كان لا يعرف غير اللغة القبطية.

اللغة القبطية.. اعتزاز بميراث الأجداد
ويتأسف بعض الأقباط لأن كثير منهم ليس لديهم الحمية العرقية التي تجعلهم يعون أهمية الكلام باللغة القبطية وحفظ هذا التراث، ويرون أن كل أسرة قبطية عليها واجب وهو إعداد جيل جيد وهذا الجيل لا يأتي إلا عندما نغرس في أطفالنا الاعتزاز بميراث الأجداد ونعلمهم عن كنائسنا وتاريخنا وأجدادنا وحضارتنا، ونعلم هذه اللغة الموسيقية الشاعرية الجميلة لأطفالنا، موضحين ان تعلم هذه اللغة في سن صغير يجعلها سهلة جدًا ولا تُمحى من الذاكرة، كما تجعل الأطفال يرتبطون بها عاطفيًا.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ١٩ تعليق