بقلم: عماد توماس
مقدمة لا بد منها

لا أنكر أنني أجد صعوبة بالغة في قراءة نصر حامد أبو زيد، ولست أعتقد أن هناك جمهورًا كبيرًا يقرأ له، وليس بالضرورة أن الباحث الرصين يجد له جمهورًا كبيرًا... هكذا اعتدنا في عالمنا العربي!!. خذ عندك مثلاً: المجموعة الإلكترونية على الفيس بوك بعنوان "أصدقاء رواق نصر أبوزيد" لم تجد غير 32 من الأصدقاء للانضمام لها بينما تجد إحدى المذيعات انضم لها عشرات الألوف!!

بيانات أساسية
نصر أبو زيدنصر حامد أبو زيد مفكر وباحث مصري من مواليد مدينة طنطا بمحافظة الغربية في 10 يوليو 1943، وقد يدهشك إذا علمت أنه بدأ حياته العلمية بالحصول على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي عام 1960م . لكنه اجتهد حتى نال ليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب جامعة القاهرة 1972م بتقدير امتياز. ثم ماجستير من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1976م بتقدير امتياز. ونال أيضًا دكتوراه من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1981م بتقدير مرتبة الشرف الأولى. وتدرج في المناصب حتى وصل إلى أستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة 1995. ونال عدة جوائز عربية وعالمية يعوزني الوقت لذكرها.

منهج تفكير
يؤمن الدكتور أبو زيد بأن: لا سقف ولا حدود ولا شروط تعوق حق بل واجب الاجتهاد سوى التمكن المعرفي، اي العلم بشروط وأدوات المعرفة والتمرس بأدوات البحث ومناهجه حسب المواصفات التي وصل إليها التقدم المعرفي.

الحرية الغائبة في نقابة الصحفيين
ذاع صيت أبو زيد إعلاميًا مرتين، الأولى عندما تم تفريقه من زوجته بحكم المحكمة، والمرة الثانية مؤخرًا منذ عدة أيام عندما تم منع دخوله دولة الكويت لإلقاء محاضرتين هناك، رغم حصوله المسبق على تأشيرة دخول. بل عندما قامت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين عقد مؤتمرًا صحفيًا تضامنيًا معه، أغلقت الأبواب أمامه ولم يجد الحاضرين غير "بهو" النقابة لعقد المؤتمر الصحفي، ويبدو أن طيور الظلام التي منعت عقد مؤتمر "مصريون ضد التمييز الديني" في النقابة منذ سنتين مازلت تواصل تحليقها في نقابة "الحريات" أو هكذا يطلقون عليها!!
يقول نصر شارحًا ما حدث "اتصل بي الأستاذ “محمد عبد القدوس”– مقرر لجنة الدفاع عن الحريات في نقابة الصحفيين لعمل مؤتمر تضامن بخصوص مسألة إلغاء تأشيرة دخول الكويت بعد منحها. ولأني أحترم الرجل –وليس المؤسسة– فقد وافقت. فوجئت بأن القصة جرت كالتالي: بعد الموافقة المبدئية سحبت النقابة موافقتها وقالت لمحمد عبد القدوس لن نسمح لرجل رفضنا في العام الماضي استضافة محاضرته أن يتحدث اليوم في النقابة، وهذه قصة أخرى... لم يكن ثمة من حل إلا أن تعقد الفعالية في البهو في الدور الأرضي بلا مقاعد ولا ميكروفون. وكان هذا تنازلاً من النقابة التي اقترحت عقد المؤتمر على الدرج الخارجي في مدخل النقابة. أما قصة العام الماضي فهي كالتالي: كانت مؤسسة المورد الثقافية (القاهرة – بيروت) التي حاولت أن تقيم محاضرتي عن “الفن وخطاب التحريم” في النقابة، ورفضت النقابة الطلب كما رفضت كل مؤسسات وزارة الثقافة استضافة المحاضرة، ولم تقبل باستضافة المحاضرة سوى الجامعة الأمريكية التي أرغمها الأمن على عقدها في القاعة الصغيرة دون قاعة إيوارت الكبيرة والتي كانت خالية تمامًا، الأمر الذي جعل أكثر من 60% من الحضور يقفون خارج القاعة.. وبين الكويت ومصر يا قلبي لا تحزن... النقابة التي خاضت انتخابات النقيب الديمقراطية من عدة أيام، حاول محمد عبد القدوس الاتصال بالنقيب لإعطاء أوامر –بصفته مرشح الحكومة الذي أعيد انتخابه– ولكن موبايله مغلق بالضبة والمفتاح. لكن الندوة كانت رائعة رغم كل شيء".

