بقلم : سامح سلمان
إن اسوء ما يحدث فى مجتمعاتنا العربيه الغوغائيه الكئيبه التعيسه سيئه الحظ هو التطابق و التكرار الخانق لطبائع الشخصيات لدرجه الكفر بالتفرد والأختلاف ،والتحول الى نسخ كرتونيه كربونيه معدومه الهويه و الذاتيه والتميز، شديدة الضأله والضحاله والتفاهه العقليه. والدوران العبثى المستمر فى حلقه مفرغه ودائرة مغلقه بالنسبه لمختلف الأراء و القناعات والتوجهات والنظم والقيم والايدولوجيات .

 فحياتنا مقفره و مجدبه ومقحله ومحبطه وفاتره و شديدة الفقر والتكلس والثبات بالنسبه للأفكار والقضايا المثيره للجدل والمسموح والمتاح طرحها للرأى العام ، بالرغم من وجود العديد من الموضوعات والرؤى و النظريات الهامه و الحيويه و المصيريه المهمله . 
 
وذلك لا يرجع فقط لتحريم الخروج عن النسق القائم و تجريم الفكر النقدى الغير مشروط ،وندرة العقليات الابتكاريه الابداعيه الخلاقه .
ولكن السبب الحقيقى لذلك التصحر و الجمود يكمن فى اشتداد سلطان الماضى و إنسان الماضى على الحاضر و إنسان الحاضر .
 
 بسبب الأرتكاز والأعتماد والركون الى سلطه و مرجعيه فكريه قديمه لنعتبرها مقياساً للصواب والقيمه ونستمد منها الأسانيد ، كالكتب التراثيه الصفراء والعادات والتقاليد والحكم والأمثال الشعبيه ، وخلق أرتباط شرطى حتمى بين صحه اى فكرة جديدة وبين مدى أتساقها وتقاربها ومحاكاتها وتماهيها مع أقوال وقيم ومعتقدات ومبادئ وأفكار الأقدمين و الأولين النموذجيه المعجزيه الأعجازيه المعصومه . !!
 
 بخلاف تعدد قوائم الموروثات و المسلمات و المقدسات والمحرمات ، وسياج الممنوعات المرتفع ، وسقف المحظورات شديد الأنخفاض المانع لطرحها و تناولها بجرأة وحريه ومصداقيه ، فلا يحدث تبعاً لذلك الا الدوران التلقائى فى فلك نفس الاطروحات وتفسيراتها وطريقه معالجتها من نفس زوايه الرؤيه ، واعادة سرد و انتاج وافراز واستنساخ ذات الأطروحات وتفسيراتها والمقولات والأفكار والمصطلحات القميئه السقيمه العتيقه المتهالكه الباليه المهترئه، التى كثيرا ما اثبتت فشلها وعدم ملائمتها ومواكبتها لمستحدثات العصر و مستجداته ، والتطورات والتغيرات السياسيه والأقتصاديه الناتجه عن حركه التطور العلمى والتكنولوجى و تغير وأختلاف مقاييس وموازين القوة ـ تبعا لتغير من بيدة القوه ـ التى ينتج عنها بالضروره وبالتبعيه تغيرات فى التركيبه والمنظومه و البنيه الثقافيه والعقائديه والأجتماعيه،
والتى على أساسها يتحتم تغيير المنوال الفكرى وأعتماد منهجيه جديدة للتفكير والتقييم والتصنيف واعادة البناء واستشراف واستقراء المستقبل، لكى يتغير ما نحصدة من نتائج . إن حياتنا العلميه والفكريه والثقافيه والأجتماعيه عبارة عن بحيرة راكدة اسنه تحتاج بشدة لأحجار تسقط بها بعنف لتحركها وتوقظها من غيبوبتها العميقه وسباتها الطويل.ان المجتمعات العربيه تحيا يوماً واحداً لا يمل من تكرارة بسبب عدم أعتياد الفرد على أستقصاء حقيقه الأشياء و إعمال عقله فى كل ما يحيط به من ظواهر ، والدعوة العامه لنبذ حريه الفرد
 فى التفكير الحر المستقل ، والأكتفاء بترديد و تنفيذ ما يتم تلقينه من مقولات وأيدولوجيات مقولبه و أفكار معلبه سابقه التجهيز .!!
 
