بقَلَم سامي شرف

 
تابعت زيارة الدكتور حازم الببلاوى رئيس وزراء جمهورية مصر العربية لدولةُ الإمارات الشقيقة، والتي هدفت في المقام الأول إلى تقديم الشُكرِ على دَعمها المالي و مُسانَدَتِها لِمصرَ في أزمتِها الاقتصادية، تلك الأزمة التي كُلِفَ الدكتور الببلاوى بِحَلِها والخُروجِ منها بعدَ ثورة 30 يونيو 2013، تلك الثورة التي كلف فيها الشعب المصري الثائر جيشه الوطني بحماية إرادته في استرداد مصر من عصابة فاشية أرادت أن ترهب شعبها وتستبد به، وما كان من الجيش وعلى رأسه رجل وطني من طراز فريد إلا أن لبى النداء، فحمى الإرادة الشعبية، واسترد الوطن.  
 
جَلَستُ مَشدوها وأنا أستَمع إلى حوار الدكتور الببلاوى معَ الجاليةِ المصريةِ بالإمارات مساءَ يوم الجمعة 25 أكتوبر 2013 لما سمعته من تصريحات أقل ما توصف به أنها غير مسئولة، ولا يجب أن تصدر عن رئيس وزراء مصر الثورة، أَتَت بِهِ الرياح إلى موقِع المسئوليةِ السياسيةِ والتنفيذيةِ في مَرحَلَةٍ حساسَةٍ وهامَةٍ من تاريخ مصر .. مرحلة مصرُ فيها في مفتَرَقِ طُرُقٍ وَعِرَةٍ و تَحَدِياتٍ داخِلِيَةٍ وخارِجِيَةٍ لها أَجِندَتُها وأطماعِها التي نعيها جيداً دونَ غَرَضٍ أو هوى، والعالمُ يَتصارَعُ من حولنا بِأَجنداتِ التَدَخُل السافر التي تُزكِمُ الأنوفَ برائِحَتِها الخبيثة دونَ خَجَلٍ أو حياء، ومن تصريحات الببلاوي هذه على سبيل المثال " أن الشعبُ المصري استعاد مِلكِيَتَهُ لِمصرَ رَغمَ أَنَهُ أَحيانا يُمارِسُ الحُرِيَة بِنَوعٍ من المُراهَقَةَ ", و" أنَ مصرَ دولةٌ مليئَةٌ بالمشاكِل ولكنها كَسَبت على حد أنها أنهت الحكم العسكري الذي لن يأتي نهائِياً "، وكانت الطاَمَةُ الكبرى أن جاء العنوان الرئيسي لجريدةِ الأهرام في اليوم التالي: "الببلاوى فى أبوظبى: مصر ستظل دولة مدنية و ثورة 25 يناير أَنهَت الحُكم العسكري منذ ستين عاما لِلأبد".
 
تَمَهَلتُ كعادتي في تقويم الأقوال والتصريحات والأفعال خاصة إذا كانت تَتَعَلَقُ بمسئول، ورأيت أنها ذات تصريحات الدكتور أحمد نظيف رئيس وزراء حسني مبارك الذي نعت فيها الشعب المصري بأنه غير مستعد للديمقراطية بعد، أي هراء هذا؟ هل قدر هذا الشعب العظيم أن يتولى المسئولية فيه رجال لا يعرفون قدره في الوقت الذي يشهد له العالم أجمع بالرقي والتحضر والسلمية، بعد أن أبهر الدنيا بثورتين عظيمتين أفشلتا كثير من ترتيبات شيطانية وضعت لتفتيت المنطقة، وتغيير خريطتها الجغرافية والسياسية، وأنقذتا مصر من براثن نظام مبارك المستبد الفاسد، ونظام عصابة الإخوان المتأسلمين التي أرادت أن تمارس الفاشية الدينية في أبشع صورها.
 
وإذا كانت مصر مليئة بكثير من المشاكل – وهو قول حق- فأين دورك يا سيادة رئيس الوزراء؟ وأين حكومتك في مواجهة تلك المشاكل؟ وأنت الرجل الذي كلفت للمرة الثانية لمواجهة هذه المشاكل، وهي اقتصادية بالأساس وهو تخصصك.
 
في المرة الأولى كنت ضمن حكومة  د. عصام شرف - سُمِيَت حكومة ثوار التحرير، وكانت خدعةٌ مُفَبرَكَةٌ سنكشِفُها فيما بعد في مقالٍ آخر إن شاء الله- ولم نرى أدنى انجاز لك، وأهم ما فعلته حينها يا دكتور ببلاوى أنك قدمت استقالتك من منصبك كنائب لرئيس الوزراء في أكتوبر 2011 بسبب ما عَبَرَت عنه في لقاءاتٍ تليفزيونية تلميعية بِعَجز حكومة عصام شرف عن حمايَة المتظاهرين في "أحداث ماسبيرو" ثُمَ عدت وسَحَبَت الاستقالة بعد مقابلتك للمشير طنطاوي ( الدكتور على السلمى, فى مقاله بجريدة اليوم السابع , العدد 886 - السبت 2 نوفمبر الحالى).
وفي هذه المرة الثانية والأخيرة –إن شاء الله- كلفت برئاسة الحكومة المصرية، وبجوارك نائبك د. زياد أحمد بهاء الدين ــ وهو للأسف لمن لا يعرف ابن الكاتب الوطني المصري الأصيل المرحوم احمد بهاء الدين؛ الذي وقف صامدا أمام الهجمة الأمريكية للاستيلاء على مصر نتيجة توقيع الاتفاقية الكارثية في الكامب -وما أدراك ما الكامب ـــ أهم ما فعلته ليس النهوض بمستوى معيشة المواطن البسيط، وتحقيق مطالب الثورة بل محاولة كسب رضاء الخارج في إطار ما يُسمى بالمصالحة مع جماعة الاغتيالات إرضاءً لأمريكا والغرب المترَبِصينَ بمصرَ.
 