طارح الأسئلة الصعبة
 اهتم أبو زيد بتأويل وتفسير النص الديني واخترق منطقة طرح الأسئلة الصعبة التي يخشى الإنسان الاقتراب منها، حاول الإجابة على تساؤلات غير معتادة مثل: هل يتوافق الفكر الإسلامي مع الحداثة؟ وهل يتعارض الإسلام مع أنظمة الحكم الحديثة؟ وهل يجوز تأويل النص الديني؟
يرى أبو زيد أن النص الديني الأصلي هو منتج ثقافي، بمعنى أن الله يخاطب البشر وفقًا لثقافتهم. وهو نفس فكرة مفهوم الوحي في الفكر الإنجيلي الإصلاحي.
تعرض لحملة تفتيش في النوايا قبل الأفكار من طيور الظلام والإظلام، ومحاكمة غير مسبوقة في تاريخ مصر المحروسة، بعد أن اتهمة دعاة الحسبة بسبب أبحاثة العلمية بالارتداد عن الدين، واستغلوا ثغرة في القانون فَحُكم عليه بالتفريق بينه وبين زوجته الدكتور ابتهال يونس الأستاذة في الأدب الفرنسي، غادر على أثرها مصر إلى هولندا وعمل هناك أستاذًا للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن. وعاد مرة أخرى منذ سنوات قليلة لمصر.

نقد الخطاب الديني
يقولون أن هذا الكتاب كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر بعير التشدد ومدعي الاعتدال، فقد ساعد هذا الكتاب في ذيوع صيته ما تعرض له أبو زيد من هجوم وتشهير وقذف وصل إلى اتهامه بالارتداد عن الإسلام، ففي هذا الكتاب يحلل أبو زيد منطلقات وآليات الخطاب الديني بروافده المختلفة المعتدلة والمتطرفة اليمينية واليسارية بمنهج تحليلي علمي رصين، ويتصدى المؤلف في فصل تمهيدي إضافي للرد على الاعتراضات والاتهامات، سواء تلك التي أثارت التقدير المشبوه داخل الجامعة، أو تلك التي نشرت في الصحف والمجلات، أو التي تضمنتها عريضة الدعوى في القضية المرفوعة ضده.
هكذا يؤكد أبو زيد تمسكه بمنهجه النقدي، كما يؤكد إصراره على التصدي للتزييف والخلط متسلحًا بشجاعة الباحث عن الحقيقة دفاعًا عن الوطن والتاريخ والوعي.

النص، السلطة ،الحقيقة
يرى أبو زيد أن ثمة قاعدتان أساسيتان يحسن الإشارة إليهما في منهج تحليل الخطاب:
القاعدة الأولى: أن الخطابات المنتجة في سياق ثقافي حضاري تاريخي ليست خطابات "مغلقة"، أو مستقلة عن بعضها البعض، فآليات "الاستبعاد" و"الإقصاء" التي يمارسها خطاب ما ضد خطاب آخر تعني "حضور" هذا الخطاب الآخر -بدرجات بنيوية متفاوتة- في بنية الخطاب الأول.
القاعدة الثانية: أن كل الخطابات تتساوى من حيث هي خطابات، وليس من حق واحد منها أن يزعم امتلاكه للحقيقة، لأنه حين يفعل ذلك يحكم على نفسه بأنه خطاب "زائف". قد يتمتع خطاب ما في سياق سياسي اجتماعي تاريخي بعينه بالذيوع والانتشار، الذي يؤدي إلى سيطرته وهيمنته على الخطابات الأخرى فيقوم بتهميشها وإلقائها خارج دائرة الضوء وبؤرة الاهتمام. لكن تاريخ الثقافة في كل المجتمعات الإنسانية يعلمنا أن هذه السيطرة والهيمنة لخطاب بعينه كانت تتم من خلال عوامل القهر السياسي والإذعان الاجتماعي وتزييف الوعي في أحسن الأحوال.