إن أهم ما يميز الأنسان عن الحيوان بخلاف القدره على المشى المنتصب على قائمين وأمكانية التعبير بأستخدام الكلمات المنطوقه والمكتوبه،هو التعقل والتفكير النقدى والأبتكارى،الناتج عن الأدراك والوعى بالوجود والتفاعل القائم على الفكر فى رحلة السعى لتلبية أحتياجاته ومواجهة ما يعترضه من معوقات،وليس فقط مجرد تفاعل بيولوجى قائم على أشباع الغريزه والأحتياجات،فالإنسان هو الكائن الوحيد الذى له تاريخ وحضاره ومنتج علمى وأدبى يختلف من عصر لأخر،وطرق مختلفه ومتغيره لمواجهة ما يهدد سلامته،وألتكيف مع ما يطرأ على العالم المحيط به من ظواهر وأحداث،ولكن تتسبب مجتمعاتنا العربيه فى أعاقه أستمرارية تطوره وأرتقائه بسبب ما يحدث بها من تسلط وطغيان مجتمعى يتمثل فى تشويه وتحجيم وبرمجه شامله ومكثفه لوعى الفرد منذ طفولته، وأدلجته بتوريثه توريثاً تلقائياً أجبارياً لكافة عقائدنا ومعتقداتنا ومرجعياتنا ومناهجنا فى التقييم والتصنيف للصواب والخطأ والطبيعى والغير طبيعى،دون أعطائه الفرصه لدراسة تلك الأفكار والقيم والمبادئ والعقائد والمعتقدات بموضوعيه ومنهج نقدى متحرر من أى تصور أو اعتقاد مسبق،ومقارنتها بكافه القيم والأفكار والعقائد والمعتقدات الأخرى،ورفضها ونبذها وتركها كافةً إذا أكتشف وتوصل الى أقتناع بأفضلية بعض الأفكار والقيم  والمعتقدات والعقائد الاخرى وأتاحة الفرصه أمامه لأعتناقها بدون أى تهديدات أو معوقات بل والسماح له بالدعوه الى ما يعتنقه والسعى  الى أعتناق الأخرين لما يؤيده من عقائد وأفكار سلميه غير أقصائيه، أو تكونت لديه قناعه بتفاهة  وضحالة ما أجبرناه على أعتناقه، وقمنا بقولبته وتلقينه فى كافة المؤسسات بلا أستثناء _ خاصة مؤسسة الأسره _ وتوريثه إياه من قيم ومنهج ومرجعيه للتقييم والتصنيف الأخلاقى ومفاهيم ورؤى وأفكار وتصورات عن الإنسان والحياه والكون،ومعتقدات ذات أصل أسطورى خرافى قبلى بدائى.
 
