بقلم :  صبرى فوزى جوهره        
 
أحوال الوطن غير مستقرة و مقلقة ومتردية. لم يبقى لنا من مخرج من هذا الانحدار المطرد سوى الالتفاف حول مشروع وطني جبار تتضاءل أمامه إجرام أهرامات الجيزة العتيدة, و ما يستوجبه ذلك من التفهم بأنه ليس من المستطاع أو من المتوقع أن يتم مثل هذا الانجاز في أشهر أو سنوات بل و ربما فى عقود من الزمن، إلا أن الرغبة و التطلع إلى النجاح السريع  ليس هو ما يقلقني و يبعث فى نفسي الشكوك فلعل هذا هو من سمات العصر، و إنما شعوري بالعبثية و التشاؤم يرجع الى اننا لم نكتشف بعد المقولة الشهيرة التي تؤكد أن قمة الغباء هي أن يتوقع الإنسان تغيير نتائج ما يفعل بينما يصر على إتباع الأساليب القديمة الخاطئة التي أدت إلى الفشل المتكرر الذي استوجب حتمية هذا التغيير.
 
هناك مكونات عديدة لأسباب التمسك بإعادة تكرار المحاولات القديمة الساقطة أهمها في اعتقادي اننا ما زلنا نمارس رذيلة  "الضحك على النفس". و لا شك أن الضحك على النفس ينافس الدين على الموقع الأول كمخدر تتعاطاه الشعوب الرازحة في التخلف  التي "تستسهل" إرجاع عوامل تأخرها وفشلها الى أسباب خيالية أو واهية على أحسن تقدير. و لو تنبه كارل ماركس لخطر الضحك على النفس عندما قال مقولته الشهيرة عن الدين, لأدرج الضحك على النفس على رأس  قائمة "المكيفات"شديدة الفتك التي تحطم مستقبل الشعوب "الكي يفه" المتطلعة إلى التقدم و الرخاء.
 
لا شك ان المصريين منهكون و يبحثون عن "مسيا" ينتشلهم من الهاوية التي وقعوا فيها, وهذا أمر مفهوم و لكن, و بالرغم من كل الاحترام و الإعجاب و التقدير الذي أكنه  لمن وقع عليه خيار السواد الاعظم الشعب لهذه المهمة, وأعنى الفريق أول عبد الفتاح السيسى لما قام به إلى الآن  من انقاذ لما تبقى من مصر, إلا أن تعليق كل أمال مصر على شخص واحد هو بالتحديد ما أدى بنا إلى الجحيم الذى نعانى منه الآن. فما بين جمال عبد الناصر و أنور السادات ثم حسنى مبارك تدحرجت مصر من "الحفرة إلى الدحديرة". لذا, أقول للمصري: انسي موضوع "الرجل المنقذ" الأوحد الذي "لا عيب فيه سوى انه "لا عيب له" كما قيل فى الماضى عن صاحب اعظم هزيمة و فشل في تاريخ مصر الحديث ان لم يكن فى تاريخها المديد قاطبة, الخالد, أبو خالد مسبب "النكسة". تقوم الدول على مؤسسات قوية قويمة تعلو على قواعدها العدالة, يتضاءل الجهل بين أبنائها و يكاد الفقر بين مواطنيها أن ينعدم. ليس في النقد المهذب البناء ما ينتقص من قدر الحاكم الصالح بل فيه ما يساعده على توخي صالح الوطن و المواطنين. هو إنسان و لم يخلق بعد إنسان لم يخطئ.
 ابحث يا مصري عن مؤسسات و ليس عن أفراد. المؤسسات باقية و الأفراد عرضة للخطأ و الاختفاء. لنكف عن تأليه الحكام مع الالتزام باحترامهم إذا ما بذلوا الجهد الأمين لصالح الوطن
 
 أول مؤسسات الدولة هى العدالة. من مظاهر الضحك على النفس ان هناك  من  يتشدق "بقضاء مصر الشامخ" سواء كان ذلك عن جهل اوعن الاحتفاظ او الحصول على كسب ذاتى مفترض اوعن رياء مقيت. يقولون ذلك  بينما يرى الجميع كيف كان هذا القضاء يخضع احيانا لرغبات الحاكم المستبد و مخططاته و يسانده فى التمادى فى غيه. قضاء اصدر الاحكام الجائرة على الابرياء مثل احكام الكشح التى يبدو ان الاقباط قاموا فيه بانتحار جماعى لا سبب ورائه, و الحكم على بارومى القبطى العنى المتهم باغتصاب فتاه مسلمة على قارعة الطريق تحت وهج شمس الصعيىد, واحكام ازدراء الاديان المتعددة التى تدير عدالتنا الشمخاء وجهها المشرق بعيدا عن الحق عند التصدى لها و تلتزم  بما جاء فى مكان ما من ان الدين الوحيد المقبول  عند الله هو الإسلام ,فايه يعنى لما يتبول سافل على كتاب ألكفره المقدس؟  ثم احكام براءة قتلة الأقباط من المسلمين و تركهم أحرارا طلقاء ليعاودوا افعالهم المجيدة فى القضاء على المشركين الضالين. السبب الأول لخراب دولة هو انعدام العدل فيها و ليست "المؤامرات" الخارجية  او الخيالات الدون كيشوتيه أو عدم الالتزام باحكام الدين اى دين كان.
 
يجب الالتفات الى نقائص العدالة المصرية و التصدي لها و إصلاحها كأول عمل على طريق المشروع الوطني الكبير للتقدم و الازدهار. فان لم يكن, فستنطبق علينا قاعدة الغباء الأولى التي أشرت إليها أعلى هذه السطور وهى أن نتوقع تغيير النتائج السيئة بالرغم من إعادة ممارسة أساليب الفشل التي أدت إليها.  
أرجو أن تتاح لي الفرص في مقالات قادمة لعرض بعض المظاهر الأخرى للضحك على النفس التي يمارسها المصريون بكل فهلوة و ارتياح و اطمئنان.