مفهوم النص
يرى أبو زيد أن الحضارة العربية الإسلامية هي حضارة "النص". فالقرآن نص لغوي يمكن أن نصفه بأنه يمثل في تاريخ الثقافة العربية نصًا محوريًا. وليس من قبيل التبسيط أن يصف أبو زيد الحضارة العربية الإسلامية بأنها حضارة "النص" بمعنى أنها حضارة انبتت أسسها وقامت علومها وثقافتها على أساس لا يمكن تجاهل مركز "النص" فيه، وليس معنى ذلك أن "النص" بمفرده هو الذي أنشأ الحضارة، فإن "النص" أيا كان لا ينشئ حضارة ولا يقيم علومًا وثقافة، أن الذي أنشأ الحضارة وأقام الثقافة جدل الإنسان مع الواقع من جهة، وحوار مع "النص" من جهة أخرى.

دوائر الخوف
صدر هذا الكتاب بعد الحكم القضائي ضد أبو زيد، ويحث فيه القارئ منطلقًا من السعي للتفكير الحر، التفكير بلا خوف، ولا مناطق آمنة يرسمها البعض حفاظًا على مصالحه، آملاً أن يقرأ القارئ الذي خضع لضغط التجهيل هذا الكتاب، متخليًا عن إستراتيجية "البحث عن العفريت" فيه، ففي هذا الكتاب لن يجد القارئ "عفريتًا" لكنه سيجد اجتهادات في فهم أهم قضايا المجتمع المطروحة، وهي قضية المرأة. إنها اجتهادات قد يختلف القارئ معها وقد يتفق، لأنها مطروحة للنقاش. وهي في النهاية اجتهادات لا يمتلك صاحبها سلطة من اي نوع لفرضها على الناس، والأهم من ذلك أن صاحبها يقف ضد كل سلطة وأي سلطة تحول بين الإنسان وحريته في التفكير.

الخطاب والتأويل
في ظل احتدام الصراع تحاول معظم الخطابات أن تستخدم ضد بعضها البعض اشد أسلحة "الاستبعاد" و"الإقصاء"، ويسعى كل خطاب لأن يتحول إلى سلطة. وكلما اقترب الخطاب من سدة السلطة السياسية ازدادت شهية القمع والتدمير عند ممثليه، رغم الفارق بين خطاب يمارس سلطة مستمدة من مصدر خارجي، وآخر يستمدها من آليات الإقناع والحفز المعرفي.
وللسلطة تجليات وأشكالاً شتى، فإضافة إلى السلطة السياسية هناك سلطة "العقل الجمعي" وسلطة الواعظ في المسجد والكنيسة، وهما سلطتان تساند إحداهما الأخرى وتشملها بالحماية، فإذا استطاع نمط من أنماط الخطاب أن يستخدم هاتين السلطتين ويوظفهما لترويج أفكاره فإنه يكون مؤهلاً لا لتهميش نقيضه فقط، بل يكون قادرًا على تحدي السلطة السياسية، التي غالبًا ما تسعى للتخلف معه.

فلسفة التأويل
هى دراسة في فكر محي الدين بن عربي وهي رسالة نصر أبوزيد للدكتوراه درس فيها فلسفة التأويل عند شيخ المتصوفة ابن عربي.
واجه أبو زيد في هذا الكتاب فلسفة ابن عربي في جوانبها الوجودية والمعرفية، مفاهيمه الخاصة بماهية النص الديني ودوره الوجودي والمعرفي، ومفهوم اللغة بمستوياتها المتعددة باعتبارها الوسيط الذي يتجلى من خلاله النص والمراتب المختلفة والمتعددة للوجود الإنساني تخضع لهذا التصور. من هذا المنطلق يفرق ابن عربي بين ظاهر الوجود وباطنه، ويرى ضرورة النفاد من الظاهر الحسي المتعين إلى الباطن الروحي العميق في رحلة تأويلية لا يقوم بها إلا الإنسان لأنه الكون الجامع الذي اجتمعت فيه حقائق الوجود وحقائق الألوهة في الوقت نفسه.

مؤلفات أخرى
الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة، أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة؛ مدخل إلى السميوطيقا، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية، نقد الخطاب الديني، المرأة في خطاب الأزمة، التفكير في زمن التكفير، الخلافة وسلطة الأمة، الخطاب والتأويل.

آخر الكلام
لا كرامة لــ"عالم" في وطنه "العربي"!!

هوامش
رواق نصر أبو زيد