الكاتب إبراهيم البليهى  :لكل أمة ثقافة تختلف عن ثقافات الأمم الأخرى،ولكل ثقافة مسلَّمات سابقة للعلم ومحدِّدة لآثاره وهي في الغالب ليست قائمة على معرفة ممحصة اختبرها الوعي الفردي والجماعي واقتنع بها ثم مارسها حتى صارت سلوكاً تلقائياً لا شعورياً، وإنما هي مسلَّمات عفوية يتوارثها المجتمع عن أسلافه جيلاً بعد جيل، ويتشرَّبها الأفراد بشكل تلقائي، فهي لا تمر بالوعي ولا يغربلها العقل وإنما هي انسياب تلقائي من اللاوعي الجمعي إلى اللاوعي الفردي وقوامها التقليد والمحاكاة والوجدان والتلقين والحس المشترك ويمتصها اللاوعي الفردي مباشرة من المجتمع وبذلك فهي ليست نتيجة بحث وتدقيق وإنما هي امتصاص تلقائي وتكيّف وتطبّع ويستمر من المهد إلى اللحد ومصدر هذا التطبع هو البيئة وثقافة المشافهة والمحاكاة والتقليد والارتجال وردود الأفعال والانفعال التلقائي والسلوك العفوي إنها مسلَّمات تكوَّنت بالنسبة للمجتمع خلال التاريخ بكل ما فيه من صراعات وتحيزات وأهواء ودعاية وتزييف وحجب للحقائق ويمتص الأفراد منذ الطفولة كل هذا الركام غير الممحص فيذوبون به ويمتزجون فيه إن المسلَّمات محصَّنة عن فاعلية العقل بالبداهات السائدة، فعقل كل فرد في أي مجتمع يتشكَّل منذ الطفولة بالمسلَّمات المهيمنة في مجتمعه فيتعامل معها بتلقائية تامة ولا يخطر على باله أنها قابلة للشك أو الفحص،فهي ممزوجة بذاته بل هي ذاته فالذات لا تتكوَّن إلا بما يمتصه الفرد من المجتمع فهي بحكم هذه التلقائية العمياء تبدو وكأنها حقائق ناصعة ومكتملة وبذلك تتحصَّن عن فاعلية العقل الناقد فالعقل لا يكون في حالة الفاعلية إلا إذا هو انفك بالشك من تدفق التلقائية العمياء إن العقل في فاعليته هو الشك المنهجي وهو التعقل المتأني وهو التدقيق المستوثق وهو التوقف الفاحص وهو التمحيص الواعي وهو الشعور بالمسؤولية الفردية بواجب التحقق وهو الارتقاء بالذات عن التصديق الأبله وهو الخروج من سذاجة التلقائية البليدة إلى فاعلية العقل الناقد ولكن المسلّمات الثقافية سابقة دائماً للتعقل الفردي ومقولبة له، فالعقل البشري لا يعمل إلا ضمن إطار إداركي وهو سياق متكوِّن قبل إشراق وعي الفرد وهو له بمثابة نظام معرفي يُسيِّره تلقائياً فإذا كان هذا الاطار الادراكى محكوماً بالمسلمات فإنه يكون إطاراً آسراً يتحكم بحركة العقل فهو مأخوذ دوماً بالأوامر والنواهي يخشى التجاوز ويخاف عواقبه فيبقى مستسلماً للمسلَّمات وإذا تساءل أو شكَّك أو ناقش أحد النابهين فإن المجتمع المحبوس بالمسلَّمات يستنكر عليه ذلك ومن هنا يستمر العقل المنفعل مسيطراً ويتعطل العقل الفاعل وإذا نشط العقل الناقد فلا أحد يستجيب له بل يواجَه بالرفض  القاطع والمؤاخذة الحاسمة الغليظه... لذلك فإن التفكير عند أكثر الناس وعند الكثير من المجتمعات ليس أكثر من دوران في نفس المكان، فهو يظل مأسوراً بالمسارات المألوفة وفي هذه الحالة هو تفكيرٌ منفعل وليس تفكيراً فاعلاً إنه دوران من غير ناتج وإنما هو استهلاك لطاقة العقل دون مردود. أما التفكير الفاعل فهو الذي يتوقف عند كل شيء و يتساءل حول أي تصور و يتشكك في أية قيمة ، وبهذا يكون الفرد مستخدماً لعقله الفاعل و ليس فقط منفعلاً بفكر غيره 
إن المسلَّمات قيود ثقيلة تكبل العقل وتشل التفكير وتستبقي الفرد والمجتم الفرد والمجتمع في إطار التقليد والاجترار ، فلا بد من اختراق المتعارف عليه و إخضاع المسلَّمات للمحاكمة و عدم العودة الى الوثوق النهائي مهما كانت النتائج . " الحوار المتمدن "
 
 هذا بخلاف ما يحدث فى مجتمعاتنا من تقييد لحرية الفكر النقدى الغير مشروط،ومنع الخروج عن دائرة المعتاد والمقبول،وتحريم وتجريم أجتياز الخط المرسوم المتفق عليه والمعد سلفاً قبل ولادة الفرد نفسه بمئات وألاف السنيين،فمجتمعاتنا العربيه ذات العقليه الدوجماطيقيه التلقينيه الأعتقاديه تستخدم كافة مؤسساتها فى قولبة الفرد ببرمجته منذ نشأته على النظر للأشياء بنظره ثنائيه الأبعاد وتقييمها وتصنيفها على أساس مفاهيم تراثيه قبليه مطلقه جامده غير مرنه وغير نسبيه،بالرغم من أن كثير من الرؤى والأفكار بل وحتى الممارسات المحرمه والمرفوضه حالياً كانت مقبوله وطبيعيه ومستحبه فى فترات زمنيه سابقه فى نفس المجتمعات، وكانت تمارس علانيةً بحريه وبلا أى غضاضه أو أستهجان، لدرجة أن أتيانها كان لا يلقى من المجتمع ألا التأييد والأثناء على من يؤتيها بل وأحياناً كان يتم وصفه بالبطوله والأستحقاق للأفتخار،ومازال البعض منها يمارس بحريه بدون منع أو تجريم فى مجتمعات أكثر تحضر ورقى وتقدم وعقلانيه وثقافه ونضج فكرى وأزدهار علمى.