 كانَ الأجدى بالدكتور الببلاوي وحكومته أن يُنجزوا التكليف الذي جاء لتحقيقه، وإنقاذ الاقتصاد المصري الموضوع في غُرفَة الإنعاش، وطمأنة الداخل والخارج بأن مصر تسير في طريقها الصحيح نحو الخروج من مشكلاتها، مما يجذب الكثير من الاستثمارات، التي تساهم في حل الأزمة، بدلا من ممالئة الغرب وتحميل المشهد المصري بما ليس فيه من قبيل أن مصر "أنَ مصرَ دولةٌ مليئَةٌ بالمشاكِل ولكنها كَسَبت على حد أنها أنهت الحكم العسكري الذي لن يأتي نهائِياً ".
 
أي حكم عسكري يتحدث عنه الببلاوي؟ ولمن يوجه الرسالة؟ ما هو تعريف الدكتور الببلاوي للحكم العسكري؟
 
إن المقولة الشائعة بأن مصر كانت ترزح تحت نيران حكم عسكري خلال الستين عاما الأخيرة، والتي ينطلق منها تصريح الببلاوي هي مقولة مشوشة تنطوي على مغالطة تاريخية ونمط من التحليل يؤدى إلى طمس المراحل المختلفة في تاريخ مصر الحديث.
 
وقد تم الترويج لهذه المقولة في دوائر غربية عديدة منذ ما قبل ثورة 25 يناير، حيث كان المطلوب بالنسبة لهؤلاء هو إنهاء ما وصفوه بستين عاما من الحكم العسكري الاستبدادي وإحلال حكم مدني محله متناسين أن الاستبداد يمكن أن يكون مدنيا (موسولينى، سالازار وغيرهما)، وقد ساير هذا المنطق العديد من العناصر الليبرالية والقوى الإسلامية، وقد كان موقف كليهما في تقديري يشوبه نوع من الثأرية من نظام يوليو.
 
حكم العسكر يا رئيس وزراء مصر هو سيطرة المؤسسة العسكرية على مقاليد الحكم في البلاد، والتحكم في المؤسسات المدنية التي تدير البلاد عن طريق التدخل في شئونها والتأثير على قراراتها بهدف أن تصدر قرارات وسياسات معينة أو منع قرارات وسياسات معينة، من خلال وقف العمل بالقوانين المدنية أو إخضاعها لسيطرتهم، وهو نظام استثنائي تلجأ إليه الدول في حالة الأزمات الطارئة واختلال الأمن، وتقرر فيه حالة الطوارئ ومنع التجول، وتمنح فيه السلطة التنفيذية سلطات واسعة حتى يعود الأمن والاستقرار للبلد، وغالباً ما يقرر حاكم الدولة هذه الأحكام العرفية. 
 
فهل مصر بهذا المفهوم كانت تحت وطأة الحكم العسكري طيلة ستين عاماً؟!!!!!
 
وهل لو تولى حكم مصر رئيس ذو خلفية عسكرية نكون في حكم عسكري؟! .. أليس من حق كل ما ينطبق عليه الشروط ويجد في نفسه القدرة على تحمل المسئولية أن يترشح لها كما يحدث في دول الغرب التي يتخذها البعض نموذجاً.. ألم تأت دول الغرب في كثير من الأحيان بقادة من خلفية عسكرية، وكانوا يفتخرون بذلك؟!؛ نابليون بونابرت وشارل ديجول في فرنسا، ونستون تشرشل (بريطانيا)، أمريكا التي تقول لا لحكم العسكريين في مصر لها 44 رئيس سابق منهم عدد غير قليل ذو خلفية عسكرية.
 وفي مصر يشهد تاريخها عبر كل العصور أن أعظم من تولى حكمها ونهض بها كانوا قادة ذو خلفية عسكرية مثل أحمس (قاهر الهكسوس بعد قرون من احتلال مصر)، وصلاح الدين الأيوبي (قاهر الصليبيين، ومنقذ بيت المقدس من أيديهم)، ومحمد على (باني نهضة مصر الحديثة)، وجمال عبد الناصر (باني نهضة مصر المعاصرة، وقاهر الاحتلال البريطاني،وبانى السد العالى ومؤسس صناعة الصناعة وصاحب المشروع النووى السلمى ومذيب الفوارق بين الطبقات  وقائد حركة التحرير في المنطقة والعالم). 
 
أقول للدكتور الببلاوي السلطةُ زائلة و مصرُ هي الباقيةُ دائماً، وجيشُ مصرَ الباسِل يحمى الشعب الذي هو جزءٌ أصيلٌ منهُ منذُ تاريخ مصر القديم و الوسيط و الحديث و المعاصِر ... و جيشُ مصرَ تاجٌ يَشرُف به أبناءُ مصرَ وأنا منهُم وما زال في الجعبةِ الكثير.
 
 و كفى حالياً و للحديثِ بَقِيَةٌ إن كانَ فى العُمر بَقِيَةٌ.
 و لكِ يا مصرُ السلامة وسلاما يا بلادى.
  واللهُ تبارك وتعالى وَلِىُ التوفيق